القى الدكتور محمد عبد اللطیف أستاذ الآثار الإسلامیة والقبطیة بجامعة المنصورة رئیس قطاع الآثار الإسلامیة والقبطیة السابق بوزارة الاثار محاضرة بعنوان الوعى الأثرى قضیة أمن قومى الأھداف وآلیات التنفیذ.. ضمن فعاليات الدورة التدريبية التى نظمتها إدارة التنمية الثقافية والوعي الأثري بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية والتى عقدت بقبة الغورى تحت رعاية وزارة الدولة لشئون الاثار
قال الدكتور محمد عبد اللطيف
تعد قضية الوعى الأثرى من أهم وأصعب القضايا التى تواجه تراثنا وآثارنا بصفة عامة والإسلامى والقبطى والعربى بصفة خاصة ولا أبالغ إذا قلت أنها القضية الأخطر مقارنة مع غيرها من القضايا التى تتمثل أحياناً فى نقص الموارد المالية لإنجاز مشروعات الصيانة والترميم وأحياناً أُخرى فى نقص الكوادر الفنية المتدربة فى بعض التخصصات الدقيقة لتنفيذ هذه الأعمال ولعل وضعنا لهذه القضية على رأس هذه القضايا لم يأت هكذا ولكن لأننا نستطيع أن نقول أنه يمكن التغلب أحياناً على المشاكل والصعوبات الأخرى السابق ذكرها بتدبير الموارد لإنجاز المشروعات وأيضاً يمكن تدريب الكثير من شباب الآثاريين فى داخل أوطاننا الإسلامية والعربية وعن طريق تبادل الخبرات فى هذا المجال أو بإيفاد النابهين منهم فى بعثات لتعلم أحدث الأساليب فى تقنيات الصيانة والترميم أو التسجيل والحفظ وذلك فى البلاد المشهود لها بالتقدم فى هذا المجال فى أُوروبا أو فى أمريكا أو حتى فى بعض بلاد الشرق الأقصى كاليابان أو كوريا مثلاً أما بالنسبة للوعى الأثرى فهو قضية تنمية ثقافية للشعوب الكائن بينها هذا التراث العملاق والذى يترتب عليه تغيير المفاهيم لدى هذه الشعوب ومن ثَم تنامى الإدراك والإحساس بأن هذا التراث ليس مجرد ذكريات من الماضى ولكنه هو نفسه شرف الأمم فى الماضى وفخرها ومجدها فى الحاضر ورفعتها وعزها وتنميتها إقتصادياً فى المستقبل
يعنى ذلك أن تكون المنظومة متكاملة بأن هذا التراث وهذه الآثار لها تأثير مباشر وأثر واضح فى رفع مستوى معيشة الأفراد والجماعات التى تعيش بجوار مناطق الآثار والتى ترتبط بها فى بعض الأعمال الكبيرة أو الصغيرة التى يَجنون من ورائها دخول يكون لها مردود واضح فى رفع مستواهم الإقتصادى وبالتالى الإجتماعى
اضاف الدكتور محمد عبد اللطيف بان عالمنا الإسلامى والعربى يتميز بإحتوائه على ثروة هائلة من التراث الأثرى الذى عانى كثيراً من قبل من الإهمال ، ولكنه يشهد حالياً نهضة أثرية لابأس بها فى شتى المجالات وفى كافة الإتجاهات ، وعلى أية حال فإن مصر تتربع على قمة التصنيف العالمى فى إحتوائها على أكبر عدد من الآثار ، كما تنفرد بشيئين رئيسيين فى هذا المجال وهما :-
أولاً : أنها البلد الوحيد فى العالم التى يوجد بها آثار من مختلف العصور التاريخية التى مرت بها وذلك منذ عصور ماقبل التاريخ والعصر الفرعونى مروراً بالعصر اليونانى والرومانى وكذلك البيزنطى ثم العصر الإسلامى ثم فى عصر أسرة محمد على وحتى قيام ثورة يوليو سنة 1952م ، فلا يوجد عصر من هذه العصور إلا وله مايمثله من الآثار الثابتة على أرض مصر أو من التحف الرائعة التى عُثر عليها أثناء أعمال الحفر فى باطن الأرض ثم نُقلت لتزين المتاحف
ثانياً : تكاد تكون البلد الوحيده التى بها كل أنواع العمائر والآثار سواء كانت ذات وظيفة دينية أو جنائزية أو عمائر مدنية أو عمائر حربية دفاعية .
