غير أن المصادر القديمة، وخاصة تاريخ أوتيكيوس الذي كان بطريركا ملكيا في الإسكندرية (877-940)، تشير بأن الكنيسة قد بناها كاتب عبد العزيز بن مروان حاكم مصر ما بين عامي 685 و 705. وكانت قد كرست لتكريم القديس سير (باكير).
وقد عانت الكنيسة كثيرا من الترميمات الضارة بأصولها الأولى كما اختفى منبرها الحجرى القديم وغيرها من آثارها القديمة وتعرضت الكنيسة للهدم خلال حرائق الفسطاط عام 750، ثم أُعيد بناؤها في القرن الثامن، وخضعت لعدة ترميمات في 1072-1073 بمناسبة نقل بعض رفات الست بربارة وبهذه المناسبة أخذت الكنيسة اسمها الجديد وإن كانت التسمية القديمة لم تزل تذكر في المصادر التاريخية. وتعرضت الكنيسة من بعد إلى العديد من اعمال .التخريب والترميم وفى القرن العاشر تعرضت هذه الكنيسة .
وكنيسة أبى سرجة إلى الهدم والتخريب
قصة اعادة بناء كنيسة القديسة برباره
وأعاد بنائها أحد وزراء القبط وهو (يوحنا بن الأبح) أو الآمح فى عصر الدولة الفاطمية ايام الخليفة المستنصر.
ويروى عن يوحنا الأبح أنه مرموقا وله مركز كبير عند الخليفة حسده عليه كبار رجال الدولة من أهل زمانه وحقدوا عليه ظلما وعدوانا ورموه بالخيانة ووشوا به لدى الخليفة
ولما تبينت للخليفة براءته أجابه إلى طلب قد رفعه إليه سابقا بإعادة بناء كنيسة أبى سرجة وبعد أن أتم بنائها تبقى لديه من المؤنة والأدوات والمستلزمات مايكفى لبناء كنيسة أخرى، فأعاد بناء كنيسة القديسة برباره بدون تصريح من الخليفة فشكاه حُسَّاده،
ولما تحقق الخليفة من الأمر حكم عليه بهدم إحدى الكنيستين. فظل الوزير المذكور حائراً بين الكنيستان ليختار إحديهما غير مستقر على حال ولما أعياه التعب سقط بين الكنيستين ميتا فلما وصل خبر موته الفجائي إلى مسامع الخليفة عدل عن هدم الكنيسة الثانية وقال (اننى أمَرتُ ببناء الواحدة وقد وَهَبْتُ الثانية دية له).
وهذا نقلا عن مخطوط مسيحى يرجع تاريخه إلى عام 1629م عثر عليه ( المهندس: سلمون) فى سنة 1903 فى مجلة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية وهو محفوظ فى المكتبة الوطنية فى باريس. ويذكر أنَّ الكاتب القبطى يؤكد إعادة بناء الكنيسة في عصر كان الصليبيون يحاصرون فيه مدينة دمياط فى عام 465 هجرياً أى 1072ميلاديا، إلا أنه من الصعب أن نعطى بيانا صحيحا عن حقيقة الزمن الذي تم فيه البناء بالضبط، وخصوصا أنها تعرضت كغيرها من الكنائس في فترات عديدة للهدم والحريق، ولكنه في عام 1071م. سُمِحَ بإعادتها ولكنها وقعت فريسة للنيران وضاعت أغلب معالمها في حريق الفسطاط الذي أمر باشعاله (شاور)احد امراء الفاطميين عند تقدم الصليبين الذين استعان بهم (ضرغام) وهو أمير فرقة من الجند المغاربة ضد شاور وبالرغم من أنَّ كنائس حصن بابليون عامة أدركها مصير الكنائس الأخرى التي لحق بها التدمير والتخريب إلا أنها ما زالت تحتفظ ببعض عناصرها الأولى وآثارها القديمة. وإنَّ أغلب الكتاب والمؤرخين القدامى يؤيدون فكرة إرجاع تشييد معظم الكنائس والأديرة إلى العصور الأولى المسيحية. ومن حُسن الحظ تم العثور على باب الكنيسة القديم، وعلى أحجبة خشبية تحتوي على زخارف نباتية وهندسية، وكذلك زخارف لكائنات حية ومناظر آدمية وحيوانية وأشكال طيور. وتعتبر هذه من أروع فنون العصر الفاطمي وهي محفوظة حالياً في المتحف القبطي، حيث يقال عن باب الكنيسة القديم أن مكتشفة هو مؤسس المتحف القبطى مرقس سميكة باشا عندما كان يباشر عملية ترميم تلك الكنيسة وجده محفوظا بين جدارين فى صحن الكنيسة ويغلب الظن انهما أقيما خصوصا لحفظه من الضياع أو العبث بة اثناء فقرات الفوضى والاضطهاد حيث اضطر الى اغلاق ابواب الكنائس الرئيسية والاستعانة عنها بابواب صغيرة جانبية وقد تأكلت الاجزاء السفلى من ذلك الباب بتأثير تعرضها للرطوبة أما الحشوات العليا منه فلا تزال آثارها باقية تشهد بروعة النقش وعظمة الفن.
