في هذا اليوم تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بتذكار ظهور جسد القديس مارمينا المشهور بالعجايبى وتكريس كنيسته بمريوط وذلك أنه لما كان جسد هذا القديس مُخفي وأراد الرب إظهاره، حدث أنه كان في تلك الجهة راعي أغنام غطس خروف أجرب من خرافه في بركة ماء كانت بجانب المكان الذي به جسد القديس ثم خرج من الماء وتمرغ في تراب ذلك المكان فبريء في الحال فلما عاين الراعي هذه الأعجوبة بُهت وصار يأخذ تراب ذلك المكان ويسكب عليه من ماء هذه البركة ويلطخ به كل خروف أجرب أو به عاهة فيبرأ في الحال.
وشاع هذا الآمر في كل الأقاليم حتى سمع به ملك القسطنطينية وكان له إبنة وحيدة مصابة بالبرص فأرسلها أبوها إلى هناك واستعلمت من الراعي عن كيفية التخلص من مرضها فعرفها فأخذت من التراب وبللته بالماء وتوارت ثم لطخت جسمها ونامت تلك الليلة في ذلك المكان فرأت في الحلم القديس مارمينا العجايبى وهو يقول لها ” قومي باكرا واحفري في هذا المكان فتجدي جسدي ” واستيقظت من نومها فوجدت نفسها قد شُفيت تماماً.
ولما حفرت في المكان وجدت الجسد المقدس فأرسلت إلى والدها وأعلمته بهذا الآمر ففرح كثيرا وشكر الله ومجد أسمه. وأرسل المال والرجال وبنى في ذلك الموضع كنيسة كُرست في مثل هذا اليوم.
وبعد ذلك التمس أهالي الإسكندرية ومنطقة مريوط من القديس ” أثناسيوس الرسولى البطريريك العشرين ” بناء كنيسة كبيرة تسع الزائرين ، فلم يتمكن البابا اثناسيوس – بسبب ما تعرض له من إضطهاد الحكام الأريوسيين – من بناء الكنيسة إلا في عهد الإمبراطور ” جوفيان ” (363-364م).
وقد شُيدت الكنيسة غاية في الجمال وزُينت بالرخام الثمين، وأُقيم أسفلها سردابا ليوضع فيه رفات القديس، وكُرست الكنيسة بحضور مجمعًا من أساقفة مصر وكان ذلك في اليوم الأول من شهر أبيب حوالى عام 373م.
بعد مرور عدة سنوات فى حكم الملكين “أركاديوس، وانوريوس” ابنى الملك ” ثيؤدوسيوس الكبير ” ، توجه البابا ثاؤفيلس الثالث والعشرون ( 385 – 412 م ) للأحتفال بعيد الشهيد مار مينا يوم 15 هاتور، فرأى ما تُعانيه أعداد الزائرين الغفيرة من المشقة بسبب الزحام فضاقت بهم الكنيسة حيث كانت الجماهير الغفيرة تتقاطر إلى تلك الكنيسة يستشفعون بالقديس الطوباوي مارمينا فقد شرفه الله بعمل الآيات والعجائب التي كانت تظهر من جسده الطاهر. فكتب الى الملك اركاديوس. فأمر الملك ببناء كنيسة فسيحة وجعلها واحدة مع الكنيسة التى بناها القديس اثناسيوس، وعندما أكملها البابا ثاؤفيلس، جمع مجمعا من الأساقفة وأراخنة مصر وكرسوها بالمجد والكرامة، فى يوم 15 بؤؤنة.
واتم تزيينها البابا تيموثاوس السادس عشر (458 – 480 م) وبنى معمودية كبيرة فى الطرف الغربى منها.
تأسيس مدينة القديس مينا :
قام الملك زينون ( 474 – 491 م ) المحب للمسيح بزيارة هذه الكنائس وتبارك من جسد الشهيد، وبنى لنفسه قصرا عظيما بجوار الكنيسة.أخبر البابا تيموثاوس الثانى البطريرك السادس والعشرون، الملك زينون عن البربر الذين يغيرون على مريوط ويسببون متاعب للكنيسة، عندئذ أمر الملك كل العظماء فى المملكة أن يبنى كل منهم قصرا هناك، وكتب لأراخنة الأسكندرية والذين فى مصر أنه ينبغى على كل واحد منهم ان يبنى لنفسه مكانا هناك، إلى أن جعلوها مدينة وسميت Martyroupolis أى مدينة الشهيد ، ووفد إليها جموع كثيرة وأقاموا هناك.وأعد الملك زينون حامية من 1200 جندى لحراستها من البربر.
