هل أفزعتك لفظة “مجانين”، هل رأيت فيها من المبالغة بحيث أنني قصدت “مهووسين” ولكنني بالغت لأثير انتباهك..
ربما تفكر الآن أنهم ليسوا حقًا بالمجانين الذين أثروا في التاريخ وانما لهم بعض العادات الغريبة أو التقاليد ،أو أنهم غريبو الأطوار كعادة العظماء والمخترعين والعلماء والمبتكرين..
إلا أنني حقًا قصدت “مجانين” ففي هذا الموضوع أستعرض لك 10 شخصيات مشهورة جدًا في التاريخ الانساني ،إلا أنهم قد عانووا من الاضطرابات النفسية الحادة بالفعل، ونعتهم بالمجانين لم يكن أبدًا كناية عن غرابة أطوارهم أو عبقريتهم الفذه.
وربما ليس من الغريب علي بعضنا أن التاريخ البشري ملئ بالمجانين الذين قد وصلوا إلي سدة الحكم في العالم بأسره، وبعضهم وصل إلي الذروة في كتابة الشعر والموسيقي واختراع النظريات العلمية والفلسفية،إلا أننا لدينا بعضهم من أثروا بشكل كبير في التاريخ وحازوا علي الشهرة الكبيرة ما جعلهم في المقدمة لعصور متتالية.
فهل لازالت تعتقد أن الأسوياء فقط هم القادرون علي تغييرالتاريخ…! أو أنهم فقط من بنوا الحضارة الانسانية التي نعيش اليوم علي اقصي امتدادها….؟!
إذ كنت تظن هذا فأنت قد جانبك الصواب كثيراً…
وربما تغير نظرتك ووجهة نظرك بعد اليوم.
1-إبراهام لينكولن:
هل أصابك الذهول؟؟؟ نعم إنه لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الامريكية ،بل وأحد أشهر وأكفأ رؤساها علي الإطلاق.
وعلي الرغم من انجازاته، إلا أن لينكولن كان معروفًا عنه ميله إلي “الاكتئاب الحاد المزمن”.
فكان معروفًا عنه احساسه الدائم بالإكتئاب الحاد، حتي أن بعض المؤرخين لسيرته ذكر أنه فكر في الانتحار عدة مرات.
وذكر أيضًا بعض المؤرخين أنه كان يبكي فجأة بدون سابق انذار،ثم يطلق النكات المرحة بعد بكاؤه حتي”يوازن الحزن”الذي يشعربه.
وكان من المعروف عنه أنه كان كثيرالعمل والجهد حتي لا يعطي لنفسه الفرصة للشعور بالاكتئاب،وكان شديد الإيمان بالنواحي الدينية والقدرية والإنسانية ،التي كانت تخفف شعوره الدائم بالحزن والاسي والاكتئاب الغير مبرر.
2-فنسنت فان جوخ:
انه الرسام الهولندى الشهير فان جوخ، وهو الذي قد بلغ به الجنون حتي قطع أذنه بنفسه كما يعتقد البعض، وحاول الانتحار عدة مرات إلي أن وُفق لذلك في النهاية ،وبالفعل مات منتحراً.
وقد كان جوخ يعاني من نوبات صرعية عنيفة نتيجة مشاكل في المخ بسبب إدمانه المبالغ فيه علي المشروبات الكحولية والمخدرات.
وكان لديه حماسًا شديدًا للرسم من ناحية وللدين من ناحية أخري، حتي أنه كان ينهي لوحاته الصعبة والمعقدة بسرعة كبيرة ثم يدخل في فترة طويلة من الاكتئاب،مما جعل كل النظريات العلمية تؤكد أنه كان يعاني من إضطرابات نفسية ثنائية.
وما لا يعرفه البعض أن جوخ كان كاتبًا غزير الإنتاج أيضًا بشكل مثير للريبة مما جعل بعض المتخصصين النفسيين يؤكدون أنه كان يعاني من مرض نفسي مرتبط بالحالات الصرعية ،يجعله يشعر برغبة كبيرة في الكتابة والتدوين.
وعلي الرغم من كونه كان متعدد الامراض النفسية إلا أنها لم تكن سببًا لفشله وإنما حولته إلي عبقري حقيقي في نظر الجميع.
3-بيتهوفن:
جميعنا نعرف جيدًا الملحن الموسيقي العالمي بيتهوفن،فحتي وإن لك تكن من المهتمين بالموسيقي إلا أن بيتهوفن اسم شهير جدا في التاريخ الانساني للمهتمين بالموسيقي أو الغير مهتمين.
كان بيتهوفن عبقري حقيقي إلا أنه عاني قهرًا طويلًا وتعذيبًا شديدًا من والده،مما أدي إلي فقده لحاسة السمع في مراحل متقدمة من حياته.
وقد عاني بيتهوفن من اضطرابات نفسية عنيفة جعلت الابداع والطاقة والتركيز والروعة التي ينتجها في الموسيقي ، يقابلها اكتئاب حاد ووحدة وظلامية وحزن دائم.