كما تعرضت أيضا للهدم خلال حكم السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون (1309-1340) وأيضا في القرن العشرين
وقد ذكر أيضا المؤرخ (تقى الدين المقريزى) فى القرن الخامس عشر للميلاد أنَّ كنيسة برباره كانت تقع جنوب مدينة الفسطاط. كانت كبيرة الاتساع بل واعظم كنائس القبط شهرة، وكانوا يقيمون فيها سنويا الاحتفالات والاعياد الدينية بذكرى القديسة وكان البطريرك يحضرها بنفسه، كما روى أيضا أنه كان بقرب الكنيسة دير للراهبات كان يلجأ إليه العذارى اللاتى يرغبن فى تكريس حياتهن لله وخصصن .أنفسهن لحياة الرهبنة
وعن تخطيط الكنيسة فهى على الطراز الأرثوذوكسى الأصلى مستطيلة الشكل، بمسطح طوله نحو ستة وعشرين مترا ونصف المتر وعرضه نحو أربعة عشر .مترا ونصف المتر
وارتفاعها يبلغ قرابة خمسة عشر متراً. وتعد كنيسة بربارة من أجمل كنائس الفسطاط، وتتكون من طابقين، وتحمل الأعمدة عارضة خشبية تعلوها عقود منكسرة ومرتفعة، ويوجد فوقها رواق مسقوف تحمله أعمدة، ويغطي الرواق الأوسط والهيكل الأوسط قبو خشبي(جمالون) نصف دائري، بينما يغطي الرواقين الجانبيين سقف خشبي مسطح.
حجاب الهيكل
ومما يلفت النظر في كنيسة القديسة بربارة الاشغال الخشبية، وخصوصاً حجاب الهيكل الأوسط، فهو مصنوع من خشب الجميز والأرز و مطعم بالعاج وبه “أويمة” دقيقة ويعود تاريخه الى العصر الفاطمي وهو مصنوع بأسلوب قريب من فن تلبيس الخشب المعروف في ذلك العصر، (نقر ولسان) مع العلم أن معظم حرفيي الخشب كانوا من الأقباط؛ وحيث نجد به عناصر زخرفية مختلفة، من مناظر الصيد” والموسيقى ومناظر الرهبان وتتخلله حشوات من العاج والأبنوس المنقوشة بزخارف نباتية أشبه بنقوش أحجبة كنيستى المعلقة وأبي سرجة ولكنها أحدث منها عهدا. ويوجد فوق الحجاب المذكور بعض الحشوات الخشبية ذوات النقوش الدقيقة المفرغة وهى ترجع غالبا إلى ما بين القرن الحادي عشر والثالث عشر، ثم توجد حشوات أخرى مستطيلة وهى من العاج الخالص المزخرف. ثم تعلو الحشوات المذكورة الأيقونات المثبتة فوق الحجاب وهو عبارة عن تسع ايقونات لبعض القديسين داخل إطارات خشبية، ومن المتوقع أنها من عمل فنان واحد ولعله (إبراهيم الناسخ)،طبقا لما هو مسجل على بعضها وهى ترجع إلى القرن الثامن عشر. وفوق منتصف افريز الأيقونات توجد صورة بالألوان الزاهية تمثل العشاء الربانى ويبرز من وسطها إلى أعلى صليب كبير عليه صورة للسيد المسيح وهو مصلوب وعلى جانبية ايقونتان صغيرتان للسيدة العذراء ومريم المجدلية من رسوم حديثة العهد. ويلى الحجاب الأوسط الهيكل الرئيسي للكنيسة الذي كُرِّسَ على اسم القديسة بربارة ويوجد في وسطه مذبح رخامى وهو حديث الصنع، وفوقه القبة الخشبية وهى ترتكز على أربعة أعمدة رخامية.
