قام نيافة الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وأبو قرقاص بكتابة كلمة قوية بعنوان “شهداء الكنيسة البطرسية”، ذلك عبر صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.
وجاء نص الكلمة كالتالي : “شهداء الكنيسة البطرسية”
لعل إحدى السمات الهامة للكنيسة القبطية أنها كنيسة شهداء، فما زالت تقدم كل يوم شهداء ومعترفين وقديسين، ولم يزدها القتل والتعذيب إلّا صلابة وقرًبا وشهادة.
أمّا إزاء هذا الموقف الصعب والمشهد المهيب، فأمامنا خمس فرق نقف عند كل منها وقفة سريعة:
١- الذين قُتلوا اليوم: فهم بحق شهداء، لأنهم ماتوا بسبب كونهم مسيحيين، أي أن جريمتهم الوحيدة أنهم مسيحيون، فلم يموتوا في حادث سير ولا في مشاجرة أو تدافع، بل ذهب إليهم القتلة وهم يصلون داخل الكنيسة؛ كما أن كل مسيحي له في نفسه حكم الموت، فهو يعلم أنه مُستهدَف لكونه مسيحيًا، إذًا اعتبارهم شهداء ليس من قبيل العرقية والقبلية والتعصب، وإنما واقع وحق، والكنيسة تضع الشهداء في مرتبة جليلة قبل المعترفين والقديسين.
٢- أسر هؤلاء الشهداء: لا شك أنهم صُدِموا وأصابهم الهلع والخوف لأول وهلة، ولا شك أن هناك عاطفة ومشاعر بشرية، ونحن لا ننكرها، وقد بكى السيد المسيح أمام قبر لعازر، فهو صاحب مشاعر إنسانية رقيقة، ولكنهم في الوقت ذاته يحق لهم التفاخر بأنه قد صار منهم بعض الشهداء، وأنهم ثمر تربيتهم، وهم الذين حّببوهم في المسيح والكنيسة، وقد صاروا لهم شفعاء وسفراء قدام الله يصلون عنهم وعن الكنيسة حتى يكمل الجميع، ونظرة سريعة على موكب زفة أحد الشهداء في الكنيسة مع ما يصاحبها من تهليل وبخور وأطياب وترتيل، تظهر كم صاروا فخرًا وبركة وسندًا لنا.
٣- الذين قتلوهم: هم مخطئون بلا شك ويستحقون العقاب، وهذه مسئولية السلطات، ولكن الذي يعنينا أنهم بينما أرادوا شرًّا بهم وبالكنيسة، إذا بهم يصيرون أداة استشهادهم، ومن ثَمّ نفهم كيف كان المقبلون على الاستشهاد يقبّلون قيودهم، ويصلون قبل موتهم من أجل الذين حاكموهم والذين سيقتلونهم، وقد تسلموا الدرس من السيد المسيح “الشهيد الأول” حين قال وهو على الصليب: «يا ابتاه اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون»، فلم يسامحهم فحسب بل التمس لهم العذر، ولاحقًا قال الشهيد استفانوس «يا رب لا تقم لهم هذه الخطية»، ومن ثَمّ علينا أن نصلي من أجلهم لا أن نحقد عليهم، فهم يظنون أنهم قدموا خدمة لله يستحقون عليها المكافأ! نصلي أن يفتح الله عيون قلوبهم على الحق، وينزع من قلوبهم كل فكر رديء، ليقدّروا قيمة الحياة. نحن معنيون دائمًا بكيفية تلقّينا للظلم أو الإهانة، لقد تسبّبت محبة الشهداء ووداعتهم في توبة الكثير من المُضطهِدين العتاة، وانتهت حياتهم بالاستشهاد والانضمام إلى صفوف الذين قتلوهم.
٤- نحن الذين نتابع الحدث: ما هو نصيبنا مما حدث؟ إنها رسالة لكل منّا أن يكون مستعدًّا دائمًا، فالسيد المسيح يقول لنا الليلة: «اسهروا إذًا» (متى٢٥: ١٣)، وقال لملاك كنيسة سادرس: «كن ساهرًا وشدِّد ما بقي» (رؤيا٣: ٢). ولا يكفي أن نتاسّف وندين ونشجب ونستنكر، ونستحثّ هِمَم المسئولين للثأر لذوينا، وإنما أن نطوِّب هؤلاء الشهداء ونتخيل أنفسنا مكانهم اليوم، فقد أعطى الله لنا فرصة جديدة، ويمكنك أن تسال ذاتك الليلة هذا السؤال: “ماذا لو كنتُ هناك؟” علينا أن نصلي من أجلهم، وكذلك نطلب منهم الصلاة عنّا لنكمل جهادنا بسلام، ولا شك أن ما حدث سيأتي بالكثيرين إلى الله، وسيتبكّت الكثيرون، وسيتركون شرورهم، ويتخلّون عن خصوماتهم، ويقتربون بعضهم من البعض الآخر من جهة، ويقتربون جميعًا إلى الله من جهة أخرى، ولنا في جميع الحوادث السابقة المشابهة مثالًا على ذلك.
٥- أولى الأمر: والذين سلكوا بنبل شديد اليوم، من قرارات سيادية، وتقديم الخدمات والتسهيلات، وتدبيرات لمعالجة الحدث، ومع ذلك فإننا نأمل في البحث عن حلول جذرية لمشكلة الإرهاب، واستهداف الأقباط بطرق شتى، وبأن تكون هناك إجراءات صارمة لمنع تكرار ذلك، فما يزال حادث القديسين وغيره من الاعتداءات بلا تحقيقات ولا محاكمات مما يعطي الضوء الأخضر لمزيد من الظلم الاضطهاد.
نياحًا لأنفس جميع الذين نالوا اليوم إكليل الشهادة، وعزاءً قلبيًا لجميع أفراد عائلاتهم وكل محبيهم، وجميع المصريين.