وأتعجب كيف يقولون لنا إن هناك أجهزة للرقابة على المصنفات الفنية وهل ما نراه يقتحم شاشتنا الصغيرة تم اعتماده من تلك الأجهزة؟.. ألم ترصد فيه انعدام المضمون وحشد التجاوزات والانحدار الأخلاقى؟.. وإذا كان هذا حال الرقابة على المصنفات، ألم تقلق هذه البرامج أياً من الأجهزة التى تنتفض من أجل المساس بحقوق المستهلك أو حتى حقوق الإنسان؟!!
كلنا عرفنا برامج الحيل والمفاجآت الخفيفة مثل برامج »الكاميرا الخفية« -سواء فى مصر أو خارجها- حيث يتعرض أحد المواطنين لموقف طريف غير متوقع ترصد فيه الكاميرا دون دراية منه ردود أفعاله وسرعان ما يتم لفت نظره للموقف فيضحك ويضحك معه المشاهد -ولا أقول يضحك عليه المشاهد- لكن للأسف فقدت تلك البرامج بساطتها وبراءتها وخلت جعبتها من التجديد إلا من خلال إنزلاقها نحو تدبير مأزق كريه يوقع بالمواطن ويسخر منه وقد يلجأ إلى ترويعه بل وتعريضه للخطر من أجل أن يضحك عليه المشاهد!!!.. هنا لا توجد »خفة دم« ولا ترفيه ولا إبداع ولا حتى مهارة أو »شطارة«، إنها سخافة وتجاوز أخلاقى يستحل استخدام المواطن كسلعة لابتزاز إثارة وضحك رخيص من المشاهدين على حساب كرامته وآدميته وبالمقامرة بسلامته.
تحولت برامج الترفيه هذه إلى فصول للرعب والإسفاف وأمعن منتجوها فى استدراج شخصيات معروفة بدلاً من المواطن لتلعب دور الضحية- الأمر الذى نشأت معه الشكوك بأن الضحية فى حالتنا لا تجهل فى حقيقة الأمر ما سوف تتعرض له إنما السيناريو برمته مدبر ومتفق عليه مسبقاً- بل ومدفوع مقابله بسخاء- وما على الضحية المعروفة تمثيل المفاجأة والخوف والرعب لإيهام المشاهدين بصدق الموقف.. وإمعاناً فى تمثيل ذلك لا يخلوالأمر من المشاعر المتأججة والصراخ الهستيرى والبكاء، ثم لدى اكتشاف المكيدة فى النهاية يكون الانحدار إلى الحضيض باصطناع الغضب والاحتجاج واللجوء إلى السباب والاشتباك بكل الوسائل التى يعاقب عليها القانون.. فاتنى أن أؤكد لكم أن كل ذلك ليس مشهداً حياً مذاعاً على الهواء يفاجأ به المسئولون، إنما هو برنامج من حلقات مسجلة مسبقاً ومعدة تمام الإعداد بكل ما تقتضيه من كاميرات متعددة ووسائل صوت وإضاءة!!!
ألا يستحق هذا الإسفاف طلب إحاطة من أحد نواب الشعب فى البرلمان للمسئولين عن هذه البرامج وتلك الفضائيات التى تنتجها وتقوم بتسويقها بكل فخر ونشوة؟!!.. ألا يشعر أحد بالمسئولية المخيفة لاقتحام تلك البرامج البيوت دون استئذان وتقديم مضمونها الكارثى أمام أطفال وشباب قد يسيئون استغلاله وينزعون إلى محاكاته؟!!.. إن برامج الهزل والسباب والمقامرة بالضحايا وخداع المشاهدين واستباحة خصوصياتهم يجب أن تنتفض لها الأجهزة المسئولة عن حقوق الإنسان وتلك المهمومة بحقوق المستهلك.
وبقيت ملاحظة عامة لعلها أقل وطأة لكنها تبعث على الضيق والسأم وهى هستريا الإعلانات التى تطغى على ساعات الإرسال فى الرمضانيات بدرجة تفسد البرامج وتستفز المشاهد، حتى بات الزمن الذى تستغرقه المواد الإعلانية نحو ضعف زمن المادة الدرامية، واغتصبت الإعلانات حق المشاهد فى التركيز والمتابعة الهادئة.. وليس من المبالغة أن أسجل أن سطوة الإعلانات وتكرارها.. وتكرارها.. وتكرارها جعل منها المادة الرئيسية وأزاح جانباً الدراما التى جلس المشاهد لمتابعتها.. ولست أجد للتدليل