المدرج الرخامى
وفى هذا الهيكل الرئيسى نجد المدرج الرخامي خلف المذبح الرئيسى وهو غاية فى الروعة والجمال حيث نجد بة قطع من الفسيفساء تزينة وهو مكون من سبع درجات على شكل نصف دائرة وكانت معدة كما في غيرها من كنائس حصن بابليون الهامة لجلوس رجال الكهنوت.
وينتهي المدرج بحضن الآب في الجدار الشرقي، والتي كانت مخصصة لوضع الكرسي البطريركي، وعلى يمين الهيكل الرئيسي الهيكل الجنوبي باسم القديس مارمرقس وله حجاب من خشب الجوز المطعم بحشوات العاج البسيطة، وهو أقل أهمية من الحجاب الرئيسى وبداخله مذبح وحوله مجموعة من الصور.
أما الهيكل الشمالي فهو خالٍ من المذابح؛ ويوجد به باب صغير يخرجك الى قاعة مستطيلة توجد فيها مقصورة وهى مخصصة على اسم القديسة برباره وهى من التعديلات التي أدخِلَت إلى الكنيسة حديثا. ويشاهد فيها إطار خشبى كبير منقوش ومزين برسوم ملونة حديثا ومصنوع على شكل ثلاث قبلات على شكل نصف دائرة وفى داخلها في الوسط ايقونة كبيرة الحجم للقديسة برباره وعلى يمينها في القبلة الثانية ايقونة للقديسة يوليانة وعلى يسارها في القبلة الثالثة ايقونة للقديسة دميانه وحولها مجموعة العذارى. وقد استعملت فيها الليقة الألوان الذهبية بشكل واضح ووضعت اسماء القديسات الثلاثة على شكل مثل قرص الشمس فوق لوحة ذهبية وهى من عمل فنان واحد وترجع إلى عصر متأخر.
وطبقا لكتاب الموجز التاريخي عن الكنائس القبطية القديمة بالقاهرة للدكتور رؤف حبيب فإن الهيكل الشمالي من الكنيسة يمكن الدخول من باب فيه ويوصل لصحن الكنيسة الصغيرة المكرسة على اسم القديسين (أباكير ويوحنا) وهى مكونة من ثلاثة هياكل صغيرة وأوسطها هو الرئيسي وهو مُكَرَّس على اسم القديسين المذكورين، والأيمن على اسم القديس جورجيوس ولهما مذبحان مبنيان حديثا وفوق كل منهما قبة مبنية فوق الجدار وأمام كل منهما حجاب مطعم بالرسوم العاجية البسيطة من عصر متأخر أما الهيكل الثالث وهو الشمالي من هذا الجناح فهو مستعمل الآن للمعمودية والجدار الشمالي منه يحوى فجوة داخلية مقفلة بباب خشبي صغير وفيها يحفظون الأوانى الكنسية واللفائف الخاصة بها. ويغلب على الظن أنَّ هذه الهياكل كانت تمثل المبنى الأصلى للكنيسة ويوجد في وسط جدران الجناح الجنوبي باب ينفذ منه الزائر إلى حوش مستطيل في نهايته الغربية سلم خشبي يوصل إلى الدهليز الأعلى للكنيسة والذي كان موضعا لجلوس السيدات وهو يقوم على عشرة أعمدة رخامية بتيجانها المنقوشة أشبه تماما بدهليز كنيسة أبى سرجة، وهو يتصل كالعادة بإفريز خشبي مستمر وعوارض خشبية، وكانت هذه جميعا مزينة بالرسوم والمناظر الجميلة الملونة. وقد زالت جميعها بعد الترميم الأخير، وكذلك جدرانه كانت خاصة بالصور والزخارف الجصية الرائعة الهامة. ويصف الدكتور (الفريد بتلر)
المؤرخ الإنجليزي الذي زار تلك الكنيسة عام 1882م عما شاهده في ذلك القسم الخاص بالنساء من نقوش على افريز خشبي به حشوات ويظهر فيها مناظر حيوانات وغزلان وأرانب وجمال وحيوان مفترس كالأسد أوالفهد ثم أشكال لطيور جارحة كالنسر وطيور خرافية بأربعة أرجل وأجنحة. وعلى طبقة أخرى رسوم أشخاص وهى أحسنها وأكثرها وضوحا وجيدة ومنها شخصان أحدهما ربما لمار جرجس والآخر لأبي سفين. والألوان رائعة والرسوم دقيقة ومتقنة ويقول الدكتور(بتلر) أيضا أنَّ البياض الذي يغطى الجدران لابد وأنه يغطى الكثير من الرسوم