“التنمية الاقتصادية أم الإصلاح السياسيى” معضلة يتحدث عنها المجتمع أفراداً ومفكرين ومثقفين وسياسين واقتصاديين … فى الفترة الحالية ، خاصة فى ظل الظروف التى مرت بها مصر على مدار السنوات الماضية ،إذ حدث نوع من التشبع السياسي نتيجة الجرعة العالية منها بعد 25 يناير ، وفى المقابل العمل على النهوض بالاقتصاد المصرى ، وبعد انتخاب رئيساً للبلاد متمثلاً فى الرئيس عبد الفتاح السيسى ، باتت لمصر أجندة اقتصادية واضح المعالم خاصة بعد انعقاد المؤتمر الاقتصادى العالمى فى مارس الماضى وإنجاز مشروع قناة السويس الجديدة بأقتدار كما شهد العالم بذلك لمصر ، والتخطيط لإنجار وتأسيس العديد من المشروعات القومية فى كثير من المجالات … لكن مع الإستعداد لإجراء الإستحقاق الثالث المتمثل فى الإنتخابات البرلمانية باتت مقولة ” التنمية الاقتصادية أم الإصلاح السياسيى” تترد من جديد .. لذلك عقد منتدى البحوث الاقتصادية حلقة نقاشية لمناقشة هذه المعضلة ضمن سلسة الحوار القومى حول “مصر المستقبل”
فى البداية تساءل الدكتور أحمد جلال وزير المالية السابق والمدير التنفيذى لمنتدى البحوث الاقتصادية قائلاً : هل نحن راضون عن الإنجاز السياسى والاقتصادى الذى تحقق على مدار الفترة السابقة ، وهل نريد الإستمرار فى ذلك المسار؟ ولأسباب أمنية هل نستمر فيما نحن عليه أم نبدأ التغيير ؟ وماذ يعنى كل من الإصلاح السياسى والإصلاح الاقتصادى ومن يبدأ قبل الآخر وما هو الإصلاح الذى تستحقه مصر؟ مشيراً إلى أن السياسة تقود الاقتصاد بمعنى أن السياسين ومن فى الحكم يصيغون السياسة الاقتصادية ، مشيراً إلى مقولة لـ”اقتصادى انجليزى” : إن الأفكار الجيدة والرديئة هى التى تحكم العالم، والبرجماتيين عادة “آسيرى الأفكار السيئة ” مؤكداً أن كله النوعين من الأفكار لها تأثير فى منتهى القوة وليس هناك شىء أهم من الأفكار . وفيما يتعلق بنتائج الثورات حول العالم يرى د. جلال أن معدل إتيان أى من ثوارات العالم لا يتحقق قبل مرور 12 سنة على أقل تقدير ، مؤكداً ن كل ما يحدث الآن هو جزء من عملية البناء فى مصر .
الظروف التى عاشتها مصر
ويرى الدكتورعمرو الشوبكى الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية إلى بعض الإنجازات الاقتصادية التى تحققت فى ظل الظروف التى عاشتها مصر فى الفترة الماضية ، ومنها إنجاز مشروع قناة السويس الجديدة بعد وقتاً كان يعانى فيه المجتمع من تباعات 25 يناير، حيث حدث نوع من التشبع السياسي نتيجة الجرعة العالية والتى تحولت فيها السياسة إلى إتهامات وثرثرة ، مؤكداً أن المستقبل يحتاح إلى نوع من التوازن ، خاصة إذ كنا ننشد التنمية الاقتصادية فلأبد أن تسير بالتوازى معها التنمية السياسية التى تستوعب التوجهات الحزبية المختلفة ، منوهاً أن الحديث بشأن تأجيل التنمية السياسية فى الوقت الراهن والتركيز فقط على التنمية الاقتصادية خطأ ، لأنه لأبد وأن تكتمل مؤسسات الدولة للتعبيرعن احتياجات المواطنين .
وفيما يتعلق بالدستور أوضح ” الشوبكى ” أن هناك أمور لم تتسم بالجدية بالنسبة لمؤيدى تغيير بعض مواد الدستورمنها ما يُثار بشأن حق مجلس الشعب القادم إقالة رئيس الجمهورية هو كلام غير حقيقى ، فى حين أن رئيس الجمهورية إذا قرر حل البرلمان من خلال انتخابات وجاء التصويت بالرفض فإن ذلك لا يجبر الرئيس على الإستقالة .. رافضاً رأى مُدعى ” تفصيل مواد الدستور” ومنها ما يتعلق بالمؤسسة العسكرية ، وأضاف : هناك مادة واحدة تختص بحصانة وزير الدفاع، ومادة خاصة بالمحاكمات العسكرية اقتصرت على من يعتدى على أى منشآة عسكرية، مشيراً إلى حالة التخوف الشديد التى أنتابت مؤسسات الدولة نتيجة مرارة حكم الإخوان ، فمثلاً مؤسسة القضاء كان لديها تخوفاً من مشروع قانون شرع أنصارالإخوان لإعداده حتى يقصوا 4 آلاف قاض عن الخدمة ليحل محلهم أخرين منتمين لجماعتهم .
