قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (613)
منذ صدور قانون بناء وترميم الكنائس كتبت أكثر من مرة أطالب بالتريث ومتابعة رحلة الأوراق لحالات طلبات بناء كنائس جديدة أو حالات طلبات ترميم كنائس قائمة أو حالات طلبات فتح كنائس مغلقة لدواع أمنية… فبالرغم من اتهام البعض للقانون بأنه لم يحقق المساواة المطلقة بين المصريين في شأن دور عبادتهم وتوجس البعض الآخر من أن القانون أضفي الشرعية علي الممارسات غير المشروعة التي سادت قبل صدوره سواء من جانب الأجهزة الأمنية أو الأجهزة الإدارية, إلا أنني مازلت أفضل إعطاء الفرصة العادلة لتطبيق القانون ومراقبة مدي كفالته للتيسير الذي قصده المشرع منه, فإذا ما ثبت أن اليسر هو السائد بدلا من العسر يكون القانون قد حقق الاستحقاق الدستوري, أما إذا ما ثبت أن العسر عاد ليتحكم في حرية المسيحيين في بناء وترميم وفتح دور عبادتهم وبات التعويق والتسويف والمماطلة أدوات لعرقلة الأوراق فيكون من المحتم العودة إلي السلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب للمطالبة بتعديل القانون.
وبناء عليه فقد حرصت علي تسليط الضوء علي باكورة القرارات التي صدرت الشهر الماضي حول قيام هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بتخصيص أراض لبناء ثلاث كنائس جديدة بالفيوم والمنيا ومدينة بدر, واعتبرت أن تلك القرارات بداية طيبة تستحق المتابعة لبيان كيفية تنفيذها واستخراج الموافقات والتراخيص لها علاوة علي الاختبار الحقيقي لمدي التزام السلطة المحلية في كل حالة بضمان كفالة وحماية أعمال الإنشاءات علي الطبيعة في مواجهة أي أعمال عدائية قد تتعرض لها من جانب عناصر التطرف التي طالما احتشدت لمنع البناء ولجأت للعنف, وللأسف استسلمت السلطات لضغوطها وإرهابها وأوقفت البناء الجاري بموجب تراخيص رسمية مشروعة!!!
لكن في جميع الأحوال بقيت حالات تستوجب المتابعة لاستيفاء اليسر من العسر في تطبيق القانون, ففي الوقت الذي لا أتوقع فيه معاناة في الموافقات الخاصة بتدعيم كنائس قائمة لأنها جميعها تخص أعمال صيانة أو تشطيبات أو تجديدات داخلية أو خارجية, تظل هناك هواجس حقيقية تتصل بحالات الهدم وإعادة البناء الجزئي لكنائس قائمة منذ سنوات طويلة, وحالات توسعات الكنائس القائمة, وتأتي فوق هذه وتلك حالات إعادة فتح كنائس قائمة لكنها مغلقة.. مغلقة لماذا؟.. مغلقة لدواع أمنية!!..
ولمن لا يعرف مدلول مغلقة لدواع أمنية أقول إنه تعبير بوليسي يرجع إلي زمن أزمة بكل مراراته وتراكماته حين كانت السلطة الأمنية المتحكمة في مصائر الكنائس بموجب سياسات غاشمة غير تشريعية تتقاعس عن تطبيق القانون أو حماية المواطنين الشرفاء المسلحين بتراخيص رسمية, وتندفع سواء لحرصها علي الأمن أو لاستسلامها لإرهاب الغوغاء المتطرفين فتقرر إغلاق الكنائس المفتوحة للصلوات متذرعة بالدواعي الأمنية!!… وفي زمن الأزمة حين كانت المهمة الأولي للسلطة الأمنية حماية النظام الحاكم علي حساب حقوق المواطنين كان يكفي أن تقرر تلك السلطة أن أمرا ما يهدد السلام الاجتماعي ويستوجب اتخاذ أي إجراء لدواع أمنية حتي تتجاوز القانون دون أي قلق أو مساءلة!!!
إذا.. أين نقف الآن من القانون الجديد لبناء وترميم الكنائس؟.. هناك لجان مشكلة مهمتها بحث حالات الكنائس القائمة المغلقة لدواع أمنية للبت في تقنين أوضاعها وإعادة فتحها للصلاة وممارسة الشعائر.. ويبرز التساؤل: هل منهاج عمل هذه اللجان تتوفر له الشفافية اللازمة حتي لا تضل السبيل؟.. وهل ما تصل إليه من قرارات محصن ضد الفحص والمراجعة؟… وهل يمكن أن تؤثر السلطة الأمنية السلامة وعدم مواجهة قوي التطرف والإرهاب فتقرر استمرار إغلاق الكنائس المغلقة لدواع أمنية أم أنها سوف تستشعر مسئوليتها الجديدة في تفعيل الاستحقاقات الدستورية وترسيخ حقوق المواطنة وكفالة حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين, الأمر الذي يحتم اتخاذ قرارات شجاعة بفك أسر تلك الكنائس مهما تكلف ذلك من الصرامة لإيقاف أي تهديد للسلام الاجتماعي أو عبث بالأمن من جانب من لا يروق لهم فتح الكنائس للصلوات وإقامة الشعائر الدينية.
كل ذلك يدعوني إلي إعادة إطلاق الدعوة لإشراك وطني في متابعة شتي الطلبات والأوراق المتعلقة بقانون بناء وترميم الكنائس, سواء كانت تتصل ببناء كنائس جديدة- ترخيصا وتنفيذا- أو ترميم كنائس قائمة -ترخيصا وتنفيذا- أو بتقنين أوضاع كنائس قائمة وغير مرخصة, أو بفك أسر كنائس مغلقة لدواع أمنية.. حتي يتسني لنا دون اندفاع أو انفعال أن نحكم علي القانون الجديد.. هل كفل يسرا أم أضاف عسرا؟!!