إدرج في 30 من سبتمبر 2016، التحطيب –لعبة العصا المصرية- في قائمة اليونسكو للتراث العالمي اللامادي. كان الشخص الفاعل في هذه الصورة هو د. عادل بول بولاد. دكتور الفيزياء ومدرب الكاراتيه المصري المقيم في فرنسا.
اقتربت وطني منه لمناقشته ومعرفة بعض الإجابات حول الأسئلة المثارة عن ذلك المشروع الوطني المتميز.
*كيف كانت نشأتك الرياضية؟
بدأت الرياضة عندما كنت في العام الثالث فقمت بممارسة السباحة والتجديف وكرة القدم، ثم انتقلنا إلى بورفؤاد حيث بدأت ممارسة الجمباز عندما كنت بالثامنة، كما بدأت ممارسة المصارعة مع الأطفال على الشاطئ، ومن بين الأطفال هناك طفل يدعى مصطفى كان من أفضل الأولاد، وعلمت حينها أنه يمارس الجودو، فقررت ممارسة الجودو، الذي كان يمارس في بورسعيد، فكنت أذهب مرة واحدة أسبوعيًا أمارس الجودو هناك، لكني لم استمر به.
ثم انتقلت مع أسرتي للحياة في فرنسا ودخلت في الجامعة في العام 1969. وقررت حينها الاستمرار في ممارسة الفنون القتالية فاخترت أقوى الفنون القتالية حينها وكانت الكاراتيه، وكنت حينها أود فقط معرفة ما هو هذا الفن وليس بهدف الاستمرار، لكن ما حدث هو إني ظللت أمارس الكاراتيه 47 عامًا وحصلت على درجة مدرب رسمي أو معلم دولة professeur d’État وأقوم حاليًا بتدريب المدربين والحاصلين على الأحزمة السوداء، وهناك ممن دربتهم وصلوا إلى 6دان (الدان تدريج يحصل عليه لاعب الفنون القتالية بعد حصول على الحزام الأسود).
* هل أثرت الفنون القتالية على توجهاتك في الحياة؟
نعم، فهذه الرغبة في ممارسة الفنون القتالية (الجودو ثم الكاراتيه) فتحت لي باب البحث حول هويتي وذاتي، ولذلك بدأت، ولهذا فأنا مستمر في الفنون القتالية ولن أتوقف في تلك المسيرة أبدًا، فلو توقفت لكان الأمر لا يلمس عمق شخصيتي، لهذا فعندما أجد احد يتوقف عند مستوى معين ف الفنون القتالية، أعرف أنها ليست المسار الحقيقي لذاته. ولها فبدأت ممارسة الأيكيدو (فن قتالي ياباني يعتمد على لي وغلق المفاصل) والإيايدو (فن من فنون القتال بالسيف الياباني ويعتمد فيه على سرعة الاستجابة للهجمات) حتى أعمّق مسيرتي في الفنون القتالية، وأعمق فهمي لها، فكل رياضة من تلك الرياضات بها أوضاع مختلفة وحركات وزوايا حركات مختلفة والتمرن بمختلف تلك الأوضاع يضعني أمام تحديات جديدة في كل مرة ويعمق فهمي للكاراتيه وسائر الفنون القتالية اليابانية.
وهو الأمر ذاته ما حدث عندما كتبت رسالة الدكتوراه، فقديمًا كان الباحث يقوم بدراسة ظاهرة معينة من وجهة نظر علم معين فقط. ولكن في السبعينات قام باحثين أمريكيون وفرنسيون من خلفيات علمية مختلفة بالتجمع ومناقشة الظواهر من خلال علومهم المتخلفة، فتفتحت الأبواب بين التخصصات وبدأ الإنسان في فهم الأمور بشكل الأعمق بسبب تغيير زاوية الإدراك.
وهو ما أقوم به حاليًا في شركتي فأقوم بتجميع أقسام الشركة المختلفة، حتى نرى هدفنا من زاوية مختلفة حتى نقوم به بأحسن ما يمكن.
والآن يمكن القول إن الفنون القتالية أصبحت هي محور حياتي وهي رغبتي المستمرة، فبالرغم من مسئولياتي الدولية فأنا دائم التدريب، حتى إنني في كل سفراتي أحمل معي ملابس التمرين، وفي معظم الأماكن التي أسافر إليها مثل سويسرا والولايات المتحدة وبريطانيا هناك أندية أتمرن فيها. وعندما أسست شركتي في 2001 كانت أرتب مواعيدي في الشركة حسب مواعيد التدريب.
*لننتقل إذن للحديث عن التحطيب؟
يجب في البداية أن نعرف كيف بدأ التحطيب أولًا، التحطيب ظهر كفن قتالي يتمرسه الجيش المصري القديم، ونجد تصوير لمصريين يمارسون التحطيب في مجموعة الملك ساحورع بأبوصير، ومقابر النبلاء. لكن مع الوقت بدأت يتحول إلى لعبة شعبية احتفالية، وهو ما ساعد على توفيق المجتمع الريفي في مصر، حيث كان الريفيون يمضون وقتهم بالألعاب وتلاوة الألغاز والأشعار، وبالإضافة إلى لك كانوا يمارسون التحطيب، سواء مصحوبة بالموسيقى أو من دونها. وبحلول الخمسينات بدأ الريفيون الهجرة إلى المدينة، وهجروا مع مدنهم .. التحطيب، فبقى التحطيب فنًا احتفاليًا خاصةً عندما أدخله محمد رضا كفن من فنون فرقته الشعبية. وأنا لم أكن أرى إلا ها الجانب الراقص، وحتى عندما كان أقراني يدعونني لمشاهدة عروض التحطيب بالصعيد بصفتي ممارس للفنون القتالية كنت أتعالى وأقول لهم “دا أي كلام، دا مجرد رقص”.
