وفي العاصمة البلجيكية بروكسل نظم نشطاءُ من المنظمة البيئية “جرينبيس” يغلقون الطريق أمام مفاوضين أوروبيين وأمريكيين، حيث أجريت منذ أيام جولةٌ جديدة من المفاوضات حول اتفاقية الشراكة الأطلسية للتجارة والإستثمار، إذ يخشى معارضو الإتفاقية من أن إقرارها سوف يقوض الديموقراطية الأوروبية، كما يقولون إنها لن تراعي صحة المستهلك الأوروبي أو المعايير البيئية المطلوبة. من جانبنه صرحت “ساسكيا ريشار” نائب مدير منظمة “جرينبيس” لـ”يورونيوز” قائلة: غرينبيس حاولت قطع الطريق على المفاوضين لأن إتفاقية الشراكة الأطلسية للتجارة والإستثمار تهدد الديموقراطية والبيئة، وكذلك معاييرنا الإجتماعية الأوروبية. الإتفاقية لا علاقة لها بالتجارة إنما هي تهدف إلى سحب السلطة من الشعب وتقديمها للشركات الكبرى، كما أنه ليس هناك من عوائقَ تجارية كما يدعون، إنما ضماناتٍ لحماية هوائنا وغذائنا من التسمم. ولكن على الرغم من حركة “جرينبيس” الإحتجاجية، عقدت جولة جديدة من المفاوضات ، من جانبها نوهت الـ”يورونيوز” أنه من المتوقع أن يتوصل الطرفان إلى إتفاق نهائي بحلول نهاية العام الجاري . من ناحية أخرى تقول سيسيليا مالمستروم مفوضة الإتحاد الأوروبي للتجارة : ” نسعى للتوصل إلى صيغة نهائية لهذا الإتفاق خلال فترة حكم أوباما، إن كان هذا ممكنا ، من جهة أخرى فأن إستطلاعاً للرأي في أوربا أوضح أن مواطني الإتحاد الأوروبي يؤيدون هذا الإتفاق، لأنهم أدركوا أن التجارة ساهمت في إزدهار الاتحاد الأوروبي، وان هذا الإتفاق ضروري للنمو ولفرص العمل أيضا” .
ويقول ماركوس تونس مقرر في التجارة الحرة بين الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة : “أعتقد أن على اللجنة التخلي عن مثل هذه الآليات في الوساطة في التجارة الحرة ، خاصة في حالة كيانين مثل الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي حيث توجد فيهما محاكم جيدة ونظام قضائي جيد، لا نحتاج إلى مثل هذه الآليات” هذه هي واحدة من القضايا التي لاقت معارضة شديدة من قبل البرلمانات في ألمانيا وفرنسا، أكبر اقتصادين في منطقة اليورو .
من ناحية أخرى يعتقد المفوض التجاري السابق للاتحاد الأوروبي “كارل دو غوخت” أن هناك “فرصة سانحة” لعقد الاتفاقية في العام الحالى حتى أوائل عام 2016 . آلاف المتظاهرين خرجوا في برلين للإحتجاج على مشروع اتفاق للتبادل الحر يناقش بين الإتحاد الأوروبي وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
مواضع الخلاف
لكن أين تكمن مواضع الخلاف في الآراء ، إن أحد أبرز نقاط الخلاف بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي تكمن في مسألة الأغذية المعدلة وراثياً، فالقواعد التي وضعها الأوروبيون بشأن الأغذية المعدلة وراثياً تعتبر من الأكثر صرامة في العالم، فمن بين مئات أنواع الخضار والفواكه المعدلة وراثياً، فإن مشرّعو الإتحاد سمحوا باستهلاك 52 مادة فقطل . أما على الضفة الآخرى من المحيط الأطلسي، فإن الولايات المتحدة تعد أكبر منتج للمحاصيل المعدلة وراثياً في العام ، يضاف إلى هذا القلق أن منتجي الولايات المتحدة سيصبحون قادرين على بيع لحومهم في الأسواق الأوربية الأوروبية، نعم إنها لحومٌ تربى ويتم التعامل معها وفق معايير مختلفة كلياً عن ما هو معمول به في أوروبا. على سبيل المثال يتم تطهير الدجاج الأميركي بالكلور، وهي ممارسة محظورة في أوروبا. فيقول ميجا فريون المدير العام في FoodDrinkEurope المعنية بالغذاء والمشروبات أوروبياً : بغض النظر عن المنتجات المعدلة وراثيا والهرمونات التي ذكرت والمحظورة في أوروبا، سيتم الحفاظ على هذا الحظر، هناك قطاعات أخرى قد نتوصل فيها إلى حل وسط . في نهاية المطاف، ستكون هناك فائدة للمستهلكين لأنهم سيحصلون على المزيد من الخيارات وبتكلفة أقل ، بينما تُعد أكثر من 99٪ من الشركات الأوروبية هي شركات صغيرة و متوسطة. ما الذي ستقوم به لمواجهة استراتيجيات الشركات متعددة الجنسيات ؟ لجنة الأقاليم في الإتحاد الأوروبي قلقة بالنسبة لآلية تسوية المنازعات بين المستثمرين والدولة : أنه نظام قانوني يُجيز للشركات مقاضاة الدول بسبب القوانين التي تؤثر على ايرادات الأعمال.
فهل توجد نقاط أخرى للخلاف ؟ نعم ، حيث أن المفوضية الأوروبية تتفاوض بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي لعقد الاتفاقية. رغم الجهود التي بذلتها المفوضية لإرساء الشفاقية من خلال نشر المقترح الذي قدمته للإتفاقية، لكن يوجد نوع من القلق يتعلق بالشفافية ، فالمفوضية تعتقد أن عقد صفقة بهذا الحجم يتطلب السرية، وتقول إن الشفافية في هذا النوع من القضايا قد يشبه كأن تُظهر أوراقك للاعب المنافس .
من ناحية حذر وزير الدولة الفرنسي لشؤون التجارة الخارجية “ماتياس فكل” من انسحاب بلاده من المفاوضات بين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية حول اتفاقية التجارة الحرة عبر الأطلسي حال لم تلتزم الأخيرة بمراعاة مبدأ “المعاملة بالمثل”. حيث عبر “ماتياس”عن أسفه أن تجرى المباحثات حول اتفاقية الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار في ظل انعدام تام للشفافية والتعتيم العالي مما قد يطرح مشكلة ديمقراطية، على حد قوله.
تقديم تنازلات
من جهة أخرى فأن منتقدو اتفاقية الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار قلقون من الناحية المالية، حيث يرون إنه إذا تم تضمين الخدمات المالية في الصفقة، فلأبد من تقديم تنازلات على مستوى القوانين القوانين المالية الناظمة وهو ما قد يؤثر سلباً على الاستقرار المالي. من ناحية أخرى تثير الصفقة أيضاً مخاوف بشأن صناعة السينما في أوروبا التي قد تتأثر من الضخ الهوليودي الجارف. بينما تصر المفوضية الأوروبية على استثناء القطاع السمعي البصري من المفاوضات بناء على الإعتراض الفرنسي بهذا الصدد.