غنى بصوته: محبوس ياطير الحق
تحل اليوم الذكرى الثالثة للموسيقار والمؤلف والناقد الفني، مبدع الموسيقى المصرية عمار الشريعى، والذى وافته المنية في ظهر الجمعة الموافق ٧ ديسمبر عام ٢٠١٢، وذلك بعد أن أصيب بأزمة قلبية بعد مشاركته للمتظاهرين في ميدان التحرير منذ بدء الثورة، حيث كان موقفه واضحا ولكنه لم يستطيع التحمل فتعلل قلبه ليقضى شهوره الأخيرة في المستشفى، وقد فارق الحياة عن عمر تجاوز ال٦٤ عاما.
وعمار الشريعي أحد أعمدة الموسيقى العربية، فقد قام بتلحين وتأليف الموسيقى لأكثر من ٥٠ فيلم سينمائي، و١٥٠ مسلسلا تلفزيونيا، وأكثر من ٢٠ عملا إذاعيا، والعشرات من المسرحيات الغنائية الإستعراضية، وتعامل مع مطربين كبار من مختلف الدول العربية ومنهم عبدالله الرويشد.
كما قدم الشريعي العديد من البرامج الشهيرة منها ” غواص في بحر النغم، سهرة شريعي، مع عمار الشريعي والذى أعلن عنه مجموعة من النجوم منهم الفنان عمرو دياب، المسحراتي”.
ولد عمار علي إبراهيم علي الشريعي ١٦ أبريل عام ١٩٤٨، في مدينة سمالوط بالمنيا، لعائلة كبيرة بالصعيد وهى عائلة ” الهوارى”، وقد تعددت مواهبه في الصغر حيث اشترى له والده بيانو ليعزف عليه، كما تفوق ايضا في السباحة، واستطاع وهو يدرس ان يتعرف على الموسيقار كمال الطويل الذى تبناه فنيا، وايضا تعرف بعد ذلك على الموسيقار بليغ حمدي، ثم نلقى بعد ذاك علوم الموسيقى الشرقية على يد مجموعة من الأساتذة الكبار بمدرسة الثانوية، وذلك في إطار برنامج مكثف أعدته وزارة التربية والتعليم للطلبة المكفوفين الراغبين في دراسة الموسيقى، وأستطاع بمجهوده الذاتي إتقان العزف على آلة البيانو والأكورديون والعود والأورج.
فقد درس بمدرسة المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين، وبعد ذلك حصل على ليسانس الآداب قسم لغة إنجليزية بجامعة عين شمس، ثم درس التأليف الموسيقي عن طريق مدرسة هادلي سكول الأمريكية لتعليم المكفوفين بالمراسلة، وبعد ذلك إلتحق بالأكاديمية الملكية البريطانية للموسيقى.
وفور تخرجه من الجامعة في عام ١٩٧٠ وبدء العمل كعازف لآلة الأكورديون مع العديد من الفرق الموسيقية، وبعد ذلك اتجه للعزف على الأورج وأشتهر في ذلك الوقت كثيرا حيث أعتبر نموذجا في تحدى الإعاقة، وذلك لان آلة الأورج معقدة وتعتمد على الإبصار بدرجة كبيرة.
ومالبث ان ذاع صيته حتى أتجه إلى التلحين والتأليف الموسيقي، وكانت أول ألحانه ” إمسكوا الخسب” للفنانة مها صبري، وقد لحن أكثر من ١٥٠ لحنا للعديد من مطربى ومطربات مصر والعالم العربي، كما تميز بوضع الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية والمسرحيات، والتى حصل من خلالها على العديد من الجوائز العربية والعالمية.
واراد الشريعي ان يعمل نقلة في الموسيقى الشرقية حيث مزج الأصالة بالمعاصرة، من خلال فرقة ” الأصدقاء” والتى اشتهرت في ذلك الوقت ومازال العديد يتذكر هذه الفرقة وأغانيها حتى الأن، وقد تكونت من ” منى عبد الغني، حنان، علاء عبد الخالق”، كما أهنم بأكتشاف المواهب ذات الأصوات الجميلة ورعايتهم، ومن المواهب التى إكتشفها الشريعي واصبحوا نجوم الوطن العربي” منى عبد الغني، حنان، علاء عبد الخالق، هدى عمار، حسن فؤاد، ريهام عبد الحكيم، مي فاروق، أجفان الأمير، آمال ماهر، أحمد علي الحجار، سماح سيد الملاح”.
أهتم الشريعي بالأطفال فقام بعمل أغاني احتفالات عيد الطفولة ١٢ عاما متتالية، ومنذ عام ١٩٩١ وحتى ٢٠٠٣ قام بوضع الموسيقى والألحان لاحتفاليات أكتوبر برعاية القوات المسلحة، وايضا قام بتلحين الحفل الموسيقي الذى أقامته سلطنة عمان عام ١٩٩٣ و٢٠١٠ بمناسبة عيدها الوطني.
عين عمار الشريعي أستاذ غير متفرغ بأكاديمية الفنون المصرية، وكان عضوا في لجنة الموسيقى بالمجلس الأعلى للثقافة سابقا، وايصا عضوا بنقابة الموسيقيين.
حصل على جوائز من مهرجانات عالمية منها مهرجان فالنسيا بإسبانيا عام ١٩٨٦، من مهرجان فيفييه بسويسرا عام ١٩٨٩، كما كرمه السلطان قابوس بن سعيد سلطنة عمان بوسام من الطبقة الأولى مرتين ، وفي الأردن ايصا كرمه الملك عبدالله بن الحسين بوسام من الطبقة الأولى، كما حصل على جوائز عديدة داخل مصر.
غنى الشريعي بصوته الأجش مجموعة من الأغاني في أعماله وهى” محبوس ياطير الحق، والدم” بفيلم البرء، كما غنى رباعيات داخلية بمسلسل ريا وسكينة، ورباعيات داخلية بمسلسل الأيام تألعميد الأدب طه حسين.
لقد كان خبر وفاته كالصاعقة التى أصابت العالم العربي وخاصة المصريين، وقد ظهر الحزن العميق على ابناءه المطربيين والفنانيين الذين إرتبطوا بالاستاذ والأب بعلاقة تسودها المحبة، فالشريعي لم يكن يلخل على أحد بتعاليمه ولكن كان يجب أن يكون لديه الموهبة، رحل هذا الإنسان الجميل في ظروف سياسية قاسية كانت تمر بها مصر، رحل وهو يقول محبوس ياطير الحق.