نستكمل باقي صفات السيدة العذراء مريم التي بها جذبت قلب الله ليأتي منها مولود من امرأة
4- فضيلة التسليم :
كانت السيدة العذراء تعيش حياة التسليم كاملة لإرادة الله منذ صغرها ووجودها في الهيكل ونجد ذلك واضحاً بشكل كبير أيضاً أثناء بشارة الملاك لها حيث أنها ردت قائلة ” لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ ” ( لو 1 : 38 ) ، دون أن تنظر إلى المتاعبِ والمشقات التي من الممكن أن تتعرض لها من شك يوسف أو نظرة الناس لها . ولكنها سلمت إلى مشيئة الله وخضعت لاختياره لها .
كان التسليم عجيباً إلى المنتهي حتى وقت الصلب واتمام قصة الخلاص “أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك ، الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا أبني وإلهي “.. إنه تسليم في كل مراحل الحياة.. لتكن مشيئتك يا رب..
5- فضيلة إنكار الذات :
لم تعيش السيدة العذراء يوماً طالبه كرامة أو نعمة في عيون الأخرين ولكنها كانت ناكرة ذاتها منذ أن كانت طفلة وهي تخدم في الهيكل . وفي البشارة حين قالت : ” هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ ” ( لو 1 : 38 ) أي عبدة ( خادمة ) لم تعطي ذاتها كرامة بل قللت من شأنها وهكذا عاشت حياتها .
فانكار الذات و الانكسار أمام الله هو طريق الانتصار ومن يتواضع يرفعه الله “أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِين ” ( لو 1 : 52 ) .
6- فضيلة الأحتمال :
وهنا أقصد الأحتمال من ناحيتين ( احتمال الآلام و احتمال الكرامة ) .
قد يظن البعض إن احتمال الآلام صعب ولكن يجب أن نعرف إن احتمال الكرامة يحتاج إلى مجهود اكثر من احتمال الآلام والإهانات وقد قال أحد القديسين : “هناك الكثيرون يحتملون الإهانات ولكن القليلين يحتملون الكرامات ” .
ونجد أن السيدة العذراء منذ صغرها وهي كانت محتملة لكل الأمور حتي في حياتها داخل الهيكل ولم يكن من السهل أن تعيش طفلة عمرها 3 سنوات بداخله .
وأحتملت أيضاً البشارة وفرحتها بأن تكون أم المخلص وأحتملت الأهانات والمطاردة من هيردوس وأحتملت مشاق الولادة في مزود وأحتملت الآلام التي جازت في نفسها وقت الصلب وفراق وحيدها .
7- حياة الإيمان :
يقول القديس بولس الرسول ” جربوا أنفسكم ، هل أنتم في الإيمان . امتحنوا أنفسكم ” ( 2كو 13 : 5) .
أنه ليس مجرد الإيمان العقلي ، بل هو إيمان حقيقي ، هو حياة يحياها الانسان فالله يسلمه حياته تسليماً كاملا في يده .
ونجد أن السيدة العذراء مريم تعجبت أثناء بشارة الملاك لها قائلة : ” كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً ؟ ” ( لو 1 : 34 ) . ولكنها وثقت بالايمان من بشارة الملاك لها بالرغم من أنها عذراء .
( ليكن لك حسب ايمانك ) ” عب 11 ” لايمكن ارضاء الرب بدون الايمان . هذا الايمان الذي عاشته السيدة العذراء مستلمه اياه من أبويها وإزداد نموًا بوجودها في الهيكل وصلواتها وتضرعاتها المستمرة وحفظها لكلام الرب الذي كانت تخبئه في قلبها محتفظه به .
وقد شهدت لها أليصابات قائلة : ” فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ “
( لو 1 : 45 ) .
