الأب بطرس دانيال
يارب… أكتب لك خطاباً غير معتادٍ ويبدو أنه غريب، هذه الرسالة مني كطفل بدأ في الإيمان بك بكل وعي وفهم وحُب. أما الآن، اكتشفتُ أن الهدايا التي كانت تُقدّم لي، لم تكن منك أنت، وإنما كان والديّ وأحبائي يرسلونها لي عن طريق بابا نويل، حتى أنني فهمت بأن هذه العطايا مرتبطة بالمحفظة والمال، ولم تكن هبات مجانية. للأسف، توجد عقليات تربط بين الهدايا والنقود، كل شيء يُشتَرى، نستطيع أن نحصل على كل ما نحتاجه إذا كان لدينا مال، لكنني انتظر هبة أخرى لا تُقدّر بثمن أو تُشترى. وهذه الهبة ستغيّر العالم وليست لها صلة بالمال. عطية لا نستطيع الحصول عليها من المحلات ولا صلة إذا كنتُ صالحاً أم لا. أنا أنتظر هذه العطية التي ستُمنَح لي حتى ولو كنتُ خاطئاً أو لستُ على ما يرام. انتظر عطايا تُغيّر العالم كالسلام والمحبة والسعادة والارادة الصالحة والأخوّة والعدل بين الناس. انتظرُ كل هذه منك شخصياً. كما أطلب منك يارب أن تقرأ رسالتي جيداً، لأن عيد الميلاد بالنسبة لي هو انتظار العطية. أنا لا أعدك بأن أكون طيباً أو صالحاً يوم عيد ميلادك. أودُ أن أكون صادقاً معك. كثيرون يتظاهرون بأنهم صالحون وأسخياء ومتعاطفون ومهذّبون ومتسامحون إلى درجة أنهم يبْدون كقديسين. ولكنهم في الغد يعودون كما كانوا من قبل إلى الأنانية واللامبالاة تجاه القيم الإنسانية والروحية، ويبحثون عن المنفعة الذاتية والمصالح الشخصية وغيرها. جميعُنا يتفنن شتّى الطرق للاحتفال بالعيد من طعام وملابس وهدايا وزينة ومشاعر طيبة، كل هذه تُستهلك في يوم عيدك. لذلك أُعلن لك صراحةً بأن لا نيّة لي لأكون أفضل وأحسن وأطيب في يوم ميلادك، لكن أريد أن أكون كما أنا حتى تستطيع التعرّف عليّ وتتقابل معي مثل سائر الأيام الماضية في ضعفي ووهني. لذلك لا أعدك بأي تغيير في هذا اليوم.
لا رغبة لي في ذلك، تكفي الأعداد الغفيرة التي تتجمّل في هذا اليوم، لكنني أعدك بأن أتغيّر في اليوم التالي، وسأضع على عاتقي عيد الميلاد من الغد. كثيرون هم الذين يقدّمون أفضل ما عندهم في هذا اليوم، ولكنني أريد أن انتهز الأفضل كنتيجة للعيد. يكفينا أن هذا اليوم مملوء بالأفضل والأحسن وهو ما قدّمته أنت يارب لنا جميعاً. الغالبية العظمى تعتبر عيد الميلاد كيوم خارج تقويم السنة، كأنه يوماً لا وجود له في الزمن، أو كأنه محطة الوصول النهائية. ليس عيد الميلاد هو نقطة الوصول، لكنه محطة الانتقال والسفر، يجب أن نعي جيداً بأننا لم نصل إلى النهاية في هذا اليوم، ولكننا نبدأ في التحرك والرحيل.
بالنسبة للكثيرين كل شيء ينتهي في عيد الميلاد ولكن يجب أن نبدأ من هناك كنقطة انطلاق. كما كانت هذه هي اللحظة الحاسمة للرعاة والمجوس الذين بدأوا الرحيل بعد لقائهم معك يوم ميلادك. كذلك نحن أيضاً نستطيع أن نعتبر لحظة الاحتفال بالميلاد تبدأ بعد انتهاء مباهج الفرح والاحتفال بالعيد.نستطيع أن نكتشف ونعلن هذا للآخرين بأن عيد الميلاد حلّ علينا، ليس لأنه تاريخ محدد ومكتوب في التقويم السنوي، ولكن لأننا تغيّرنا للأفضل على الصعيد الروحي والإنساني والأخوي.
لذلك يجب علينا أن نفرّق بين تاريخ وحدث، فالتاريخ هو شيء محدد وثابت ومكتوب ولا يتغيّر، بينما الحدث هو واقع حيوي ومنفتح على المستقبل، أي شيء سيحدث. التاريخ يخص الماضي وبكل بساطة يتحول إلى ذكرى، أما الحدث يخص المستقبل، ويجب علينا اختراعه وابتكاره وتجديده. لذلك عزيزي الطفل يسوع، لا تنتظر مني شيئاً جديداً في ليلة ميلادك. أنت قمت بكل ما عندك، ولكن من المضحك أن أدّعي باضافة شيئاً جديدا في هذا اليوم، سأكتفي في يوم ميلادك بالمشاهدة والملاحظة والتعجب، وسانتظر اليوم التالي لأبدأ إحياء هذا العيد على مدار العام. كل عام وجميع المصريين بخير وسلام بمناسبة العام الجديد وعيد الميلاد المجيد طالباً من الله أن يمنحنا الأمن والآمان تحت رعاية رئيسنا السيد عبد الفتاح السيسي والقوات المسلّحة والشرطة والقضاء.