كما تتميز آثارها المنقوله والتى تعج بها المتاحف داخل مصر وتتزين بها المتاحف خارجها فى كل أنحاء العالم ، بأنه تقريباً لا يوجد مادة من المواد إلا وتم إستخدامها فى صناعة هذه التحف سواء كانت من المعادن أو الأحجار أو الرخام والخشب والعاج والعظم والنسيج والزجاج وأيضاً من أوراق البردى الخ وذلك من مختلف العصورمما يدل على مدى ما وصلت اليها الحضارة المصرية فى مختلف عصورها من تقدم ورقى وايضاً مهارة المصرى فى تطويع جميع هذه المواد وابداع قطع فنية خالده لمجرد أن اغلبها كان لإستخدامه فى حياته اليومية سواء فى قصور الملوك والسلاطين والأمراء والخاصة أو فى المنازل العادية البسيطة لعامة الشعب فى المدن أو القرى على حد سواء
اكد الدكتور محمد عبد اللطيف على ان المتأمل لكل هذا التراث الضخم فى مصر يجد أن العلم بتفاصيله أوحتى بعموميته محصوراً فى المتخصصين من الدارسين فى الجامعات أو فى العاملين فى صيانته والحفاظ عليه فى الهيئات المتخصصة وعلى رأسها وزارة الآثار حالياً أوالمجلس الأعلى للآثار سابقاً أو من بعض الأعداد القليلة من المهتمين والعاشقين لهذا التراث أما عن الغالبية العظمى من أفراد وطننا فهى تعرف وبصعوبة النذر اليسير من المعلومات الصحيحة عن هذا التراث رغم ضخامته وإنتشاره فى طول البلاد وعرضها من أقصى الشمال على البحر المتوسط إلى أقصى حدودنا الجنوبية مع السودان ومن سواحلنا الشرقية على البحر الأحمر إلى أقصى حدودنا الغربية مع ليبيا فى واحات الوادى الجديد ونجزم بأنه لا توجد محافظة واحدة فى مصر لا تضم بين جنباتها كم هائل من الآثار علي مختلف العصور او على الأقل من إحداها ، وتتساوى جميع محافظات مصر فى ذلك .
والحق يقال فإن هذه المعرفة المحدودة بهذا التراث لم تكن فقط نتيجة لتقصير من أفراد الشعب ، وإنما السبب الرئيسى يكمن فى عدم الإهتمام الكافى بقضية الوعى الأثرى وعدم إعطائها الوضع الذى تستحقة مع الأخذ فى الإعتبار البعد الإجتماعى والإقتصادى ، وقد كان لهذا السبب الدور الأكثر وضوحاً فى عزوف غالبية المواطنين عن الإقتراب من معرفة هذا التراث الرائع .
وعن أهداف الوعى الأثرى اضاف عبد اللطيف
إن نقطة الإنطلاق الرئيسية لزيادة الوعى الأثرى يبدأ من وضع أهداف محددة فى هذا الإتجاه للنهوض بقضية الوعى الأثرى فى مصر ، وتتلخص هذه الأهداف فى الآتى : –
أولاً : حماية الآثار المصرية من العبث بها بشكل عام ، وفى المناطق الواقعه بها بشكل خاص .
ثانياً : تعميق روح الإنتماء الوطنى لدى الشعب المصرى عامة وليس المتخصصين فقط .