الجصية القديمة. ويذكر كذلك أنه لما زار المكان ثانية في يناير 1884م، وجد أنَّ جميع تلك الرسوم والفرسكات والتي كانت قد شاهدها في زيارته الأولى قد تهدمت وزالت. وقد أكد (مونريه دى فيلار) أنَّ الفرسكات التي اكتشفها الدكتور بتلر على جدران دهليز النساء المذكور عن عظم أهميتها التاريخية والفنية على الرغم مما كان عليه من تشويه وقد قام الدكتور مونيه أمين مكتبة المتحف المصري بقرائة نص الكتابة القبطية التي كانت تحت الصور الجصية وأسفرت عن نتائج هامة للكنيسة، وكانت تحتوى على تاريخين هامين وهما عام 840 ثم عام 874 لعصر الشهداء، وعبارة عن تاريخ ثالث غير كامل وهو أقرب إلى التاريخين السابقين – أما السنين بالتاريخ الميلادي فهى كالآتى 1124، 1158، والثالث يحتمل أن يكون 1114م. فوجود هذه التواريخ على جدران فرسك الكنيسة مما يؤيد الإنشاء الأول لجدرانها خصوصا وأن الحوائط التي رسمت عليها تلك الصور الجصية لايمكن أن تكون باى حال من الأحوال متأخرة عن نهاية القرن الحادي عشر أو أوائل القرن الثاني عشر الميلادي. ويقع خلف هذه الكنيسة المقابر القبطية المسماة على اسمها (مقابر القديسة بربارة )وهى محاطة من جهة الشرق بجدار الحصن الرومانى
اما مدخل الكنيسة فيقع في جهة واحدة للكنيسة وهية الجهة الشمالية الغربية لها
ايقونات الكنيسة
وتوجد بالكنيسة مجموعة من الأيقونات منها ايقونة تمثل العذراء وقت البشارة وأيقونة الميلاد و تقديم الطفل يسوع فى الهيكل إلى سمعان الشيخ وأيقونة للعماد، وأخرى لمار جرجس وأيقونات خاصة بحياة السيد المسيح، ومنها دخوله إلى أورشليم، واقامة العازر من بين الأموات و التجلى فوق جبل الزيتون والعشاء الأخير وعرس قانا الجليل
ويوجد في صحن الكنيسة (اللقان) المعد لغسل الأرجل كالمعتاد والذى يُمارس ثلاث مرات فى السنة يوم خميس العهد وعيد الغطاس وعيد الرسل وتحتوي الكنيسة ايضا على امبل (منبر الوعظ) ويقع شمال صحن الكنيسة وهو مماثل لمنبر كنيسة أبي سرجة في الشرائح الرخامية الملونة، وعلى لوحته الرئيسية نقوش بارزة تمثل صلبانا داخل أكاليل زخرفية وعليها آثار الألوان ويقوم على .عشرة أعمدة رخامية صغيرة
وقد قامت لجنة العربية لحفظ الآثار القديمة بتجديده وتركيبه فى عام 1910م طبقا للوحة مسجل عليها ذلك وضعت على احدى جوانبه.
سيرة القديسة بربارة
وتنسب الكنيسة إلى القديسة بربارة التي كانت تعرف أيضا باسم القديسة بارب،والتى تشير المراجع عن حياتها انها كانت فتاة في غاية الجمال، ولدت في آسيا الصغرى في أوائل القرن الثالث، لعائلة وثنية ثرية وكان والدها ديسقورس شديد التمسك بالوثنية ويكره المسيحيين ولما شبت بربارة خاف عليها والدها من مفاسد العصر نظرًا لما كانت تتصف به من جمال فتان، ووضعها في قصر يحيط به العسكر ملأه بالأصنام، وجعل فيه كل أنواع التسلية. وكانت بربارة تتلقي أرفع العلوم، محبة للتأمل، إذ اعتادت أن ترفع نظرها نحو السماء تتأمل الشمس والقمر والنجوم، تناجي الخالق الذي أوجد الأرض وكل ما عليها لأجل الإنسان فأرشدها بعض خدامها من المسيحيين إلى العلامة أوريجانوس فاشتاقت أن تلتقي به وبالفعل إذ زار تلك البلاد التقت به فحدثها عن الإنجيل، فتعلق قلبها بالسيد المسيح، ونالت المعمودية دون أن تفاتح والدها في الأمر والتهب قلبها بمحبة اللَّه فنذرت حياتها له، واشتهت أن تعيش بتولاً تكرس حياتها للعبادة.
