فى توثيق جديد للعلاقات بين بريطانيا و تنظيم الإخوان , أصدرت وزارة الداخلية البريطانية لائحة داخلية جديدة لتنظيم طلبات اللجوء السياسي لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا.
وذكرت الوزارة، عبر موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت، أن بعض أعضاء الجماعة الحاليين والسابقين مؤهلون لطلب اللجوء، في حال “إظهار أنهم عرضة لمخاطر الاضطهاد، ومن بين ذلك الاعتقال الذي ربما يلقون فيه معاملة سيئة ومحاكمات صورية وعقوبات غير مناسبة”.
من جانبها سارعت السفارة البريطانية بالقاهرة، إلى إصدار بيان، أمس الأحد، يتضمن إيضاحات بشأنه.
ونقل بيان السفارة، عن متحدث باسم الداخلية البريطانية: “لسنا مجبرين على النظر في طلبات اللجوء التي تردنا من خارج المملكة المتحدة، ولا يوجد نص في قواعد الهجرة يسمح لشخص ما أن يحصل على تأشيرة بغية التقدم بطلب لجوء”، في إشارة إلى أن طلبات اللجوء لن تشمل أعضاء أو قيادات الجماعة المقيمين في مصر.
وأضاف المتحدث أنه “سيتم النظر في كل الادعاءات الخاصة بطلبات اللجوء التي يتم تقديمها في بريطانيا على أساس فردي وفق التزامات بريطانيا الدولية”.
وشدد على أن بريطانيا “ترفض تقديم الحماية لهؤلاء الذين ارتكبوا جرائم خطيرة، وأولئك الذين يمثلون خطرا على أمننًا القومي ومجتمعنا”.
يعتبر تقرير الداخلية امتداد لتقرير صدر بتكليف من رئيس الوزراء السابق ” ديفيد كاميرون ” للتحقيق فى طبيعة أنشطة الجماعة نهاية العام الماضى , حيث قال السير جون جنكينز، أحد أكبر المسئولين الحكوميين البريطانيين وأكثرهم خبرة وكان يشغل منصب السفير البريطانى لدى السعودية، أنه قام فى تقرير للجنة التحقيق التى كلفها رئيس الوزراء البريطانى، ديفيد كاميرون، بالنظر فى أعمال وتاريخ جماعة الأخوان المسلمين، وعرض اليوم أمام البرلمان البريطانى.
وأوضح أن أجرى تقييماً لوجهات نظر الإخوان المسلمين بشأن العنف والإرهاب، ولجوء الإخوان المسلمين فى مصر وفروع أخرى تابعة لهم إلى أعمال العنف، مؤكداً خلال تقريره أن حسن البنا قبل باستغلال العنف لأغراض سياسية، ونفذت الجماعة خلال حياته إعتداءات، بما فيها اغتيالات سياسية ومحاولات اغتيال ضد أهداف من رموز الدولة المصرية وضد مصالح بريطانية ويهودية.
وأضاف فى تقريره أن أبرز منظرى الإخوان سيد قطب تبنى أفكار المنظر الهندوباكستانى أبو العلاء المودودى، مؤسس الحزب الإسلامى “الجماعة الإسلامية” لترويج عقيدة التكفير القائم على وصم مسلمين آخرين بالكفر أو الارتداد، ووصم دول حالية بأنها غير إسلامية واللجوء للتطرف العنيف سعيا لتأسيس مجتمع إسلامى ودولة إسلامية، وأن الجهاد ليس فقط روحيا أو دفاعا عن النفس.
تاريخ العلاقات
يكشفه كتاب مارك كيرتس «العلاقات السرية» بين بريطانيا والجماعات الإسلامية المتشددة- إن صحت الوثائق التى اعتمد عليها المؤلف- هو الإشارة إلى وجود صلات قوية بين الإنجليز، والجماعة منذ النصف الأول من القرن الماضى، ويتحدث من خلال وثائق بريطانية رفعت عنها السرية مؤخرا، حول توطيد العلاقات من خلال التمويل والتخطيط لإفشال الثورات فى المنطقة العربية والإسلامية.
وبحسب الكتاب فقد والت بريطانيا حركة «الإخوان المسلمين» فى مصر سرا، من أجل إسقاط نظام حكم الرئيس السابق جمال عبدالناصر.
التمويل الذى بدأ عام 1942 استمر بعد وفاة عبدالناصر، رغم استخدام الرئيس الراحل أنور السادات الجماعة لتدعيم حكمه وتقويض تواجد اليسار والناصريين فى الشارع المصرى، واستمرت بريطانيا فى اعتبار الجماعة «سلاحاً يمكن استخدامه»، وفى الخمسينيات- وفقا للكتاب نفسه- تآمرت بريطانيا مع الجماعة لاغتيال عبدالناصر، وكذلك الإطاحة بالحكومات القومية فى سوريا.