ثالثاً : خلق جيل جديد يشعر بمدى أهمية الآثار وقيمتها ومردوده عليه فى المستقبل وإن لم يكن يعمل بها ، كأن يقتنع بأنه ذلك يسبب رواج إقتصادى فينعكس عليه وعلى أبناؤه فى خلق فرص عمل جديدة .
رابعاً : وضع رؤية وحد فاصل مابين زيارة الآثار وإحترامها وبين زيارة الحدائق والمتنزهات العامة بترسيخ مبدأ إحترام المكان الأثرى والحفاظ على هيبته ووقاره .
خامساً : إدخال الآثار ضمن منظومة النسيج العمرانى للمناطق الأثرية بحيث لا تصبح لدى القاطنين حولها وكأنها جسم غريب بل وان البعض يرى فيه عبئاً عليهم ولا يكترثون به .
ولخص الدكتور عبد اللطيف آليات التنفيذ لرفع مستوى الوعى الأثرى فى خمسة عشر نقطة وهى
أولاً : إرادة تنفيذ القرار بمعنى وجود الرغبة لدى صانعى القرار فى ذلك وإعتباره واحده من أهم الأولويات والأهداف لديه
ثانياً : عمل خطة واضحة للتنفيذ تعتمد على العلم وعدم العشوائية وذلك بكل قطاع على حدة ويكون لكل قطاع خطة متكاملة فى ذلك تتسق والخطة العامة للوزارة ولها نفس الرسالة والرؤيةوالأهداف
ثالثاً : عمل هيكل للإدارة مع وجود مقر لها وتوفير أدوات العمل ووسائل الإتصال التكنولوجية الحديثة .
رابعاً : التنسيق مع الوزارات الأخرى وبخاصة التربية والتعليم والتعليم العالى والثقافة والأوقاف ووزارة الإعلام .
خامساً : تكليف الإدارات المعنية فى الآثار المصرية القديمة والآثار الإسلامية والقبطية بإعداد مادة علمية جديدة وبسيطة وخالية من التعقيد تمهيداً لإعداد مطويات ومطبوعات ومنشورات بسيطة تتضمن معلومات بسيطة توزع مجاناً بالمناطق الأثرية أو بسعر رمزى لتغطية التكلفة وبهامش ربح بسيط يتم الإستفادة منه فى تغطية نفقات بعض الأنشطة
.
سادساً : عمل دليل علمى مبسط لكل محافظة على حدة عن آثارها من مختلف العصور ويكون بلغتين من اليمين بالعربية ومن اليسار بالإنجليزية ، ويمكن التنسيق فى ذلك مع الساده المحافظين .
سابعاً : التنسيق التام مع وسائل الإعلام المقرؤه والمسموعة والمرئية ، وكذلك الإستفادة من شبكات التواصل الإجتماعى فى موقع واضح وله هويه وبشكل رسمى .
ثامناً : الإستفادة من زيادة أعداد الخريجين فى تخصصات الآثار المختلفة وتواجدهم بكثافة فى المناطق الأثرية ، وتكليف أفراد محددين مدربين من مفتشى الآثار فى كل منطقة أثرية لعمل دورات وعى أثرى لأهالى المناطق الموجود بها الآثار لربطهم بها مع إدخالهم فى منظومة التطوير للمناطق الأثرية ، وأيضاً لإستقبال الزيارات المدرسية والشرح لها حسب التنسيق مع التربية والتعليم ، مع تبنى إدارات المناطق الأثرية والزامها بعمل دعوة لتلاميذ المدارس ( الإبتدائية والإعدادية بصفة خاصة ) لزيارة الآثار الإسلامية فى المناطق السكنية المحيطة بالآثار ، وكذلك للشرح مع الزائرين وتوجيههم وخاصة فى أيام الأعياد والعطلات الرسمية التى من المتوقع فيها إقبال كثيف من الزائرين
تاسعاً : إعطاء دورات بلغات أجنبية مختلفة لمثل هؤلاء المفتشين لمساعدة الزائرين الأجانب وتجنيبهم التعرض للمضايقات فى المناطق الأثرية واستغلالهم ومحو الصورة الذهنية السيئة الموجودة لدى بعض الأجانب فى أنهم مجرد سلعة يجب استغلالها بأبشع الطرق .
