طرحت الحكومة حديثا مشروع قانون لإنشاء “المجلس القومى المصرى للمؤهلات المهنية الطبية التخصصية” لتطوير التعليم الطبى فى مرحلة الدراسات العليا وإنشاء درجة تعادل الزمالة الإنجليزية أو البورد الأمريكانى، وسماها البورد المصرى تمنح كشهادة عملية إكلينيكية غير الشهادات البحثية (وفى الحقيقة الإكلينيكية أيضا بجوار ذلك) مثل الماجستير الدكتوراه.
وفى الحقيقة فقد سبق طرح نفس أوائل عام 2010، وأوقف بعد الهجوم عليه من أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب ومن لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة.
وفى الحقيقة فقد سبق طرح نفس أوائل عام 2010، وأوقف بعد الهجوم عليه من أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب ومن لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة.
كانت المذكرة الإيضاحية للمشروع القديم أكثر صراحة فى الاعتراف بفشل التعليم الطبى الجامعى فى تخريج أطباء أكفاء قادرين على ممارسة المهنة نتيجة لفشل العملية التعليمية بكليات الطب فضلا عن تفاوت مستوى الأطباء بين كليات الطب فى الجامعات العريقة والإقليمية والخاصة، بينما حذف هذا الاعتراف من المقدمة الجديدة، ولكن بقى أثرها موجودا.
كيف يعالج كل من المشروعين القديم والجديد فشل التعليم الطبى الجامعى فى تخريج طبيب بالكفاءة المطلوبة؟ بعمل امتحان فى نهاية سنة الامتياز قبل منح الطبيب ترخيص مزاولة المهنة! يشير المشروع إلى تعاون الجهة الجديدة مع الجامعات لتطوير التعليم لإعداد الأطباء لخوض مثل هذا الامتحان، فما هو الوضع فى العالم لمثل هذا الادعاء؟
فى الولايات المتحدة نشأت كليات الطب والجامعات مستقلة وحرة فى تحديد عدد سنوات الدراسة والمقرر التعليمى بكل منها، لهذا تقوم الحكومة الأمريكية بعمل امتحان لكل الأطباء الخريجين قبل السماح لهم بممارسة المهنة. ولكن التعليم الطبى المصرى مؤسسة مركزية على غرار التعليم الطبى البريطانى مثلا، وهناك شعبة التعليم الطبى بالمجلس الأعلى للجامعات هى التى تحدد المقررات وعدد سنوات الدراسة وحتى أعداد المقبولين بكليات الطب. وفى بريطانيا نظرا لتلك المركزية فليس هناك ازدواج بين التخرج وبين امتحان مسبق لاكتساب ترخيص مزاولة المهنة، وهذا شيئ منطقى، وهو ما يحدث فى مصر حتى الآن إذ يمنح ترخيص مزاولة المهنة بشكل آلى بنهاية سنة الامتياز.
هل المنطقى هو ضمان مستوى الطبيب بعقد امتحان قومى ثان فى نهاية سنة الامتياز أم المنطقى هو إصلاح التعليم الجامعى لكى تنتهى الدراسة بطبيب مؤهل لممارسة المهنة عند نجاحه فى امتحان البكالوريوس مثل النظام الانجليزى؟ هل نصمم نظام الدراسات العليا ومهام اللجنة الجديدة على أساس الفشل المزمن للتعليم الطبى الجامعى فى مصر الذى لا أمل فى إصلاحه؟ وما معنى إصلاح قمة الشجرة (نظام الدراسات الطبية العليا) مع ترك الدراسات الجامعية فاسدة كقدر لا فرار منه؟ ما هو مصير الطبيب الذى يتخرج ثم يفشل فى الامتحان؟ هل يفتح محل للبقالة؟! هل يمول من جيبه دراسة كورسات إضافية بمعهد التدريب القومى الحكومى ليصبح مؤهلا للنجاح فى الامتحان؟
كما أثار المشروع القديم مشكلة توضيح أن الدراسات العليا الجديدة للزمالة هى دراسات مدفوعة الأجر على حساب الطبيب دون ذكر لواجب جهة العمل فى الالتزام بها، فحذفت الحكومة هذا البند من المشروع ولم تضع بديلا للتمويل إرضاء لمواطنين ربما لإحالة الخصخصة للائحة التنفيذية؟!
كما أثار المشروع القديم مشكلة توضيح أن الدراسات العليا الجديدة للزمالة هى دراسات مدفوعة الأجر على حساب الطبيب دون ذكر لواجب جهة العمل فى الالتزام بها، فحذفت الحكومة هذا البند من المشروع ولم تضع بديلا للتمويل إرضاء لمواطنين ربما لإحالة الخصخصة للائحة التنفيذية؟!