ونقل الكاتب عن تقرير بريطانى أنه: «سيتم دفع الإعانات لجماعة الإخوان المسلمين سرا من جانب الحكومة (المصرية)، وسيطلبون بعض المساعدات المالية فى هذا الشأن من السفارة (البريطانية)، وستقوم الحكومة المصرية بالزج بعملاء موثوق بهم داخل جماعة الإخوان للإبقاء على مراقبة وثيقة لأنشطتها، ومن جانبنا، سنجعل الحكومة مطلعة على هذه المعلومات، التى تم الحصول عليها من مصادر بريطانية»، وكان الهدف من هذا التمويل هو إحداث الانقسام داخل الإخوان، مما يساعد على تفكيك الإخوان عن طريق دعم فصيل منها ضد الآخر.
كان هذا قبل وصول عبدالناصر إلى السلطة، لكن فى عام 1952، اعتبرت بريطانيا الجماعة بمثابة المعارضة لهذا النظام، التى يمكن استخدامها لتقويضه، وعقد مسؤولون اجتماعات مع قادة الجماعة كأداة ضد النظام الحاكم فى مفاوضات الجلاء، وخلال العدوان الثلاثى عام 1956، أجرت بريطانيا اتصالات سرية مع الإخوان، وعدد من الشخصيات الدينية كجزء من خططها للإطاحة بعبدالناصر، أو اغتياله،
وكان اعتقاد المسؤولين البريطانيين فى ذلك الوقت يركز على احتمالية تشكيل الإخوان الحكومة الجديدة بعد الإطاحة بعبدالناصر على أيدى البريطانيين، وفى مارس 1957، كتب تريفور إيفانز، المسؤول فى السفارة البريطانية، الذى قاد اتصالات سابقة مع «الإخوان» قائلا: «إن اختفاء نظام عبدالناصر ينبغى أن يكون هدفنا الرئيسى».
وكان الهدف من وراء دعم المنظمات الإسلامية فى ذلك الوقت هو التصدى للتيار القومى، الذى اكتسب شعبية كبيرة، والحفاظ على الانقسامات فى منطقة الشرق الأوسط، وجعلها تحت سيطرة سياسات منفصلة، لضمان عدم وجود قوة فاعلة وحيدة فى الشرق الأوسط تسيطر على المنطقة- وهو ما كان يسعى عبدالناصر لتحقيقه ويدعمه فيه المؤيدون للقومية العربية، التى كانت التهديد الأبرز لمصالح بريطانيا، خاصة النفطية، خلال عقدى الخمسينيات والستينيات.
وحول جذور العلاقات البريطانية مع الإسلام المتطرف، اعتبر الكتاب أن التعاون بدأ مع سياسات الإمبراطورية البريطانية والسعى لنشر نفوذها فى العالم الإسلامى عام 1765، وبعد تراجع النفوذ البريطانى فى الشرق الأوسط سعت الحكومة البريطانية إلى جميع الحلفاء، دون اهتمام كبير بالعواقب على المدى الطويل. فدعمت أى معارضة للقومية العربية، وبالتالى مهدت الطريق لصعود الإسلام الراديكالى عام 1970، وتقديم الدعم للمحاربين فى الحرب المقدسة الأفغانية عام 1980، ومن ثم ظهور أسامة بن لادن، وتنظيم القاعدة، وظاهرة «لندنستان» عام 1990.
وفى ذلك الوقت كانت بريطانيا، التى فقدت الكثير من نفوذها، لا تنظر إلى القوى المتطرفة باعتبارها العدو الأول، بل استهدفت العلمانيين الذين سعوا لاستعادة السيطرة على موارد بلادهم من أيدى القوى الاستعمارية السابقة مرة بعد أخرى، وسعت لتقويض حكم تلك القوى فى مصر وإيران وإندونيسيا وغيرها من الدول، من خلال تسليح وتدريب خصومهم المتطرفين، وكان ما يعرف باسم «ميثاق الأمن» هو الأساس فى التفاهم بين بريطانيا وتلك الحركات، فدعمتهم بشرط عدم استهدافها، وهو ما تم نقضه لاحقا، فأصبحت بريطانيا هدفا مثل غيرها من «قوى الغرب الكافر والصهاينة».