عاشراً : التنسيق مع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى والأندية الرياضية ومراكز الشباب بجميع المحافظات لعمل رحلات دورية منتظمة من خلالها برعاية إدارات الوعى الأثرى والشرح لهم فى المناطق الأثرية وتعريفهم بالآثار بالشكل الصحيح وأهميتها ومردودها ، وبذلك يكون لدينا قاعدة عريضة من الجمهور لخدمة الآثار والدفاع عنها وعن مشروعاتها وخططها المستقبلية بل والمشاركة والمساعدة فى تنفيذها .
حادى عشر : الإستفادة بإمكانيات كل الإدارات المختلفة مثل إدارة الأفلام الوثائقية لإعداد أفلام قصيرة وبسيطه وأفلام تسجيلية حديثة فى حدود 10 إلى 15 دقيقة ، بحيث تكون هذه المادة خالية من التعقيدات والمصطلحات الأثرية الجافة وذلك لجعل مايتم تقديمه مشوقاً للمتلقى ولجذب المزيد من الأفراد والجماعات للإهتمام بالقراءة والإطلاع على كل ما يتعلق بهذا التراث ، ويتم عرضها بالمناطق الأثرية للزائرين وتكون متضمنه معلومات عن آثار تلك المنطقة ، وكذلك عرضها فى المدارس المحيطة بتلك المناطق الأثرية ، وأيضاً لطرحها فى مختلف وسائل الإعلام المقرؤة والمسموعة والمرئية وبلغات متعددة .
ثانى عشر : عمل محاضرات مختصرة لطلاب المدارس فى مدارسهم وذلك حتى يمكن الوصول لأكبر عدد ممكن من المستفيدين من هؤلاء الطلاب الذين هم فى الحقيقة خلال سنوات قليلة الغالبية العظمى للشعب المصرى .
ثالث عشر : عمل كرنفالات وإحتفالات شعبية تحاكى العصور الوسطى ومواكبها ، وذلك فى بعض الأماكن التى تسمح بذلك مثل شارع المعز وشارع الجماليه الموازى له والتعاون فى ذلك مع نقابة المرشدين السياحيين ومع القطاعات المختلفة المتخصصة فى هذا المجال بوزارة الثقافة والإعلام .
رابع عشر : دعوة كبار الكتاب والمثقفين والسياسيين والفنانين والإعلاميين والرياضيين وكذلك أصحاب شركات السياحة لزيارة الآثار الإسلامية والقبطية من خلال عقد أمسيات ثقافية داخل هذه المناطق .
خامس عشر : تشجيع التليفزيون المصرى والقنوات الفضائية على تسجيل برامجها المتنوعة المتخصصة فى مناطق الآثار ، وعلى سبيل المثال ( برامج صحية من قصر السكاكينى ، برامج عن الجيش والعسكرية من مناطق الآثار الدفاعية مثل قلعتى صلاح الدين فى القاهرة وفى طابا وكذلك بجوار بوابات وأسوار القاهرة ، وبرامج دينية من داخل صحن الجوامع الأثرية الكبرى مثل عمرو بن العاص وبن طولون والأزهر والسلطان حسن ومحمد على بالقلعة
قال محمد عبد اللطيف أرجو من الله أن يكون ما قدمته فى تلك المحاضرة الفائدة المرجوة فى نشر الثقافة الأثرية وتنمية الوعى الأثرى لدى كل محب وعاشق وقارىء عن آثارنا المصرية العظيمة مع تمنياتى لكل من يعمل بهذا المجال بالتوفيق والنجاح ولمصرنا الغالية مزيد من التقدم والرفعة برعاية أبناءها المخلصين .