8- حياة الخدمة :
عاشت السيدة العذراء مريم منذ طفولتها حياة الخدمة . عاشت تخدم الآخرين حياة مبنية على المحبة والتواضع . منذ أن كانت في الهيكل وعمرها 3 سنوات تخدم الجميع . وبعد أن تركت الهيكل عاشت تخدم يوسف النجار خطيبها والعجيب أن السيدة لعذراء مريم ذهبت إلى أليصابات لتخدمها عندما علمت أنها حبلى مع إنها أم المسيح , إلا إنها لم تمنعها كرامتها من تذهب إليها في رحلة مضنية شاقة عبر الجبال وتمكث عندها 3 شهور تخدمها حتى ولدت يوحنا ( لو 1: 39-56 ) وقالت لها : ” فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ ؟ ” ( لو 1 : 43 ) فعلت ذلك وهي حبلى برب المجد لذلك تعجبت اليصابات من اين لي أن تأتي الي وتخدمني . وهكذا أستمرت طوال حياتها تخدم الجميع دون كلل أو تعب . بل كانت مثمرة وأمينة في وزنتها ومن هذه النقطة ننتقل الي الفضيلة التاسعة .
9- أمينة في وزنتها :
عاشت السيدة العذراء مريم طوال أيام حياتها وأثناء خدمتها بأمانة شديدة جداً في وزنتها عاملة بالوصايا العشر التي حفظتها منذ طفولتها ولم تكسرها أبداً ” وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا ” ( لو 2 : 19 ) كانت أمينة في كل شئ وتعطي بحب ، كانت تقدم كل ماتملك وليس العشر فقط . كل ماتملك تقدمه . وذلك لأنه كما سبق وذكرنا قلبها حنون أمها اسمها حَنَة و قلبها يقيم فيه الله لأن أبوها يواقيم . فعاشت في مخافة الرب أمينة في كل وزنتها ( كل ما تملك ) .
10- عاشت حياة التقوي حياة روحية كالقديسين :
عاشت السيدة العذراء مريم مزروعة علي مجاري المياه تشرب من ينبوع الله . حياة العذراء مريم عاشتها من الكتب المقدسة التي كان تقرأها من العهد القديم . ” فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ . وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ ” ( مز 1 : 3 ) .
اثناء خدمتها في الهيكل كانت تري بعض الأخطاء ولكنها لم تتحدث عنها مع أحد أو تنتقدها ولم تدين أحد . و الانسان الذي يسير مع الله لا يخشي وان صار في وسط ضلال الموت لان الله معه ” أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا ، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي . عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي ” ( مز 23 : 4 ) .
و كانت لاتخشي أخطاء الأخرين ” لأَنِّي أَنَا مَعَكَ ، وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ ” ( أع 18 : 10 )
كانت توزع طعامها وتصوم هي كانت لا تغلق قلبها علي الأخرين امينة جدا جدا الي المنتهي كانت أناء مقدس .
جعلت نفسها مكان وهيكل لسكنى الروح القدس ” أمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ ؟ ” ( 1كو 3 : 16 ) إذن النعمة التي عاشت فيها السيدة العذراء مريم هي عمل الروح القدس . فهي منذ أن كانت طفلة كانت في الهيكل . فتحت قلبها لعمل الروح القدس ، لذا كان طبيعيًا أن يحل فيها الروح القدس .ويأتي ليتجسد منها أبن الله .
عاشت حياتها متبعة للبر والقداسة ” اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ ” ( عب 12 : 14 ) .
الانسان الروحي يحكم في كل شئ ” وَأَمَّا الرُّوحِيُّ فَيَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ لاَيُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ ” ( 1كو 2 : 15 ) .
عاشت تغذي الروح و تنميها ، تشم البخور تسمع العظة داخل الهيكل فتتقدس . عاشت تقوي يالحياة الروحية علي الحياة الجسدية .
وأخيراً يا أحبائي مهما أن تحدثنا وذكرنا من نقاط وفضائل عاشتها السيدة العذراء لم نوفيها حقها لأن حقاً كانت أنجيل معاش ، استطاعت أن يختارها الآب أماً له.
+ تطلع الآب من السماء فلم يجد مَن يُشبهكِ أرسل وحيده أتى وتجسد منكِ +
أتمني يا أحبائي أن ننظر إلى سيرتها العطرة فنتمثل بإيمانها .
السيدة العذراء كانت ممتلئة نعمة . تحاور الله في دالة متواضعة ، تسلم حياتها لله كل الأيام . عاشت تعاليم الأنجيل .
” فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ ” ( في 1 : 27 ) .
ولإلهنا كل المجد والكرامة من الآن وإلى الأبد . آمـــــيــن .