سيناريو دعم المعارضة للإطاحة بالنظام القائم، الذى تعارضت مصالحه مع بريطانيا، حدث فى إيران ونجح فى الإطاحة بحكم الشاه، ويتكرر حاليا سعيا للإطاحة بحكم الرئيس المتشدد محمود أحمدى نجاد، فكانت بريطانيا قد أسهمت بقوة فى دعم المعارضة الإيرانية سعيا لتغيير نظام حكم الشاه، وكانت الحكومتان البريطانية والأمريكية قد تآمرتا عام 1953 مع آية الله سيد القاشانى، مؤسس جماعة «أنصار الإسلام»، من أجل إسقاط نظام حكومة «مصدق»، التى كانت تحظى بشعبية واسعة، والتى قامت بتأميم صناعة النفط فى البلاد، بل إن الحكومتين بحثتا مسألة تنصيب القاشانى سلفا لآية الله الخمينى، زعيما سياسيا على إيران.
وتشير المستندات التى اعتمد عليها «كيرتس» إلى أن بريطانيا سهلت إرسال متطوعين من «المجاهدين» للقتال فى يوغوسلافيا وكوسوفو خلال التسعينيات، بل إن الكثير من «المجاهدين» كانوا يتلقون تعليماتهم من مجموعة دربتها بريطانيا وزودتها بالأسلحة التى شملت صواريخ مضادة للطائرات، وكان من بين هؤلاء «المجاهدين» جلال الدين حقانى، القائد العام لقوات «طالبان» حاليا، إضافة إلى قلب الدين حكمتيار، الذى تم تكليفه من جانب بريطانيا للقيام بعمليات سرية داخل الجمهوريات الإسلامية للاتحاد السوفيتى.
ورغم الانقلاب الواضح من الجماعات الراديكالية على الحكومة البريطانية، ظلت لندن دون موقف حاسم من هذه الجماعات حتى بعد أن أصدر أسامة بن لادن عام 1986 فتوى إعلان الجهاد ضد الأمريكيين، وعندما أعلن عام 1988 تأسيس «الجبهة الدولية للجهاد ضد الصليبيين واليهود»، ووحد مجموعة من التيارات الجهادية تحت مظلته، وكانت أبرز الجماعات التى تتعاون فى هذا الصدد هى تنظيم «القاعدة»، و«عسكر طيبة»، و«حركة المجاهدين» الأفغانيين، وكذلك «الجماعة الإسلامية»، و«الجهاد الإسلامى» من مصر.
واستمر التسامح البريطانى مع ما عرف لاحقا باسم «لندنستان»، وظلت تحمى عدداً من مساعدى بن لادن فى بريطانيا رغم ترويجهم بيانات تنظيم «القاعدة» حول العالم، وأصبحت لندن بالتوازى مع أفغانستان مركزا رئيسيا للجهاد العالمى، وهو ما جعل «كيرتس» يعتبر أن «التهديدات الإرهابية لبريطانيا هى انعكاس ناتج عن شبكة من العمليات السرية البريطانية بالتعاون مع مجموعات إسلامية مسلحة تعود إلى عقود ماضية».
وفى سياستها الخارجية، لا تزال بريطانيا تستخدم القوى الإسلامية أو تعمل من خلالها، ففى احتلال جنوب العراق، دعمت بريطانيا المسلحين الإسلاميين من الشيعة، المتصلين بالمجلس الأعلى الإسلامى للعراق، من أجل السيطرة على المنطقة وضمان انسحاب «مقبول» لقواتها، كما تسعى لندن حاليا إلى عقد صفقة مع «طالبان» من أجل ضمان خروج «غير مهين» لقواتها من أفغاستان، التى يسيطر عليها من دربتهم، وزودتهم بالسلاح فى بادئ الأمر.
مختار الغباشى : مصر تحتاج تسوية سياسية داخلية .
رخا أحمد حسن : الغرب يعتقد أن الخلاف بين مصر و الإخوان لا يتخطى كونه خلاف سياسى .
خالد رفعت : بريطانيا تسعى للضغط على مصر , بهذا التقرير .
