يقولون الصحافة مهنة البحث عن المتاعب و لكن مع البابا شنودة الصحافة مهنة متعة السهل الممتنع فعندما تتعامل مع صاحب فكر و قلم يصبح الطريق سهلاً.. و صدق من قال لولا مسيرة الرهبنة لصار قداسته واحداً من كبار الصحفيين.. الصعب أن تتابع أعماله و إنجازاته و اجتماعاته و حواراته و مؤتمراته و سفرياته فى طول البلاد و عرضها و فى كل العالم شرقاً و غرباَ.. و على امتداد عمر “وطنى” كنا معه على الطريق السهل الصعب.. و خلال هذه السلسلة نقدم قراءة سريعة للبابا شنودة الثالث على صفحات 2220 عدداً من اصدارات “وطنى” الاسبوعية.. تعال معنا عزيزى القارئ نستنشق عبير عطاء البابا المعلم ذهبى الفم..
الرحلة الاولى كانت صباح الاحد 3 سبتمبر 1962 عندما صدرت “وطنى” تحمل فى صفحاتها الاولى مفاجأة للشعب القبطى.. قالت فى ديباجتها ان قداسة البابا كيرلس السادس يبهرنا بين الحين و الاخر باشياء تدل على سعة الافق و تفهم مطالب العصر التى تشعبت فيه المسئولية الكنسية و تعددت احتياجات الشعب، اذ يبدأ فى تحقيق هذا الوعى العميق برسامة أسقفين خصصهما لنواح عامة.. الاول اسقفاً لتعليم الكنسى عن المعاهد الدينية و يعد الخدام و اللاهوتيين اللازمين للكنيسة بالكلية الاكليريكية و المعاهد الكنسية الاخرى، و الثانى اسقفاً لخدمات العامة ليهتم برعاية ابنائنا.. و بهذا دفع البابا كيرلس السادس بالكنيسة القبطية دفعة فاحصة تعيد لها مجدها السابق .. و فى تفاصيل حفل الرسامة ذكرت “وطنى” ان احداً لم يكن على علم بهذه الرسامة و قد بدأت مفاجأتها حينما طلب قداسة البابا الى نيافة الانبا ثاؤفيلس اسقف دير السريان ان يدعو القمص انطونيوس السريانى للحضور الى القاهرة و اجاب الاسقف قداسة البابا و لبى الراهب دعوته و استقبل البابا الراهب بالترحاب و مضى يحدثه عما حوته كتب القديسين من حكم بالغة، و قبل ان ينصرف الراهب من حضرة البابا كان قداسته قد رفع يده بالصليب و باركه و صلى له صلاة خاصة أطلق عليه خلالها الاسم الذى اختاره فكانت مفاجأة له و للحاضرين.
و أضافت “وطنى” فى حديثها عن القمص أنطونيوس السريانى الذى اطلق عليه الانبا شنودة انه من مواليد 3 اغسطس 1923 و حصل على ليسانس الاداب سنة 1947، و دبلوم الكلية الاكليريكية سنة 1949 و أمضى سنتين فى معهد الاثار ترهب بعدهما بدير السريان فى 18 يوليو سنة 1954 و أصدر عدة كتب منها كتاب انطلاق الروح و قد اختير اميناً لدير السريان فكان موضع تقدير الرهبان..
و عقب الرسامة أجرت “وطنى” حديثاً مع البابا كيرلس السادس قال فيه عن الانبا شنودة: نحن على يقين من أنه بفضل كفاءته الدينية و العلمية و ما اكتسبه من خبرات فى الحياة الرهبانية سيكون للمعلمين و المتعلمين من توجيهاته الرشيدة و رعايته الروحية ما يكفل القيام بنهضة دينية علمية شاملة للكلية الاكيريكية و بقية المعاهد الاخرى و انه ليهمنا ان ينشأ ابناؤنا نشأة دينية و خلقية تتفق مع المبادئ المسيحية الكريمة التى تفتح امامهم فى الحياة مستقبلاً زاهراً.