وكعادة الامر كان بيتهوفن يعالج من هذه الامراض بتعاطي المخدرات والكحول،والتى للاسف كانت تزيد من أعراض مرضه،ولاتقلل منها كما كان شائعا وقتذاك.
4-إدغار آلان بو:
كان إدغار كاتب الرعب الأشهر علي الإطلاق، وهو المعروف بسوداويته وعوالمه الرهيبة التى نقلها من عقله إلي الورق.
كان إدغار آلان معروفًا باهتمامه الشديد بعلم النفس، مما انعكس علي كتاباته حيث كان شغوفًا للغاية في إظهار الشخصيات المضطربة نفسيًا والتي تعاني الجنون المطبق والمخيف، ولكن هل كان هو نفسه مجنونًا، وانعكست شخصيته علي كتاباته؟؟!!
كل الوقائع كانت تقول نعم وبعنف.
5-البروفيسور جون ناش:
هذا البروفسور العظيم ، الذي مثّل دوره الممثل الامريكي المُبدع راسل كرو فى فيلم ” A Beautiful Mind ” – العقل الجميل – ، والذي ترشح بسببه لجائزة أوسكار أفضل ممثل.
كان ناش عالم عبقري في الرياضيات وحصل علي جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1994م، بعد أن طور نظريته الخاصة عن الإتزان،سماها نظرية ناش للإتزان.
إذا كُنت قد شاهدت الفيلم سالف الذكر ، فأنت تعرف طبعاً أن الرجل كان يُعانى من حالة متقدمة من الشيزوفرانيا أو ” الفصام ” ، تجعله دائماً يسمع أصوات غير حقيقية ، ويرى شخصيات وهمية، وتم حجزه اكثر من مرة فى مستشفيات ومصحات نفسية ،وخضع للعلاج بصدمات كهربائية والكثير جداً من الادوية
ولكنه كان عبقرياً بكل ما تحمله الكلمة من معان ، واعتُبر قصة كفاح مُذهلة ، كانت جديرة لعمل فيلم من أضخم أفلام هوليوود ، حقق نجاحاً مُنقطع النظير.
وقد تحسّنت حالة جون ناش تدريجياً ، وأصبح يُدرّس فى جامعة برينستون بشكل طبيعي، وعلى خلاف كل المرضى السابقين ، يبدو انه هو الوحيد الذي نجا من الإنتحار.
6-السير إسحق نيوتن:
نيوتن هو أحد أعظم العقول البشرية علي الإطلاق ،بل إن البعض اعتبره درة العقل البشري.
فقد كان نيوتن عبقرية انسانية تسير علي قدمين والمنّظر الأول لقانون الجاذبية وقوانين الحركة ومخترع أول تليسكوب عاكس،بل وعشرات القوانين والاختراعات الاخري.
وقد أجمع المؤرخين أنه كان يعاني من اضطرابات نفسية عنيفة حوّلته في نظر الكثيرين إلي مجنون حقيقي.
كان من الصعب الجلوس مع نيوتن لفترة طويلة،حيث كان متقلب المزاج إلي حد لايصدق وسريع الانفعال وشديد الغضب ضيق الأفق،كان يتحدث مع نفسه بصوت عال كثيراً ويخاطب أشخاص غير موجودين.
واعتقد الكثير من الكتاب والمؤرخين المعاصرين أن نيوتن كان مصابًا بإضطرابات نفسية حادة، وأنه كان مصابًا بشيزوفرينيا شبيهة للتي كان يعاني منها جون ناش، ولكن لم يكن العلاج النفسي متوافرًا وقتها،فاستمر معه حتي وفاته.
7-إرنست هيمنغواي:
إرنست هو الأديب الأمريكي الكبير الحائز على جائزة نوبل للآداب في العام 1954 ، وأحد أشهر الرواة وكاتبي القصص فى الولايات المتحدة والعالم اجمع.
وللاسف كان هيمنغواي ضحية دائمة للإكتئاب وإدمان الكحوليات ، ومات مُنتحراً بطلقة رصاص من بندقيته التى كان يحتفظ بها دائماً ويعتز بها جداً ، وهو المصير الذي أستمده على ما يبدو من مصير والده وأخوه واخته ، الذين ماتوا جميعاً مُنتحرين أيضاً.
والحقيقة أن هيمنغواي كان من أكثر الشخصيات التاريخية غرابة على الإطلاق،فقد كان يكره شراء ملابس جديدة ، ويرفض تماماً أن يرتدي ملابس داخلية. وكان يخاف من استعمال الهاتف جداً ، ويحمل تعويذة فى جيبه دائماً ،بل وكان لديه ميل رهيب للرحلات والسفر، وخاض فترة عمل لدى المخابرات الأمريكية سراً ، ولم يعرف أحد ذلك إلا بعد وفاته.
