إن الله، عندما تعطف على البشر الذين خلقهم على صورته ومثاله، شاء أن يجدد خلقهم وينقذهم من الهاوية التي سقطوا فيها بفسادهم وأن يتأهل بهم ابنه الوحيد ويلبس جسداً من طبيعتهم، فاختار منهم مريم البتول بنت يواكيم وحنه، وأرسل إليها، إلى الناصرة، الملاك جبرائيل، فبادرها بالبشارة قائلاً: ” السلام عليك يا مريم، يا ممتلئة نعمة الرب معك، مباركة أنت في النساء ” ( لوقا 1 : 28 )
ولما قبلت مريم سلام الملاك وكلامه، حل فيها ابن الله، وتجسد منها بقوة الروح القدس. فان الله تجلت قدرته منذ البدء، خلق البرايا من العدم، ومن التراب خلق آدم، ومن ضلعه خلق حواء.
أما مريم سيدة النساء، فشرفها على قدس الأقداس، وفضلها على الساروفيم والكاروبيم، لأن على هذه قد حل بها اللاهوت بالمجد. أما في بطن مريم فبالحق، لأن جسد الرب وروحه قد انغرسا بأقنوم ابن الله، وكمل بهما السر الذي يفوق كل الوصف، والآية التي من قديم وعد بها شعب اسرائيل قائلا على لسان أشعيا النبي: ” ها ان العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل “. وقال لها الملاك: “ان المولود منك قدوس، وابن العلي يدعى” ( لوقا 1 : 32 ) . فسمي الطفل عمانوئيل أي :
” الله معنا “، كما قال القديس يوحنا الانجيلي الناطق باللاهوت : ” الكلمة صار جسدا وحل فينا ” ( يوحنا 1 : 14 ). ودعي مسيحا لأن ناسوته اندمج باللاهوت ، كما سبق فأخبر عنه داود النبي قائلا : ” مسحك الله بدهن وزيت البهجة أفضل من شركائك ” .
مسح الأنبياء بالروح القدس، والكهنة بزيت الطيب، أما السيد المسيح فدهن وتقدس باللاهوت الذي اتحد معه بأقنوم واحد وسمي : “يسوع” أي “المخلص” .
سمي : ” ابن الله ” و ” ابن مريم ” ، لانه في الطبع الالهي ولد من العذراء بالجسد .
ويدعى : ” ابن الانسان ” و ” ابن داود ” لانه لبس جسدنا ليخلصنا، وصار كواحد منا. ويسمى ايضا : ” بكر الآب ” و ” بكر مريم ” ، لان لا الآب في الالوهية ولا مريم في البشرية ولد ابنا آخر قبله أو بعده . وصار أبا لكثيرين بالنعمة.