المعادلة السياسية
و أضاف د. ” مختار الغباشى ” _ رئيس المركز العربى للدراسات السياسية و الإستراتيجية ” بقوله الغرب يتعامل مع الإخوان من منطلق ربما يختلف عن المنطلق و الذى ننظر من خلاله إلى الإخوان , فلن يدينهم الغرب إلا إذا تحصل على المعلومات و المستندات الموثقة , و حتى هذه اللحظة هذا لم يحدث , و بالتالى يقبل التعامل معهم , و الرأى العام هناك , المواطن الغربى يقبلهم أيضاً , و عن بريطانيا لها تعاملاتها القوية نعهم و استثماراتها الهائلة , و دائماً تمثل المهبط و المحضن لهم , و أضاف العلاقات السياسية و الدبلوماسية بين الأطراف , لن تنقطع بمجرد أن احد هذه الأطراف أساء إلى دولة أو مؤسسة أو إدارة , فليس من المعقول أن تخسر بريطانيا الإخوان كونهم أخطأوا فى حق مصر , و تابع ” غباشى ” لا شك نحتاج إلى تسوية سياسية داخلية , و أن يتم التخلص من كافة الخلافات و أن نقبل بكافة الأطراف المتصارعة , و أن يتم التعامل معها كونها طرف مصرى , و هذا ما أكد عليه الرئيس السيسي خلال خطابه الأخير بمناسبة مرور عام على افتتاح قناة السويس , حينما قال أن مصر تتسع للجميع , و استطرد ” الغباشى ” لا أعنى بذلك المصالحة مع تنظيم الإخوان أو غيرهم , لكن أيضاً ليس التنظيم هو العدو الوحيد لمصر , فهناك اعداء من حركات ثورية متعددة ك6 أبريل , و أعداء من الفلول , لكن علينا الفرز , و القبول بمن لم يتورط فى جرائم معينة , و اختتم مشدداً على ضرورة القبول بالجميع كأطراف فى المعادلة السياسية , مشيراً إلى أن واحدة من المشاكل المصرية هى التركيز مع الخارج أكثر من التركيز فى الداخل .
السياسة القادمة
و أضح السفير ” رخا أحمد حسن ” _ مساعد وزير الخارجية الأسبق _ أن التقرير البريطانى الأخير لم يكن وليد اللحظة , و أنه تم اعداده , منذ أن كانت ” تيريزا ما ى ” وزيرة للداخلية , كما أنه يعد أمتداد للتقرير الأول و الذى صدر العام الماضى , و طالبت بريطانيا فيه بضرورة التحقيق فى أنشطة الإخوان , و وقتها لم تعترف بالتنظيم كتنظيم إرهابى , و الأسباب معروفة للجميع , بسبب تاريخ العلاقات بين الإخوان و بريطانيا , و عن تيريزا ماى و سياساتها القادمة تجاه مصر , و هل ستختلف عن سياسة “كاميرون ” تابع ” أحمد ” أن السياسات المتبعة تجاه مصر لم تكن سياسة فردية , سياسة كاميرون أو ماى , إنما سياسة إدارة بريطانية , و بالنهاية تحكمها المصلحة البريطانية , و استكمل ” رخا ” بالرغم مما حدث فى فرنسا و ألمانيا من حوادث إرهابية , لكن لم ترتدع بريطانيا لعلمها أن جميع هذه الحوادث , ه حوادث فردية و غريبة على المجتمع , و لم تكن هذه ثقافتهم على عكس الحوادث الإرهابية فى مصر , فعند حدوثها نتأكد أنها مصرية , و نابعة من ثقافتنا و خلفياتنا , و هو ما يظهر جلياً فى حالة التنديد بالحوادث الإرهابية , فنرى العالم ينتفض عقب حوادث الغرب , لأنها غريبة عليهم , أما فى مصر فربما العادى , و عن أصل المشكلة تابع ” أحمد ” المشكلة الأساسية أن الغرب يعلم أن الخلاف الحقيقى بين مصر و الإخوان لا يتخطى كونه خلاف سياسى على خلفية انتخابهم و أزاحتهم , و لم يعلم شئ عن جرائمهم , بل العكس المروج هناك أننا من قمنا بانتخابهم , و اختتم ” أحمد ” نحتاج حلول على مستوى النخب الأساتذة و المثقفون بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى , من أجل تغيير حقيقى بالمجتمع و أفكاره .
وسيلة ضغط
و اختتم د. ” خالد رفعت ” _ رئيس مركز طيبة للدراسات السياسية _ بقوله ما يحدث من قبل بريطانيا يعد أسلوب من أساليب الضغط على مصر , لا سيما أن حجم الاستثمارات المصرية مع دول الإتحاد الأوروبى كإيطاليا و ألمانيا تخظت ال180 مليار جنيه , و لم يكن لبريطانيا أى نصيب بها , أيضاً لا يوجد معها أى صفقات أو تعاون على مستوى عسكرى أو أية شراكات إستراتيجية , و عن سياسة ” تيريزا ماى ” أكد ” رفعت ” على خلفيتها اليمينية المتطرفة , و على عدم قبولها بمصر أو الشرق , لكنها تقبل بالإخوان الشركاء الإستراتيجين فى الاستثمار البريطانى , و عن إمكانية انقلاب السحر على الساحر أضاف ” رفعت ” هذا لن يحدث فى بريطانيا و إن حدث سيكون حادث فرى لن يؤثر , فيكفيها أن يؤثر الإرهاب على الشرق , و أن تظل المصلحة مع الإخوان , و عن الحلول اختتم ” رفعت ” علينا عدم الالتفات لهولاء و التركيز فى أحوالنا .