لماذا لا يتعظ الشعراء المصريون من تطور محمود درويش ؟
ما حال الإبداع فى إسبانيا لو ظلّ الاحتلال العربى ؟
أعتقد أنّ من ساهموا فى كتابة الموسوعة العربية المُـيسرة الصادرة عام1965بإشراف محمد شفيق غربال ، كانوا على درجة عالية من الموضوعية ، فتحت اسم إسبانيا جاء ما يلى ((تشغل إسبانيا فى قارة أوروبا كل شبه جزيرة أيبريا ما عدا البرتغال..إلخ وحدودها مع فرنسا. واللغة الرسمية هى الإسبانية القشتالية. وفى عام711عـَـبـَـر جيش عربى بقيادة طارق بن زياد (جبل طارق) إلى إسبانيا وسقطتْ قرطبة فى يده. وفى عام712انضمّ موسى بن نصير إلى طارق وأكملا (فتح) جنوب إسبانيا. وعـَـبـَـر العرب البرانس مما أشاع الذعر فى أوروبا كلها ولكنهم هــُـزموا فى معركة (بواتييه) عام722على يد الملك شارل مارتل ، وبذلك أوقف الزحف العربى داخل أوروبا. وأقام الغزاة العربعاصمتهم فى قرطبة. ثـمّ أخذتْ دولة بنى أمية تنقسم فى أوائل القرن11إلى ممالك صغيرة. وفى عام1492نجحتْ الملكة إيزابيلا وزوجها فرناندو فى طرد العرب من إسبانيا)) (الموسوعة- ص135، 136)
وتحت عنوان (أندلوسية) كتب مُـحرّر هذا القسم أنّ (الأندلس) تقع جنوبىْ إسبانيا. واستقرّ فيها الفينيقيون (القرن11ق.م) وأسّـسوا عددًا كبيرًا من المستعمرات الساحلية. وأصبحتْ عاصمة لمملكة مُـزدهرة. وجاء إليها اليونانيون والقرطاجينيون (القرن6ق.م) وفى القرن3ق.م طرد الرومان القرطاجنية. وفى عام711عـَـبـَـر العرب مضيق (جبل طارق) وأسـّـسوا إمارتهم العربية. وظلــّـتْ (الأندلس) تحت حكم العرب حتى القرن13حين استردّ ملوك قشتالة معظمها ولم تبق إلاّ مملكة غرناطة التى سقطتْ فى يد الملوك الكاثوليك عام1492. وغرناطة ازدهرتْ بأروع الآثار (العربية) فى إسبانيا (الموسوعة ص241، 242)
وأنّ محمد بن عبد الله بن أبى عامر عيـّـنه الخليفة هشام الثانى المؤيد (بالله) وزيرًا فقضى على محاولة الصقالبة إقصاء الخليفة. واستطاع إبعادهم عن القصر. وأبلى بلاء حسنــًـا فى القضاء على (النصارى) عام977وعاد مُـحملا بالغنائم. واستمال إليه الفقهاء لجمعه كتب الفلسفة وغيرها وأحرقها. وقام بحوالىْ50غزوة واتخذ عند عودته من الغزو لقب المنصور (بالله) وبنى جامع قرطبة. وزحف على ليون وخرّب قلاعها (الموسوعة- ص1754، 1755) ورغم موضوعية العرض التاريخى فإنّ الباحث وقع فى التناقض عندما أضاف ((كان مُـحبـًـا للعلم والأدب برغم حرقه كتب الفلسفة ليكسب تأييد الفقهاء))
000
