–
وسط مشاعر يعتسرها الالم حزنا على نياحة ابينا ابراهام مطران الكرسى الاورشليمى و الشرق الادنى , احتشد اليوم الالاف من محبى ابينا الطوباوى كى يودعونه و يزفونه الى السماء لينعم فى احضان الملائكة و القديسين .. مشاعر مختلطة بين الالم و الفرح , ألما على الفراق برحيل بابا له مكانة خاصة فى المجمع المقدس للكنيسة القبطية بكونه الرجل الثانى بعد قداسة البابا و فرحا بتكليل جهاده لينضم الى الكنيسة المنتصرة كى يشفع لنا امام عرش النعمة كى يعيننا الرب كما اعانه ..
اقيمت اليوم صلوات تجنيز مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل الانبا ابراهام مطران الكرسى الاورشليمى و الشرق الادنى برئاسة قداسة البابا تواضروس الثانى وسط الحان و تراتيل الشمامسة .
جاءت كلمة قداسة البابا معزية للقلوب المكلومة على نياحة ذلك الاب المحب الذى عاش طوال خدمته و كأنه الانجيل المعاش .. عاش كما ينبغى ان يكون تلميذا للمسيح عاملا بكلمته و حافظا لوصاياه , فكانت كلمته : يعز علينا يا احباء ان نودع هذا المطران الجليل مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل الانبا ابراهام مطران الكرسى الاورشليمى و الشرق الادنى .. نودعه على رجاء القيامة و نودعه عالى الامجاد السماوية و كلنا فى ثقة و ايمان و يقين انه قد خدم طوال حياته كانسانا مباركا و لذلك سيكون له المواضع المقدسة و المباركة فى السماء .
نيافة الانبا ابراهام انتقل عن عمر يناهز 73 سنة , قضى منها 24 سنة مطرانا بهذه الايبارشية المقدسة و الايبارشية الاولى فى ايبارشيات و تقليد الكنيسة القبطية الارثوذكسية .. لقد حضرنا و كان حضورنا للوداع و التعزية و التقدير و ليس للزيارة أو التجوال أو حتى التبرك , جئنا و وفد كبير من الكنيسة القبطية من اباء مطارنة و اساقفة و كهنة و رهبان ليس من مصر فقط و لكن من مواقع كثيرة و دول متعددة حيث تتواجد الكنيسة القبطية , جئنا لوداع انسان جليل محبوب عاش و خدم و كسب قلوب و كان له صيت حسن فى كل قلب تعامل معه ليس و هو مطران فقط و انما من قبل ذلك .. جئنا ايضا لكل ما نعزى كل ابنائه و احبائه و محبيه فى هذه الايبارشية المتسعة و التى تخدم الاقباط فى عدة دول .. جئنا هنا تقديرا لهذه القامة العالية ليس على المستوى الكنسى فقط و لكن ايضا على المستوى الوطنى و المستوى الانسانى .
نيافة الانبا ابراهام بعد ان اكمل تعليمه الجامعى كان له مجالا فى الدراسات العليا و حصل على شهادات و درس الدكتوراه و كان اساتذا جامعيا خدم الوطن خدمة من خلال دراسته و من خلال عمله , كان محبوبا للغاية و كان متواضعا و حكيما فى محبته كسب كل انسان تعامل معه حتى المختلفين معه اجمعوا على شخصيته المحبوبة ثم التحق بدير القديس الانبا بيشوى عام 1984 و هو نفس الدير الذى التحقت به .. فى الدير – و هو احد اديرتنا القبطية العامرة فى مصر – كان محبوبا من الاباء الرهبان و محبوبا من رئيس الدير نيافة الانبا صرابامون الحاضر معنا اليوم .
و كسب الجميع و كسب تقدير الجميع بنسكيته و بحياته الرهبانية حيث ترك كل شىء , ترك عمله و منصبه و كل ما له و اتجه للدير لكى ما يعيش هذه الحياة المقدسة , عاش فى الدير سنوات كثيرة كان مسئولا عن استقبال ضيوف الدير لكل بقاع العالم بسبب استقباله و ترحيبه و شخصيته المحبة كسب اصدقاء كثيرين فى اماكن كثيرة ثم اختاره البابا شنوده لكى ما يخدم فى سويسرا ككاهن ثم اختاره ايضا لكى ما يكون مطرانا فى هذه المكانة الرفيعة فى اورشليم .
طوال هذه الخدمات الكثيرة التى تنوعت حيث تقابل مع الآلاف من الناس من كل الاشكال و المذاهب و الاديان من كل درجات العلم و المعرفة نجده كان يكسب الجميع , فلم نجد انسانا الا و قال عنه سوى كلمات المديح و السلام و الود و المحبة و التقدير ليس فى مناسبة انتقاله فقط و لكن فى اى وقت .