كان هيمنغواي هو الكاتب الأعلى سعراً فى زمنه على الإطلاق ،وكان من المستحيل أن يكتب كلمة واحدة يوم الاحد تحديداً لسبب مجهول.
8-هوارد هيوز:
أصبح المراهق هوارد هيوز مليارديرًا يمتلك عدة بلايين من الدولارات في سن التاسعة عشرة من عمره،ورثها من أملاك أبيه الذي كان يمتلك شركة عملاقة للمواد البترولية.
كان هوارد شابًا وسيم مولعًا بالطيران ببشكل مبالغ فيه،وعمل في انتاج الافلام،ويعتبر واحدًا من أنجح الشخصيات في الولايات المتحدة وأكثرهم أناقة وشهرة.
ولكنه أسوأ إنسان تقابله في حياتك إذ تعلق الأمر بالجراثيم….
كان هوارد يحمل خوفًا هائلا من الجراثيم جعلته بمرور السنوات يدمن تعاطي بعض أنواع المخدرات في محاولة للتغلب علي بعض أنواع الفوبيا التي يحملها من الجراثيم إلي حد الجنون، فقد جعلته الفوبيا يصل إلي مرحلة متقدمة من الوسواس القهري الذي جعله يشك في أي حد يقترب منه مهما كان.
حتي أنه كان معتادًا علي طرد أطقم الخدمة لديه بشكل سريع ، باعتبار أنهم جميعاً أوغاد مُتآمرون عليه ، ويُقدمون له الطعام دون أن يغسلوا أيديهم جيداً ويعقمونها بشكل كاف من الجراثيم .
فقد وصل الرجل إلي مرحلة من الجنون المُطبق ، جعلته يتعوّد النوم عارياً فى الظلام لأن ذلك يحميه من الجراثيم كما كان يقول ! .. كما كان يرتدي جوارب خاصة غريبة الشكل ، يظن انها تقيه من مخاطر الجسيمات الدقيقة الغير مرئية.
9-تينيسي ويليامز:
كان تينيسي كاتب مسرحي شهير، أمريكي الجنسية، نال جوائز عديدة على أعماله العالمية الشهيرة، وقد وُلد فى أسرة لها سجل حافل بالامراض النفسية ، فضلاً عن إدمانه الشديد للكحوليات والمخدرات.
وقد زاد من حدة معاناته النفسية هو موت حبيبته ، وقبل ذلك وفاة أخته التى كانت مُصابة بمرض الشيزوفراينيا خلال عمليه جراحية ، مما أدى إلى الإلقاء به فى غياهب الظلام والامراض النفسية والإكتئاب ، وكان دائماً يخاف الإصابة بالجنون مثل أخته.
ونتيجة خوفه الدائم من أن يُصاب بالجنون مثل أخته ، جعله يُجن بالفعل ويعانى من اضطرابات نفسية بالغة حتى وفاته.
10-ملك فرنسا تشارلز السادس:
على الرغم من العظمة والخُيلاء التى تبدو عليها صورته المرسومة، إلا أن التاريخ يُشير إلي أن الحقيقة كانت عكس ذلك تماماً.
الملك تشارلز السادس ملك فرنسا كان يُطلق عليه قومه اسم : تشارلز المجنون، ومع ذلك فقد حكَم فرنسا فترة طويلة جداً ( منذ العام 1380وحتي عام 1422 ) أي نحو 42 عاماً .
كان تشارلز إنسانًا طبيعياً للغاية فى بداية حُكمه ، ولكن بعد مرور عدة سنوات بدأت أعراض نفسية عنيفة فى الظهور عليه بأشكال مُختلفة ، مثل نسيانه الكامل لإسمه ، ونسيانه تماماً أنه ملك فرنسا بل ولم يعد يتعرف على زوجته أو أولاده على الإطلاق ، ويعتبرهم غرباء عنه لم يسبق أن رآهم أبداً.
وفي العام 1405 أصيب تشارلز بحالة غريبة برفضه الكامل أن يستحم أو يغير ملابسه لمدة 5 شهور متواصلة ،وبدأ يتبنى نظريات غريبة ، مثل اعتقاده أن جسده مصنوع من الزجاج .
وعلى الرغم من غرابة هذا الاعتقاد، إلا أن الطب النفسي الحديث أثبت بالفعل أن بعض المرضى النفسيين يعانون من نفس الفكرة، ويعتقدون أن أجسادهم مصنوعة من الزجاج ، ومن الممكن أن تتهشم فى أي لحظة !
لذلك ، كان تشارلز السادس يرفض تماماً أن يحاول أي أحد مجرد الإقتراب منه ولمسه، ودائماً ما كان يرتدي ” درعاً ” حديدياً فى كافة تحركاته ، حتى لا يتهشم جسده الزجاجي.
وهنا يحضرنا القول أن “الفرق بين العبقرية والجنون شعرة”، ويبدو أنها مقولة صحيحة وحقيقية، فهذه الشخصيات ليست وحدها التي عانت الاضطرابات النفسية وإنما اكتظ التاريخ بالكثير منها.