الواقع التاريخى والجغرافى يؤكد أنّ اسم (الأندلس) اخترعه الغزاة العرب على دولة اسمها إسبانيا ، ولعلّ القارىء يكون قد لاحظ أنّ مؤرخى الموسوعة استخدموا اسم إسبانيا أكثر من مرة ، كما استخدموا تعبير (الغزو العربى) ورغم تلك الحقيقة الساطعة اللاهبة مثل شمس يونيو فإنّ المُـتعلمين المحسوبين على الثقافة المصرية السائدة ، يـُــصرون على استخدام اسم (الأندلس) فى كتاباتهم ، وليتهم اكتفوا بذلك ، وإنما يلطمون الخدود لأنّ ((العرب خرجوا من الأندلس)) وهذا اللطم على الخدود وجدته- بصفة خاصة- لدى من يزعمون أنهم (شعراء) وإذا كان (الشعراء المصريون) فعلوا ذلك تحت تأثير كارثة العروبة ، فإنّ الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش وقع فى نفس الخطأ عندما تباكى على خروج العرب من إسبانيا ، أى أنه بدلا من أنْ يـُـحيى الشعب الإسبانى لأنه تحرّر من الاحتلال العربى (مثلما هو يتمنى تحرر فلسطين من الاحتلال الإسرائيلى) إذا به يأخذ الموقف المعكوس ويبكى على (ضياع الأندلس) فكتب قصيدة طويلة جدًا من عدة مقاطع من بينها المقطع المعنون (الكمنجات) قال فيه ((الكمنجات تبكى مع الغجر الذاهبين إلى الأندلس/ الكمنجات تبكى على العرب الخارجين من الأندلس/ الكمنجات تبكى على زمنضائع لا يعود/ الكمنجات تبكى على وطن ضائع قد يعود)) وظلّ يـُـردّد بكاء الكمنجات فى باقى مقاطع القصيدة وهو لا يشعر بالتناقض مع نفسه عندما يهزأ من شعب حرّر وطنه ، وهو (درويش) خاضع لسلطة دولة احتلتْ وطنه. ولكن درويش بعد أنْ تخلص من الشعرالخطابى العروبى ، ارتفع (فى دواوينه الأخيرة) إلى سماوات التجريد الفلسفى الذى صاغه شعرًا بديعـًـا فكتب ((كنتُ أحسب أنّ المكان يـُـعرف بالأمهات ورائحة المريمية لا أحد قال لى إنّ هذا المكان يـُـسمى بلادًا وأنّ وراء البلاد حدودًا ، وأنّ وراء الحدود مكانــًـا يـُـسمى شتاتــًـا ومنفى لنا، لم أكن بعد فى حاجة للهوية ؟ قلت : دفاع عن الذات إنّ الهوية بنت الولادة ، لكنها / فى النهاية إبداع صاحبها لا وراثة ماضٍ.. أناالمُـتعدد.. فى داخلى خارجى المُـتجدد.. يـُـحب بلادًا ويرحل عنها.. يـُـحب الرحيل إلى أى شىء.. ففى السفر الحر بين الثقافات قد يجد الباحثون عن الجوهر البشرى مقاعد كافية للجميع)) (ديوان كزهر اللوز أو أبعد – دار رياض الريس للنشر- عام2005) ختم درويش حياته الشعرية بهذا الابداع الشعرى الفلسفى ، وصاغ فيه المعنى الذى كتبه فلاسفة كبار عن (الهوية) وأنها دفاع عن الذات وأنها إبداع صاحبها والأهم أنها ليستْ ((وراثة ماضٍ)) لذلك رأى نفسه ((المُـتعـدّد/ المُـتجـدّد)) ويعشق السفر بين الثقافات ، لماذا؟ ففى هذا السفر الحر قد يجد الباحثون عن الجوهر البشرى مقاعد كافية للجميع . فهل يتعظ المتعلمون (المصريون) من هذا الدرس ، ويكفوا عن البكاء على (الأندلس) ويحترموا الشعب الإسبانى الذى أنجب سرفانتس وقائمة كبيرة من المُـبدعين الذين تحدوا القهر، أمثال الفنان التشكيلى جويا ، والشاعر لوركا والمسرحى الكبير (بويرو باييخو) الذى هاجم حكم فرانكو الفاشيستى فى مسرحيته البديعة (القصة المُـزدوجة للدكتور بالمى) فهل لواستمرّ العرب فى إسبانيا التى سموها (أندلس) كان سيخرج فنان كبير مثل بيكاسو الذى أبدع لوحة جيرنيكا ؟