كان ناجحا فى خدمته للغاية , تعب كثيرا و علم كثيرا و عمر كثيرا فى اماكن كثيرة فى ايبارشيته و رغم الظروف الاقتصادية التى ضاقت عليه خاصة فى السنوات الاخيرة لكنها كانت الخدمة و ظل الشهر قبل انتقاله تقريبا يتفقد ابنائه الاقباط فى احد مناطق ايبارشيته فى قطر و مسقط و رغم الاتعاب و الظروف الصحية غير المواتية فى حياته لكنه تحمل كما ذكرت قبل نياحته بشهر تفقد ابنائه الرهبان و لكهنة و الشعب فى قطر و مسقط كما كان يفعل تماما فى صحته الكاملة .
تزاملت معه فى دير القديس الانبا بيشوى , كان راهبا يسبقنى فى الالتحاق بالدير و لكنه كان اول راهب اتقابل معه و اتعرف عليه حينما بدأت حياتى الرهبانية , تأثرت به كثيرا و كان نموذجا رفيعا فى الحياة الرهبانية تعلمت منه كثيرا و كانت لنا فرص كثيرة للحوار و المناقشة و السؤل و الجواب , كان ذو معرفة واسعة جدا كان فى خدمته قبل الدير و بعده خدمة واسعة و استخدمه الله بكل نجاح و توفيق .
لذلك ايها الاحباء عندما تأتى هذه الساعة و نقف جميعا لكى ما نودعه .. نودعه باطمئنان , نطمئن على نفس عاشت امينة بايمانها و امينة لوطنها و امينة لكنيستها و امينة لخدمتها .. هذه الامانة هى التى يبحث الله عليها فى حياتها سوف يعطى الله العمر للجميع يعطيكم الله العمر الطويل للجميع و لكن حياة الانسان ستنتهى يوما فلم نسمع عن انسان باقى على الارض .
يعيش الانسان حياته كنعمة من الله يعطيها الله لنا هذه النعمة سواء سنوات كثيرة أو سنوات قصيرة انما هى نعمة , ليعطيها الله لنا و ليترك لنا ما نفعل فيها ان كان خيرا أو شرا و لكن الله يعطينا و يطلب فقط امانتنا .. امانة الانسان لانسانيته , فالله عندما خلق الانسان خلقه كتاج للخليقة بعد ان خلق الكون و الارض و عمره كانت فى النهاية خلقة الانسان ككائن متوج على هذه الخليقة الجميلة , اعطى الله عطاياه الجميلة و مازال يعطيها فى كل صباح اما الانسان فقد اساء استخدام هذه العطية , و لذلك كل انسان سيقف امام الله ذات يوم و عندما يقف امام الله سيقول له اعطنى حساب وكالتك فقد اوكلتك على هذه السنوات التى هى عمرك فماذا صنعت فيها ؟ و ماذا قدمت ؟ , كيف خدمت ؟ كيف عشت انسانيتك ؟ كيف عشت بالحياة الانسانية ؟ و كيف مجدتنى و انت على الارض ؟ سيسأله الله عن امانته و عن محبته و عن .. سيسأله عن الخفيات و عن الظاهريات , سيسأله عن معرفته سواء كانت بعلمه أو بغير علمه و ما ارتكبه من خطايا سواء كانت بارادته أو بغير ارادته .. سيقف الانسان امام الله لذلك يا اخوتى الاحباء اعطانا الله فى كل الاديان ثمرة الصلاة , فالصلاة هى خبرات الوقوف امام الله و من ثم يقول القديس بولس ” مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى ” سيقف ايها الانسان امام الله و كيف سيكون وجهك ؟ و كيف سيكون نطقك و ماذا ستقول ؟ ان وضع الانسان هذه الاعتبارات فى قلبه و فى حياته و فى مسئولياته الصغيرة و الكبيرة سيجد الله يقول له ” كنت امينا فى القليل اقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك ” اما اذا لم يجد هذا فيه فستكون النهاية مؤلمة .
الموت احد العطايا التى يعطيها الله لنا قد يعتبرها الانسان ضيفا مزعج و لكن الموت ليس بهذه الصورة , فالموت يرتقى بالانسان من الحياة الدنيا الى الحياة العليا التى هى الحياة السماوية أو الحياة الجديدة .. الموت يرفع الانسان و عندما يترك الانسان الارض تكون هذه انتهاء لكل الاتعاب و كل الامراض و كل الهموم و كل القلق ليرتفع القلب لذلك يقول الكتاب المقدس ” طوبى لمن اخترته ليسكن فى ديارك ” و كأن الموت اختيار الهى و لذلك نسميه نعمة و عليه نسمى الموت هو انتقال كما سمعنا فى الصلوات “انه ليس هو موت لعبيدك بل هو انتقال ” .. انتقال من حال الى حال لذلك لا نقول الانسان توفى أو مات و لكننا نستبدل تعبيرا ” تنيح ” و هنا النياحة تعنى الراحة و لكن ليس بمفهوم الراحة على الارض , الراحة التى نختبرها يوميا و انما راحة من نوع اخر .