ولا تكمن المشكلة فقط فى بدء الحل من الدراسات العليا، ولكن أيضا فى ربط هذا بخصخصة الدراسات العليا. فى مسودة القانون الأولى عام 2010 كان النص صراحة على أن تتصمن موارد الهيئة الجديدة “..حصيلة المبالغ المستحقة للمجلس مقابل الخدمات فى مجال التسجيل والامتحانات وورش العمل”. أخفت الحكومة هذا النص بدون بديل (ربما لإحالته للائحة التنفيذية امتصاصا للسخط) حتى على حساب خلو القانون الجديد من ركن رئيسى مثل التمويل!
الهيئة الجديدة تأخذ مقابل الدراسات العليا، والدورات وورش العمل التى تؤهل الطبيب لتجديد ترخيص مزاولة المهنة كل بضع سنوات بعد التخرج، والدورات التى تؤهل الخريج الذى يرسب فى الامتحان الخاص بمنح ترخيص ممارسة المهنة فى نهاية سنة الامتياز. ألا يساوى هذا طبقية التعليم وإتاحته لأبناء الأغنياء فقط، تعليم النصف فى المائة وعلى كل الموهوبين من الفقراء الاكتفاء بالتعليم الصناعى؟!
نفس المنطق يسرى فى التعليم الطبى الجامعى الذى لا يتطرق القانون إلى إصلاحه، فحاله الآن هو إصلاح جزئى للتعليم الطبى فى كليات الطب للقلة الغنية فقط تحت ما يسمى بالتعليم الموازى!! لقد افتتحت جامعة المنصورة قسم التعليم الموازى المعترف به دوليا (نتيجة للمآخاه مع جامعة مانشستر) بمقرراتها وطريقة امتحاناتها، وخصصت لها أفضل أعضاء هيئة التدريس ولكن بمصاريف سنوية بدأت بخمسة وعشرين ألف جنيه ووصلت الآن إلى خمسة وأربعين ألفا. أما كلية طب جامعة القاهرة فقد افتتحت القسم هذا العام بمصاريف سبعين ألف جنيه سنويا! حل مشاكل التعليم للقلة من الأغنياء والتعليم الفقير للفقراء مع الإطاحة بالحقوق الدستورية فى التعليم والمساواة بين المواطنين!
نفس المنطق يسرى فى التعليم الطبى الجامعى الذى لا يتطرق القانون إلى إصلاحه، فحاله الآن هو إصلاح جزئى للتعليم الطبى فى كليات الطب للقلة الغنية فقط تحت ما يسمى بالتعليم الموازى!! لقد افتتحت جامعة المنصورة قسم التعليم الموازى المعترف به دوليا (نتيجة للمآخاه مع جامعة مانشستر) بمقرراتها وطريقة امتحاناتها، وخصصت لها أفضل أعضاء هيئة التدريس ولكن بمصاريف سنوية بدأت بخمسة وعشرين ألف جنيه ووصلت الآن إلى خمسة وأربعين ألفا. أما كلية طب جامعة القاهرة فقد افتتحت القسم هذا العام بمصاريف سبعين ألف جنيه سنويا! حل مشاكل التعليم للقلة من الأغنياء والتعليم الفقير للفقراء مع الإطاحة بالحقوق الدستورية فى التعليم والمساواة بين المواطنين!
من أين يأتى هذا المنطق بقصر التعليم الجيد بالجامعة والدراسات العليا على فائقى الثراء، والوعد فى نهايته بنيل شهادات معترف بها دوليا تصلح للعمل فى الخارج؟ لا يأتى إلا من الخارج طبعا! فهذه الشهادة الجديدة وهذا المجلس وهذه الخصخصة للتعليم الجامعى هى نصائح مندوبى هيئة المعونة الأمريكية والبنك الدولى لوزارات التعليم العالى والصحة. راجعوا اتفاق الإصلاح الصحى الموقع بين رئيس البنك الدولى مندوبا عن الجهات المانحة (البنك الدولى وهيئة المعونة الأمريكية والمفوضية الأوروبية) وبين وزير الصحة عام 1998 والذى ينص على ذلك العبث بالتعليم لسببين وجيهين من وجهة نظرهم!
السبب الأول هو التركيز على الخصخصة لتخفيض الإنفاق الحكومى على الخدمات الأساسية لكى تكون الحكومة قادرة على سداد ديونها، والسبب الثانى هو إعادة هيكلة التعليم لكى يستجيب فى المحل الأول لاحتياجات السوق الدولى (العالمى والخليجى) وليس لحل المشاكل الصحية فى مصر!
أما آن الأوان للدعوة إلى مؤتمر قومى لأساتذة كليات الطب وكل المهتمين بالسياسات التعليمية والصحية لصياغة سياسة تعليمية طبية فى الجامعة والدراسات العليا والتعليم الطبى المستمر من منطلقات وطنية تشمل علاج أمراض المصريين الحقيقية؟!
أما آن الأوان للدعوة إلى مؤتمر قومى لأساتذة كليات الطب وكل المهتمين بالسياسات التعليمية والصحية لصياغة سياسة تعليمية طبية فى الجامعة والدراسات العليا والتعليم الطبى المستمر من منطلقات وطنية تشمل علاج أمراض المصريين الحقيقية؟!