وتقدم لها كثيرون من بينهم شاب غني ابن أحد أمراء المنطقة ففاتحها والدها في الأمر حاسبًا انه يبهج قلبها بهذا النبأ السعيد، أما هي فبحكمة اعتذرت عن الزواج. وإذ كان والدها مسافرًا لقضاء عمل ما أرجأ الأمر إلى حين عودته لعلها تكون قد استقرت في تفكيرها
وكانت قد طلبت منه أن يبني لها حمامًا قبل سفره، فلبَّى طلبتها، وفتح لها نافذتين لزيادة الإضاءة، أما هي فحولت الحمّام إلى بيت صلاة، متعبدة للَّه بصلواتٍ وأسهارٍ وأصوامٍ بلا انقطاع. وحطمت كل الأوثان، وأقامت صليبًا على الحمام وعلى أعلى القصر، كما فتحت نافذة ثالثة حيث قالت كلمتها الشهيرة كل شئ بالثالوث يكمل لاحظ والدها هذا التغيير الواضح، فسألها عن سبب ذلك. صارت تكرز له بالإيمان بالثالوث، كيف يجب أن نؤمن باللَّه الواحد المثلث الأقانيم، فاستشاط غضبًا وأخذ يوبخها بصرامة، أما هي فلم تبالِ بل في صراحة ووضوح كانت تتحدث معه عن إيمانها وبتوليتها، فثار الوالد وانقض عليها وجذبها من شعرها وهمّ ليضربها بالسيف، فهربت من أمام وجهه وانطلقت من باب القصر، وكان أبوها يركض وراءها. قيل أن صخرة عاقتها في الطريق لكن سرعان ما انشقت الصخرة لتعبر في وسطها، ثم عادت الصخرة إلى حالها الأول. أما والدها إذ رأى ذلك لم يلن قلبه الصخري بل صار يدور حول الصخرة حتى وجدها مختبئة في مغارة، فوثب عليها كذئب على حمل، وصار يضربها بعنفٍ، ورجع بها إلى بيته. هناك وضعها في قبوٍ مظلم كما في سجن وروى ديسقورس للحاكم ما جرى وطلب منه أن يعذبها، لكن إذ رآها مرقيان تعلق قلبه بها جدًا وصار يوبخ والدها على قساوته ويلاطفها ويعدها بكرامات كثيرة إن أطاعت أمر الملك وسجدت للأوثان، أما هي ففي شجاعة تحدثت معه عن إيمانها بالسيد المسيح وجُلدت القديسة بربارة حتى سالت منها الدماء، كما كانوا يمزقون جسدها بمخارز مسننة بينما هي صامتة تصلي. ألبسوها مسحًا خشنة على جسدها الممزق بالجراحات، وألقوها في سجنٍ مظلمٍ. إذ كانت تشعر بثقل الآلام ظهر لها السيد المسيح نفسه وعزاها كما شفاها من جراحاتها، ففرحت وتهللت نفسها.
واستدعاها الحاكم في اليوم التالي ففوجيء بها فرحة متهللة، لا يظهر على جسدها أثر للجراحات فازداد عنفًا، وطلب من الجلادين تعذيبها، فكانوا يمشطون جسدها بأمشاط حديدية، كما وضعوا مشاعل متقدة عند جنبيها، ثم أمر الوالي ورأتها يوليانة وسط العذبات محتملة الآلام فصارت تبكي بمرارة، وإذ شاهدها الحاكم أمر بتعذيبها مع القديسة بربارة، وبإلقائها في السجن، فصارتا تسبحان اللَّه طول الليل وأمر مرقيان الحاكم بقطع رأسيهما بحد السيف، فأخذوهما إلى الجبل خارج المدينة وكانتا تصليان في الطريق. وإذ بلغتا موضع استشهادهما طلب ديسقورس أن يضرب هو بسيفه رقبة ابنته فسُمح له بذلك، ونالت مع القديسة يوليانة اكليل الاستشهاد. وتعيد لهما الكنيسة القبطية في 8 كيهك، وتعيد لهما الكنيسة الغربية واليونانية في 4 ديسمبر ويوجد جسد القديسة بربارة في كنيستها بمصر القديمة. وقد رأى بعض المؤرخين أنها استشهدت بهليوبوليس بمصر.