خرجت في جولتي اليوميه ، اتمشي قليلاً الي جوار بحيره تجاور بيتي و في العاشره اجلس علي مقعدي الخشبي ، حسب موعد لقاء مع صديق جديد ..
و لان اليوم من الايام الخريفيه المشمسه بعد ثلاثه ايام من المطر المتقطع ، فقد كنت متحمسه لهذه الجوله ، اتنفس بعمق ، اسمع اصوات الطير بتأني ، اراقب الشمس تلمع بأشعتها علي سطح بحيرتي و تترقرق علي بقايا المطر فوق اوراق الخريف الملونه ..
وحين قاربت العاشره توجهت الي مقعدي الخشبي ، ولكنه لم يكن خال كما اعتدته في هذا الموعد ، كان رجلاً يحتل احد طرفيه و يضع تليفونه بين يديه و يسند ظهره علي المقعد في راحه و استرخاء .. و قد تشابكت اصابعه لتشكل مسنداً لرأسه بينما وجهه للشمس و عينيه مغمضتان .. اظنه ايطاليا اباً عن جد ..
جلست بهدوء علي الجانب الاخر من المقعد ففتح
عينيه و نظر الي ملياً و ابتسم .. شعرته سيقول شيئا و لكنه صمت ..
انها العاشره .. فتحت شاشه التليفون ثم facebook .. و انتظرته و لم انتظر طويلا .. اسرع صديقي الجديد في الارسال ..
و لكني نسيت ان احكي عن صديقي الجديد ..
انا لا اعرفه .. لم اره من قبل .. ليس صديقاً حقيقياً كما اعتدنا .. و لكنه صديق virtual .. حتي صورته لا اعرفها فقط صوره ابنه الصغير .. و حتي صورتي لا يعرفها فأنا اضع تيوليبه صفراء علي واجهه face book .
ظروفه ، احواله .. لا اعرف عنه سوي عشقه للأدب و الموسيقي ..و لا يعرف عني سوي الشئ نفسه .. التقينا عند هذه النقطه و انتهينا عندها ..
شهور ونحن نتبادل الهوايه و نتشارك الاراء و لم نحاول و لا بدافع الفضول ان نتعدي حدود التحاور حول الادب و الموسيقي ..
ولسبب ما بدأ صديقي حواره اليوم بدايه مختلفه تماما ..
قال : اليوم رأيت امرأة قد اضع عمري كله تحدياً انها انتِ .. تجلس الي جواري .. تأملتها قليلاً ليتأكد بداخلي شعور لا اعرف له سبباً كم تشبهينها.. لذا فقد قررت ان اصفك كما اتخيلك فيها .. ما رأيك؟! .. ان اخطأت سأتوقف ..
وافقت علي الفور .. فبدأ ..
انت امرأه اربعينيه ( و هذا اعرفه مسبقاً) و لكن شعرك مجعد منطلق طويل .. ( المرأه بجواري تضحك ) .. و هي متدينه اذ تضع انجيلها في شنطه جلديه الي جوارها ( انت متدينه بالطبع ) .. ثم انك تضعين عطراً لا يناسب الصباح .. عطر ليلي ثقيل مثير .. ( المرأه الي جواري تركت هاتفها ووقفت تتأمل البحيره قليلاً ) اراك انت ايضا من عشاق المياه ..
اين ذهبت ؟؟ امازلت تقرأين ؟
اجبته : نعم .
فإسترسل : تبدو حالمة و واقعيه في ذات الوقت .. تبدو رقيقه و عنيفه .. انها تتنفس بعمق و تضحك بعمق .. تختفي تماما فيما تقرأ و كأنما لاوجود من حولها ..
انت لست طويله اليس كذلك ؟
اجبته : انا قصيره ..
فأكمل : لا اعلم ماجعلني اثق تمام الثقه انك لابد تشبهينها .. ربما لأنها اصرت علي سماع موسيقاها الي جواري و بصوت مرتفع .. استأذنت ان كنت لا امانع فتلك عادتها الصباحيه ” هكذا قالت ” .. فلم امانع ووجدتها تخرج من حقيبتها سماعه صغيره و تضعها علي مقعدنا الخشبي و من تليفونها انطلقت اغنيه لأم كلثوم .. دعتني بالانجليزيه لاستمتع باللحن وقوه الصوت .. ابتسامتها مصريه دافئه و محببه .
شعرت انك فقط( من بين من اعرف) من قد تفعل ذلك ..
هل مازلت تتابعين ؟
اجبته : اتابعك
فاستطرد .. من كان يتخيل صداقتنا كل هذه الشهور ،، نتحاور و نتلاقي في افكارنا و نتباعد و نتناحر علي facebook .. ولا يعرف احدنا الاخر .. لو عبرنا الي جوار بعضنا ما عرفتك ، ربما جلسنا ذات يوم متجاورين علي مقعد .. ربما التقينا في الطريق .. لن اعرفك او تعرفيني .. و لا اعرف ان كنت افضل ان احتفظ بك كما اتخيلك .. ام ألقاك و اعرفك كما هي حقيقتك .. ايهما اجمل ؟ ايهما ابقي ؟ السنا نعرف كل من حولنا معرفه كامله بعيوبهم و مميزاتهم .. فيطغي الواقع علينا و نفقد خيالنا الجميل نحو بعضنا ..
ساد صمت بيننا .. ترددت كثيرا في الاجابه .. آثرت الصمت ،
ثم سألته .. اين انت ؟
فأجاب .. انا في هولندا منذ الامس .. وسأغادر غداً..
قلت : جميله هولندا ..
فأجابني .. ليتك ترين ما اري من جمال الطبيعه ..
اجبته : ليتني .. يؤسفني ان علي ان اغادر الان.
فأجابني : ألقاك في الغد
قمت و رفعت حقيبتي الجلديه و بها انجيلي ، و اسكت الاغنيه و رفعت السماعه من علي المقعد ووضعتها في الحافظه و التفت الي جاري علي المقعد وقد نحي تليفونه جانباً .. ورفع يديه ليشبكهما خلف راسه ويستعد لإستكمال استرخاءه .. نظرت نحوه ثم ملأت عيناي منه ثم ذهبت .