أخذت “وطنى” تتابع اخبار الانبا شنودة اسقف التعليم ففى عددها الصادر 17 مارس 1963 نقلت الى القراء خبر انتهاء نيافته من تنظيم معهد الدراسات القبطية ليؤدى رسالته و ينهض به على الوجه الصحيح، و أوضحت ان الطلبة انتظموا فى مختلف اقسامه الدراسية، و ان عددهم زاد عما كانوا عليه من قبل.. و كان نيافته قد صرح أن العمل بدأ فى اقسام الالحان الكنسية و الاجتماع و الدراسات الافريقية و الفن و اللاهوت و انه يفكر فى انشاء قسم جديد بالمعهد و هو قسم اللغة القبطية و اصولها و ادابها و تاريخ تطورها و كيفية التحدث بها، و ذلك اهتماماً من نيافته بلغة الكنيسة المستخدمة فى صلواتها.
و فى 15 سبتمبر 1993 دعا نيافة الأنبا شنودة على صفحات “وطنى” الى توحيد الجهود لخدمة تراثنا الدينى القديم و تأليف لجنة لترجمة اقوال الاباء القديسين و قال ” ان مكتبتنا القبطية تفتقر بوجه خاص الى كتب التفسير بينما لابائنا القديسين عدد كبير من المؤلفات كتفسيرات القديس يوحنا ذهبى الفم و القديس اثناسيوس و أغسطينوس و كيرلس الكبير، و أنه من العيب ان تنقل عنا هيئات عالمية اقوال الاباء القديسين و تنشرها باللغات الاجنبية و يستفيد بها ابناء الغرب بينما نحرم نحن الورثة الطبيعيين لهذه الكنوز الروحية الغالية من فوائدها و التمتع بها.”
و استمرت “وطنى” تتابع أخبار الانبا شنودة اذ نهض بالكلية الاكليريكية نهضة مباركة فتضاعف عدد الطلبة فى قسميها النهارى والليلى و التحقت بها الفتاة لاول مرة، و نشر العديد من مؤلفاته العقائدية والروحية و التأملية و التاريخية.. و فى سنة 1963 عقد مؤتمراً صحفياً بالمقر البابوى اوضح فيه رأى الكنيسة القبطية فى وثيقة تبرئة اليهود من جريمة صلب السيد المسيح التى حاول أحد الكرادلة الالمان اصدارها و عرضها على مجمع الفاتيكان و كانت “وطنى” هناك مع كل الصحف المصرية و العالمية تنقل الى القراء رأى الكنيسة القبطية الذى سجل للاقباط موقفاً وطنياً مشهوداً.. و فى 26 يونية 1966 دعى لالقاء محاضرة بنقابة الصحفيين موضوعها “اسرائيل فى المسيحية” و تحولت المحاضرة الى مؤتمر شعبى حضره 12 الفاً من المواطنين.. وهكذا كانت كل مواقفه فى شتى المسائل و الاحداث، فهى على الدوام مثار احاديث الناس، يشيدون بشجاعته فى الحق، وصموده ضد الباطل فهو رسالة حية مقروءة للجميع، لذلك كانت “وطنى” فى مهنة البحث نلهث وراء و احاديثه يكفى اننا ظللنا لسنوات ننقل الى القراء لقاءه الاسبوعى – مساء كل يوم جمعة – حيث كانت تحتشد الألوف بالكاتدرائية الكبرى بالأنبا رويس التى تعودت ان تلتقى به فتستمع اليه و يستمع هو الى اسئلتها الحارة.. و يفتح قلبه لشكواها فيشبع ظمأها و يرد السكينة و السلام اليها.. و كان على “وطنى” ان تسرع بكلماته الى المطبعة رأساً ليكون حديثه الاسبوعى أمام قرائنا صباح كل احد.. و هكذا كانت “وطنى” مع نيافة الأنبا شنودة أسقف المعاهد الدينية ومدارس التربية الكنسية.