و اوضح قداسة البابا تواضروس ان موت بمثابة راحة لانه يمون فى معية الله و معية الابرار و الصديقين و القديسين و الصالحين , الانسان فى السماء سيحيا فى هذه المعية .. معية المجتمع الفاضل سيعيش مجتمعه بقداسة و بر و سيعيش هذا و لذلك نجتهد على الارض و ان نعيش كى ما يكون لنا هذا النصيب .. ما اشهى يعيش الانسان فى معية الله , ما ما اشهى ان يوجد فى معية الابرار و الصديقين .
اننا بالموت نصل الى السماء فنصل لحالة السلام الكامل , فليس على الارض سلام و قد يجتهد الانسان و يبحث عنه و يحققه نسبيا أو جزئيا و لكن السلام الكامل يكون فى السماء حيث يعيش الانسان فى حالة من حالات الهدوء الداخلى و الانسجام الداخلى داخل قلبه .. يقول القديس بولس الرسول ط ما لم تراه عين و لم تسمع به اذن و لم يخطر على قلب بش ما اعدتته يا الله للذين يحبونه ” فمجرد محبة الانسان للله و يعيش بهذه المحبة و ينشرها بين الناس عندما يصل الى السماء يتمتع بهذه المحبة لكى يصل الى السلام الكامل فى داخله , فلا نسمع ان السماء فيها ظلمة أو شر أو مرار أو عنف و انما نسمع ان السماء فيها السلام الكامل .
و اخيرا عندما نصل الى السماء سنتمتع بالفرح الكامل , حياة الفرح التى يسعى الانسان على الارض فى كل يوم من اجل ان يكون سعيدا , يجد و يعمل و يتكلم و يدرس و بكل الافعال الانسانية و غيرها لكى ما يحصل على السعادة و عندما تزداد سعادة الانسان يقول ” اللهم اجعله خير ” اما فى السماء فسنتمتع بالفرح الكامل اى حالة من السعادة الكاملة و الفرح الداخلى و لذلك السماء لا يوجد فيها ملل و انما هى فى فرح فى كل وقت .. تبتهج بالنور و تبتهج بالفرح و يعيش الانسان الحياة الابدية او كما يسميها الكتاب المقدس الحياة الجديدة .. نوع تانى من الحياة يعيش الانسان فى هذه الفرحة الدائمة , و لذلك ما اشهى ان نحيا فى هذه الفضيلة يا اخوتى فضيلة الحنين للابدية فضيلة الحنين للسماء فعندما ننظر للسماء و نحن على الارض نجدها متسعة و نجدها صافية و نجدها مريحة فماباللنا عندما يوجد الانسان فيها و عندما يعيش فيها بالطبع سوف يتمتع بهذا الفرح الدائم .
اننا يا اخوتى الاحباء نودع هذا المطران الجليل الذى عندما اكمل خدمته بسلام انضم الى ابائه .. نودعه على رجاء القيامة و بايمان و بيقين .. نودعه و الالم يعتسر قلوبنا و لكننا ايضا فى ايماننا و فى يقيننا انه كمل ايامه بسلام و عاد الى بيته , لن يوجد على الارض و عاد الى بيته فى السماء واثقين انه فى السماء سوف يصلى من اجلنا و من اجل الكنيسة و من اجل هذه الايبارشية و من اجل كل الاحباء الذين تعاملوا معه و تعامل معهم ..نودعه بهذا الايمان واثقين ان الله هو الذى يضمد جراحنا و احزاننا و الامنا و ليباركنا الله بكل بركة روحية و ليحفظكم فى اسمه القدوس و يبارك فى كل ما تمتد اليه ايديكم ..
احمل اليكم تحيات و بركات مصر وطننا العظيم و كما ذكرت اننا جئنا هنا للوداع و للتعزية و للتقدير , فهذا الحضور هو حضور من اجل شخصية انسانية عاشت هذه الحياة كما ينبغى ان تكون .. اشكر محبتكم و تعبكم و حضوركم و شاركونا فى هذا اليوم الجميع , اشكر كل السلطات التى تعبت معنا فى تسهيل الاجراءات التى احتجنا اليها ليعوض الجميع بالخير و ليحفظهم الله بسلام .
يذكر ان قداسة البابا تواضروس الثانى قد حرص على ترأسه صلاة الجناز رغم كم الهجوم على شخصه بزيارته القدس , و عليه وضحت الكنيسة القبطية الارثوذكسية موقفها بان موقف الكنيسة من زيارة القدس ثابت و لم و لن يتغير فلا زيارة للقدس الا مع جموع المصريين يدا بيد و ان سفر قدسة البابا قاصرة على صلاة الجناز فقط كما اوضح قداسة البابا اثناء كلمته فى صلاة الجناز .
كان من المفترض ان ياتى الجثمان الى مصر و يصلى عليه قداسة البابا و لكن وصية الانبا ابراهام كانت توصى بان يدفن فى القدس و لهذا كان الداعى لسفر قداسة البابا تواضروس الثانى .