كان المرضى يأتون من كل مكان فى العالم ليستشفوا بشفاعة القديس مارمينا، وكان يصنع بالمنطقة قوارير صغيرة من الفخار تملأ من زيت القنديل المعلق فوق جسد الشهيد أو من ماء نبع موجود بالقرب من قبر الشهيد، يأخذها الزائرون لبلادهم للبركة والشفاء. مما يدل على إتساع شهرة القديس. وقد وجدت هذه الأوانى فى بلاد عديدة مثل كولونيا وهيدلبرج بالمانيا، ومرسيليا بفرنسا، ودلماتيا بيغوسلافيا، وميلانو بايطاليا، ووجدت أيضا فى إنجلترا، وفى مدينة دنجلة بالسودان وكذلك فى مدينة الخرطوم. كانت هذه القوارير تحمل على جانبها صورة الشهيد مارمينا وعند قدميه الحيوانات البحرية، وبعضها كان ينقش عليها صلبان أو اسم الرب يسوع. ويوجد بالمتحف القبطي بالقاهرة واليوناني بالإسكندرية مجموعة كبيرة من هذه القوارير.
ظلت المنطقة تتمتع بحياة هادئة عدة قرون ولم يحدث تغيير جذري إلا عند قيام الفرس بغزو البلاد ( 619 م ) ثم بعد ذلك الفتح العربي ( 639 – 641 م ) حيث نُهبت الكنيسة وسُلبت المدينة ثم خربت ولكن بعد ذلك بُنيت كنيسة أخرى مكان القديمة وأُعيد الإحتفال بعيد القديس.
فى عام 833 م قرر الخليفة المعتصم أن يبنى عاصمته الجديدة، فأرسل مندوبين إلى البلاد البعيدة ليجمعوا الأعمدة الرخامية ومواد البناء الثمينة. وأرسل إلى مصر شخصا أسمه العازر، وكان هذا نسطوريا، فنزع الأعمدة الرخامية من كنائس كثيرة بالإسكندرية فتهدمت.ونزع الرخام الملون من كنيسة الشهيد مار مينا بمريوط. ولما سمع البابا يوساب الأول البطريرك الثاني والخمسين حزن حزنا عظيما، وأهتم بسرعة إصلاحها إذ أحضر من مصر والإسكندرية ألواح منقوشة ووضعها مكان التي نزعت.
في عهد البابا شنودة الأول البطريرك الخامس والخمسين ( 859 – 880 م )، قامت مجموعة من الأعراب وفرضوا سلطانهم على كثير من البلاد، وإستولوا على ممتلكات كنيسة الشهيد مارمينا بمريوط. حاصر هؤلاء القوم مدينة الإسكندرية لزمن طويل، حتى عم الضيق والكساد، حتى أن بيعة الشهيد مارمينا بمريوط، والتى كانت مسرة جميع شعب مصر الأرثوذكسيين، قد أمست برية. مع أن مزار القديس مارمينا لم يصب بسوء، إلا أن الزوار إنقطعوا عن الحضور بسبب هذه الأحداث.
آخر إشارة تاريخية عن وجود جسد القديس بهذه المنطقة هو ما ذكر فى الكتاب المنسوب لأبو صالح الأرمنى ( 1177 – 1204 م ) إذ يقول في حديثه عن منطقة مريوط : ” بيعة الشهيد ابو مينا ذو الثلاث أكاليل وجسده مدفونا بها.. ولها آيات وعجائب كثيرة وتظهر كل حين، وكان لها أوقاف، وزينتها أحسن زينة، وفيها من العمد والرخام الملون قائم ونائم ما لم يشاهد مثله “، بعدها تعرضت المنطقة للهدم والتدمير ولغارات البدو، فهُجرت تماماً وقتذاك. إلى أن جاء مثلث الرحمات قداسة البابا كيرلس السادس وأراد إرجاع هذا الدير إلى الحياة مرة أخرى وقام بمجهودات كبيرة وكلل الرب تعبه وقام بوضع حجر الأساس لدير مارمينا الحديث، وأقام فيه القداس الإلهى وقد توافدت جموع الشعب القبطى لنوال البركة فى يوم 27 نوفمبر 1959م. وقام البابا كيرلس بسيامة الكثير من الرهبان وكان أولهم هو تلميذه الشماس التقى سليمان ليكون راهباً على أسم مينا أفامينا ( المتنيح نيافة الأنبا مينا أفامينا ) وأعترف المجمع المقدس بدير مارمينا ورهبانه. وكان كثيراً ما يذهب البابا كيرلس السادس إلى دير مارمينا ويُقيم هناك وكان عندما يصل إليه كان يقول: “لقد وصلنا إلى ميناء الخلاص”.
وكانت وصية البابا كيرلس السادس أن يدفن بعد انتقاله إلى السماء فى الدير الذى ظل طيلة حياته يأمل فى بنائه.