مازالت أعمال ودعابات الإنجليزي برنارد شو فريدة من نوعها في تاريخ الأدب؛ مُشيرة إلى عبقرية ذلك الإنجليزي الذي قارب المائة من الأعوام في حياته، وبراعته في جعل الناس يضحكون وسط المآسي وفي الوقت نفسه كان يستطيع توصيل رسائله إليهم، كانت مليئة بالمعان الإنسانية التي حاول تخليدها.
هو جورج برنارد شو المولود في 26 يوليو 1856 في العاصمة الأيرلندية دبلن، لأسرة متوسطة واضطر لترك المدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره ليعمل موظفًا، كان والده سكيرًا مدمنًا للكحول مما شكل لديه ردة فعل بعدم قرب الخمر طوال حياته، وكان كذلك نباتيًا لا يقرب اللحم، الأمر الذي كان له أثر في طول عمره وصحته، ثُم تركت أمه المنزل مُغادرة إلى العاصمة البريطانية لندن مع ابنتيها ولحق بهم برنارد في العشرينات سنة 1876. ولم يعد لأيرلندا لما يقرب الثلاثين عامًا.
عندما غادر إلى لندن بدأ شو يتردد على المتحف البريطاني لتثقيف نفسه ما كان له الفضل الكبير في أصالة فكره واستقلاليته، وبدأ مسيرته الأدبية بخمس روايات لم تلق نجاحًا كبيرًا وهي “عدم النضج، العقدة اللاعقلانية، الحب بين الفنانين، مهنة كاشل بايرون، والاشتراكي واللااشتراكي” لكنه اشتُهِر فيما بعد كناقد موسيقي في إحدى الصحف، ثم لم يلبث وأن انخرط في العمل السياسي وبدأ نشاطه في مجال الحركة الاشتراكية وانضم للجمعية الفابيّة -وهي جمعية إنجليزية سعى أعضاؤها إلى نشر المبادئ الاشتراكية بالوسائل السلمية- وكان معجبًا بالشاعر والكاتب المسرحي النروجي هنريك إبسن وكان تأثيره واضحًا على شو في بداياته.
ورغم تركه للمدرسة مبكرًا إلا أنه استمر بالقراءة وتعلّم اللاتينية، والاغريقية، والفرنسية، وكان بذلك كمواطنه شكسبير الذي غادر المدرسة وهو طفل ليساعد والده وكانت المدارس برأي شو “ليست سوى سجون ومعتقلات”، وكان مناهضًا لحقوق المرأة ومناديًا بالمساواة في الدخل؛ وبسبب أنه عاش حياة فقيرة وبائسة أيام شبابه، جعل شو من مكافحة الفقر هدفًا رئيسيًا لكل ما يكتب، وكان يرى أن الفقر مصدر لكل الآثام والشرور كالسرقة والإدمان والانحراف، وأن الفقر معناه الضّعف والجهل والمرض والقمع والنفاق؛ ويظهر ذلك جليًا في مسرحيته “الرائد باربرا” التي يتناول فيها موضوع الفقر والرأسمالية ونفاق الجمعيات الخيرية؛ كما أراد أن يدعو إلى الفكر الذي آمن به من خلال عرض مسرحي، فما كان له إلا أن يصور بطله الديني في مسرحية عامة، لنشر آرائه الدينية من حيث الكفاح في سبيل حرية الرأي، ومن حيث الخلاص من التعصب الأعمى، ومن حيث التحرر من استبعاد السلطة، وأراد أن يكتب مسرحية “محمد” ليلقي بآرائه هذه في صعيد واحد.
كان شو هو الآخر من أشهر من رفضوا جائزة نوبل حين قدمت له قائلًا: “إن هذا طوق نجاة يلقى به إلى رجل وصل فعلا إلى بر الأمان، ولم يعد عليه من خطر”؛ وظل على رأيه حتى غادر عالمنا في 2 نوفمبر 1950، عن عمر كاد يُقارب المائة.
أقوال من ذهب :
-عندما كنت صغيرا، لاحظت أن تسعا من كل عشرة أشياء أقوم بها تخفق، لذا قمت بعشرة أضعاف ما توجب علي عمله.
-الانتحار هو الطريقة التي تجعل الإنسان مشهوراً من دون أن يمتلك قدرات.
– إنسانية لتكون سعيدة منذ زمن لو أن الرجال استخدمو عبقريتهم في عدم ارتكاب الحماقات بدل أن يشتغلو باصلاح حماقات ارتكبوها .
-خير الفضائل الصمت لأنك بواسطته تستمع للآخرين فتعرف عيوبهم وتخفي عيوبك.