وفي العام 1999 قابلت شكري وهو محمد فنان مصري من أصل نوبي، كشف لي عن ما لم أره بعيني طوال السنين الماضي فقالي: “إن التحطيب أعمق من مجرد رقصة وله تاريخ طويل”، وبدأت من خلاله التعرف على معلمي التحطيب في أسوان وقنا ومختلف مدن الصعيد، وبدأت التعلم منهم فنون التحطيب. ومن بين من تعرفت عليهم هم المعلم داخلي الصيوتي وهو كان رئيس مقابر مصر الوسطى، وقد حصل على جائزة العصا الذهبية في فن التحطيب من وزارة الثقافة. أيضًا تتلمذت على يد محمد عبد الرازق واحمد علي يوسف، والرائع في الأمر إني عندما بدأت التعلم منهم فن التحطيب وجدت مبادئ التحطيب تتشابه مع مبادئ الفنون القتالية اليابانية التي تعلمتها وأتقنتها. وحينها قلت إن هذا الفن يجب أن ينال الاهتمام وأن تسلط عليه الأضواء محليًا وعالميًا، فهي رياضة قتالية سابقة عن كل الفنون القتالية المنتشرة حاليًا بآلاف السنين، ولازلت مستمرة إلى الآن أي نعم بشكل فولكلوري، لكن هذا لا ينفي الأساس القتالي، وهو ما يحمله العديدين في قلوبهم، فهناك الكثير من معلمي التحطيب يرفضون فكرة الاحتفالية فيرفضون عزف الموسيقى مع التحطيب. حينها جلست مع معلمي ولاعبي التحطيب في ملوي وكتبت ورقة سجلت فيها أنوي أن أفعله، وكان من بينها عروض لفنون التحطيب موقع وقناة خاصة على موقع اليوتيوب. وتحقق كل هذا، فهناك موقع لنا على الانترنت وهناك قناة على اليوتيوب بها أكثر من مائة فيديو عن التحطيب التقليدي والمعاصر بالإضافة إلى فيديوهات العروض التي قمنا بها.
قناة التحطيب المعاصر على موقع اليوتيوب
https://www.youtube.com/user/tahtibseiza/featured
*كيف أسست التحطيب المعاصر؟
بدأت أعبر الصعيد كله جامعًا أساليب المناطق، لأن لكل بلدة ومنطقة في الصعيد أسلوبها الخاص في التحطيب، وقمت بعمل هيكلة رياضية لكل الحركات والتقنيات التي جمعتها وضمنتها في ثمانية تشكيلات تشبه الكاتا في الكاراتيه أو البومزا في التايكوندو. من خلال تلك التشكيلات يمكننا أن ننقل أسرار مناطق الصعيد المختلفة إلى للمجتمعات العمرانية، وأطلقت مسميات على تلك التشكيلات بحسب رؤيتي لها، وهي نخلة، نقطة، قنطرة، جولة، لفّة، مسحة، خدعة، خلعة، تلك التشكيلات يمكنك ممارستها بمفردك، أو مع فرد آخر، أو مع فرقة موحدة بإيقاع، أو داخل تشكيلة في خط مستقيم أو باحترام لسلسة الحركات من دون الإلتزام بالخط المستقيم وهو ما يدربك على التركيز في زوايا جسمك حسب الشخص المقابل لك، كما تمارس مع عدة مهاجمين تدافع عن نفسك ضدهم.
تلك التشكيلات من شانها أن تنمّي اللاعب وتعزز حركته وتركيزه في حركته في زوايا واتجاهات مختلفة وتقدير للأشخاص المحيطين به، وهو ما يعزز تواصل اللاعب بينه وبين الآخرين، وهي ذاتها المبادئ التي على أساسها ارتكز التحطيب التقليدي، ومن هنا يمكن القول إن التحطيب المعاصر ينسجم مع قيم التحطيب التقليدي.
نقطة أخرى في تلك التشكيلات، إنها المرة الأولى التي يجتمع فيها فنون التحطيب في سائر مصر كلها مع بعضها البعض، ففي المهرجانات التي كانت تقيمها وزارة الثقافة كان لاعب التحطيب ينازل شخص من نفس منطقته، فلم يكن هناك تواصل بين الأساليب المختلفة لكن التحطيب المعاصر فعل ذلك وجمع كل فنون التحطيب في لعبة واحدة.
تشكيلة نخلة –إحدى التشكيلات بالتحطيب المعاصر
https://www.youtube.com/watch?v=6hvQGKVCjHg
والآن فقد قال عادل بولاد إن التحطيب يعود إلى عصورنا القديمة، فهل سيعود بنا إلى عصور المصريين القدماء للتأكد من مسار التحطيب التاريخي؟.