خلال زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والوفد المرافق لها؛ لقداسة البابا تواضروس بالمقر البابوي بالكاتدرائية بالعباسية، قام قداستة بإلقاء كلمة؛ رحب فيها بزيارتهم الكريمة قائلاً: “نرحب بكم على أرض مصر التي تباركت بزيارة العائلة المقدسة في بداية القرن الأول الميلادي .. وكان السيد المسيح أول لاجئ في التاريخ ..
لقد عاشت العائلة المقدسة في بلادنا أكثر من ثلاث سنوات وفي مواضع كثيرة شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا .. فصارت مصر بلاد مقدسة.
نرحب بكم في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي تأسست في منتصف القرن الأول الميلادي على يد القديس مارمرقس الإنجيلي في مدينة الاسكندرية على ساحل البحر الابيض المتوسط.
ومن مصر نشأت مدارس التعليم اللاهوتي المسيحي ومن مصر ظهرت الرهبنة وكان الراهب الأول مصريًّا وهو القديس الأنبا أنطونيوس الكبير .. وفي مصر كانت عصور الاستشهاد المتتالية ..كما نقرأ عنها في التاريخ.
لقد عاشت الكنيسة المصرية امتدادًا للحضارة الفرعونية قبل المسيح وامتدت إلى سبعة قرون حيث دخل الإسلام مصر فى القرن السابع الميلادى لتعيش الحضارات الفرعونية والمسيحية والإسلامية فى تمازج مدهش ..
إننا نعيش مسيحيين ومسلمين فى مودة ومحبة وعلاقات اجتماعية مشتركة ولنا تاريخ مشترك من التفاهم والتعاون ..من الفرح والألم .. من السعادة والضيق ..
نعيش حول نهر النيل الذى هو أبو المصريين ونعيش على الأرض حوله ، والأرض هى أمنا … ومن نهر النيل نشرب المياه ونتعلم الطبيعة الهادئة واللطيفة والمسالمة …
ولكن تحدث بين الوقت والآخر بعض المشكلات بسبب الفقر أو الجهل أو التعصب أو الازدحام .. وتحاول الكنيسة مع الدولة أن تحل هذه المشكلات فى إطار الأسرة المصرية الواحدة ..
ومع ثورة 30 يونيو 2013 التى قام بها الشعب المصري مسلمين ومسيحيين ، وحماها الجيش المصرى، ومع وجود دستور جديد ، وانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وتأسيس البرلمان الجديد ، وانطلاق مصر نحو المستقبل بخطوات ثابتة ومشروعات عملاقة، ظهرت ملامح جيدة على تحسن الوضع المسيحي المصري مثل : إقرار أول قانون لبناء الكنائس في مصر ، وانتخاب 39 عضوًا مسيحيًّا بالبرلمان مقارنة بعضو واحد سابقًا … ومثل زيارات السيد الرئيس للكاتدرائية ليلة الكريسماس حسب التقويم الشرقى … ومثل اهتمام الدولة بتعمير إصلاح الكنائس التى احرقت ودمرت في أحداث أغسطس 2014 م.
ومازال فى الطريق خطوات أخرى تعبر عن المواطنة الكاملة وعدم التمييز والمساواة ..
إننا جميعًا كمصريين مسلمين ومسيحيين نعمل على بناء مصر الحديثة .. ومصر المستقبل ..
حقًا إننا نعاني جميعًا من هجمات الإرهاب والعنف التى تعرقل مسيرتنا ، ولكنها لا توقف تقدمنا .. وإصرارنا على أن نحيا مصر فى أفضل صورة ..
واثقين فى الله الذى يبارك بلادنا .. واثقين في قدرة القيادات السياسية والاجتماعية والتشريعية فى بلادنا …واثقين فى علاقات المحبة التى تجمعنا كمصريين واثقين أن مساندة بلادكم العظيمة المانيا فى كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والاجتماعية والفنية سوف تساعد على مزيد من الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط.
إن لألمانيا تاريخ طويل فى التعاون مع مصر تقديرًا لأهمية دورها فى التاريخ الإنساني ، وعلى سبيل المثال التعاون فى المجال التعليمي والثقافي ..
نذكر بفرح أول مدرسة ألمانية فى مصر 1873م .. وكذلك معهد جوته بالقاهرة والأسكندرية ، والجامعة الألمانية ، والمعهد الألماني للآثار 1907م .. والبعثات التعليمية وغيرها ..
وقد ساهم هذا التعاون التعليمي والثقافي فى بناء المجتمع المصرى بصورة عصرية ونحن نتطلع الى المزيد ..
وننتهز زيارتكم الطيبة لأشكركم على احتضان الكنائس المصرية فى بلادكم بكل ترحاب ومودة.. ونشكركم على ايفاد السيد فولكر كاودر للتعزية فى شهدائنا .. كما ان استقبالكم للآلاف من اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط هو عمل إنساني بالمقام الأول خاصة بعد الدمار الذى شهدته بعض الدول بسبب بعض السياسات الغربية الخاطئة فى فهم العقلية العربية وطبيعة المنطقة وتقاليدها.
وفي نهاية الكلمة قام قداسة البابا تواضروس بتوجيه الشكر للمستشارة الألمانية والوفد المرافق لهم بهذه الزيارة الكريمة. قائلاً : ” زيارتكم وتعاونكم واهتمامكم يحيي آمالًا عريقة فى مستقبل مشرق وعالم تسوده القيم الإنسانية الرفيعة ومرحبًا بكم وشكرًا لزيارتكم الكريمة ونرجو لكم إقامة طيبة فى مصر وأهلًا بكم .”