اتخاذ قرارات اقتصادية مهمة
وبدأ الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء الأسبق بتساؤلاً فقال: هل يمكن إرجاء الإصلاح السياسي لتحقيق إصلاح اقتصادى ؟ رغم أن هناك جمهور لا يُمكن التقليل من شأنه يتبنى وجهة النظرهذه ، مؤكداً أن القرار الاقتصادى هو قرار سياسى بطبيعته ، ومنها مسألة استخدام موارد الدولة مثلاً ، وقال : نحن الآن نحتاج مناخاً سياسياً سليماً لأسباب أولها أن المشاركة تجعل القرار الاقتصادي أكثر كفاءة، لأنه يتم النظر إليه من كل الإتجاهات، والمشاركة السياسية تجعل القرار الاقتصادي أكثرعدالة وأقل فساداً وكل ذلك يجعله يحظى بفرصة كبيرة للطبيق … فإصلاح السياسة الاقتصادية ليست ورقة بحثية ، ويجب على مُتخذى القرار الاقتصادى أن يكونوا على علم بما يحدث سياسياً على مستوى المجتمع . فمثلاً الضريبة العقارية التى لا تؤثر على محدودى الدخل تم إلغاء العمل بها فى عهد مبارك بسبب غياب المشاركة السياسية بإدعاء أن الضريبة تؤثر على الفقراء . منوهاً أن مصر مُقبلة على اتخاذ قرارات اقتصادية مهمة ومن الضرورى أن يكون هناك مشاركة شعبية مُمثلة فى البرلمان لتقبل هذه القرارات . وأضاف : مَن عَمل فى الجهاز التنفيذى للدولة يعلم جيداً أن المعضلة فى تنفيذ القرارات والقوانين ، وبالتالى فقد يكون هناك بعض المقاومة لبعض القرارات لعدم الإقتناع ، والمشاركة تسهل تقبل الناس للقرارات ، فمنذ سنوات والمجتمع يتقبل فكرة معالجة دعم الطاقة، لأنه لا يذهب إلى مستحقيه، غير أن تنفيذ ذلك لم يتم إلا مؤخراً ، كما أن المشاركة تعطى الفرصة الأكبر لتصحيح الخطأ فى القرار إن وجد ، فلا يكاد يكون هناك شخصاً واحداً لم يتحفظ على قانون الاستثمار الجديد قبل وبعد صدوره ، ومع ذلك لم يتم تصحيح الوضع رغم وجود عيوب بالقانون تفتح أبواباً واسعة للفساد خاصة فيما يتعلق بأراضى الدولة .. ويرى أن من يقول بأن الخطاب السياسي يعوق النمو أنه كلام مكاتب مكيفة لا صحة له بالواقع ، مؤكدًا أن المشاركة هي إختيار عملي واقعي، وإلا سيظل المجتمع يحقق نتائج متواضعة .
حملة تغيير مواد الدستور ضعيفة
وقال عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين لإعداد وكتابة الدستور والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية : فى البداية أنا ليست متخوفاً من البرلمان المقبل ، لو أرادنا الخروج من هذا النقاش حول التنمية الاقتصادية والإصلاح السياسى بفائدة كبيرة ، إذاً فمطلوب مشروع شامل لإصلاح الحكم والإدارة ، لأن موضوع الإدارة لا يقل عن الموضوع السياسى أو الاقتصادى ، وهنا فلأبد من مشاركة المجتمع لإبداء رأيه ، والمجتمع أو الشعب هو البرلمان ، وبالتالى فيكف نؤكد فاعلية البرلمان القادم ؟ إذاً من الأفضل استكمال الإطار السياسى حتى يتولى البرلمان التعبير عن الشعب وأعمال الرقابة والتشريع الذى نص عليه الدستور، كما أنه تضمن نصوصاً واضحة لتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الإجتماعية معاً ومنها أستهداف نسب إنفاق عام فى الموازنة العامة للدولة على بعض القطاعات مثل الصحة والتعليم ، مؤكداً أن “البرلمان” و”الدستور” معاً هم الضمانة الوحيدة لتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية .
واستطرد “موسى” قائلاً : فاللجنة الاقتصادية بالبرلمان القادم لأبد أن تكون ليها الخبرات الاقتصادية المختلفة كالدكتور أحمد جلال مثلاً ، وكذلك اللجنة السياسية .. مؤكداً أن موضع التجربة أنتهى ، وأن مصر لم يُجرب فيها مرة ثانية والعودة إلى تجارب مضت عليها 50 أو 60 عاما ستكون هزيمة للمجتمع ، ونحن أصبحنا نسير فى أجواء الدول الناجحة ، حيث أن النهوض والنمو أصبح لا يُقتصر على الدول المتقدمة الكبرى فقط وباتت دول كالهند والبرازيل ، كذلك ماليزيا وتركيا واندونسيا .. لا تتحدث عن تجارب وإتما مسيرة عاى أرض الواقع نحو التقدم ، وقال: فالنجاح أصبح ليس خياراً وإنما مسئولية المؤسسات التى ستكتمل بإنتخاب برلمان جديد للبلاد ، مؤكداً أن محور العدالة الإجتماعية والتنمية الاقتصادية تم التركيز عليهم فى مواد الدستور ، مشيراً إلى النقاش الكبير الذى تم أثناء إعداد الدستور من قبل الدكتور محمد غنيم والدكتورة عبلة عبد اللطيف بخصوص هذين المحورين .. كما يرى أن المرحلة الراهنة تعد من أنسب المراحل لإنتخاب برلمان جديد للبلاد ، وأن هناك 3 موضوعات ذات أهمية كبيرة ، ففى القرن العشرين كانت التحديات تكمن فى مواجهة الفقر والتخلف ، والآن أصبح الفقر هو العدو الرئيسى ، وأصبحت طرق علاجه تختلف عن الأساليب التى استخدمت من قبل ، وهذا يُعد مدخلاً جديداً لمفهوم العدالة الإجتماعية ، وبالتالى فالقرن الـواحد والعشرين بات مختلف فى أساليب معالجة مشاكلة، مشيراً إلى الكتابات الأمريكية التى تتحدث عن نهاية التاريخ ، حيث فرص الطبقات الفقيرة فى الإرتقاء نتيجة إقتناص مُعطيات العولمة .
وفيما يتعلق بالحملة الحالية المُثارة لتغيير مواد الدستور أوضح عمرو موسى أنها ضعيفة وتشوبها مناقشات لن تؤدى إلى شىء غير إضاعة الوقت والمجهود ، منوهاً أن التعديل يمكن أن يحدث فى العديد من الدول لكن بإسلوب يشوبه الرصانة ، وليس بالصورة التى يتم الحديث بها فى الفضائيات ، والتى من شأنها أن تُدخلنا فى صراعات . كما يرى أننا تواجهنا العديد من التحديات المتمثلة فى الإرهاب و الإهمال والفساد والنفاق الذى يقع حائلاً ضد حُسن تقدير الأمور، وقد يدفع البسطاء فى إتجاه غيرصحيح . مشيراً إلى أن عملية التنمية السياسية سوف تبدأ من البرلمان ، حيث تتبلور العديد من الرؤى عند إتخاذ قرارات التصويت الشائكة ، ومن هنا سوف عملية تشكيل التيارات السياسية الحقيقية بالممارسة الحزبية والبرلمانية معاً ، وهما المكونان الرئيسيان للتطور السياسى فى إطارالدستور. مؤكداً أن الخبرات والمناقشات تحت القبة هى التى ستحدد الكثير القضايا الشائكة مثل الدعم ، حيث يتحدد هل هو ضرورة اقتصادية أم لا .. وهنا يجب ألا نخاف من المناقشات داخل البرلمان ، منوهاً أن سوء إدارة الحكم عملية تراكمية بدأت منذ الملك فاروق ، ولأبد أن تبدأ من إصلاح التعليم ، مؤكداً أننا مازلنا فى عمق الزجاجة ولأبد من الخروج منها.
غير راضين عن الإصلاح الاقتصادى
وأكدت الدكتورة عبلة عبداللطيف رئيسة المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية التابع للرئاسة الجمهورية أن الحديث حول تغيير مواد الدستور تشير إلى وجود فهم خاطئى حول تلك المواد ومنها مفهوم النظام شبه الرئاسى ، مما يؤكد أهمية شرح العديد من هذه النقاط وربطها بالمرحلة الحالية ، مؤكدة أن كفاءة اتخاذ القرار الاقتصادى لا تحدث على أرض الواقع بدون مشاركة سياسية ، وأضافت :نحن مازلنا غير راضين عن الإصلاح الاقتصادى الذى تحقق لكننا نطمح إلى المزيد من الإنجازات على المستوى القومى من خلال جهداً حقيقياً يُبذل فى الطريق الصحيح، لكن توجد استراتيجية قومية للتنمية الشاملة للمصر تهدف لأن نكون صمن أفضل 30 دولة فى العالم بحلول عام 2030 ، واستطردت : لقد أصبحنا نعرف المشاكل ونقوم بوضع الحلول الجزرية لها ،ولا ننتظر ردود الأفعال كما كان يحدث فى الماضي ، منوهة أن التغيرات الاقتصادية الدولية من حولنا لها لا يُستهان به على الاقتصاد المصري، وليس نحن فقط بل على دول أخرى كدول القارة الأوربية التى تشهد موجة من هروب رؤس الأموال منها وهذه الدول هى من المفترض أننا نحاول جذب المزيد من استثماراتها إلى مصر، كذلك الصين وغيرها من الدول .
دعم القرار السياسى والاقتصادى
وقالت الدكتورة سلوى العنترى الخبيرة المصرفية ورئيسة قطاع البحوث الاقتصادية بالبنك الأهلى المصرى سابقاً : لا فصل فى السياسة عن الاقتصاد ، ولا يمكن حدوث عدالة اجتماعية دون إصلاح سياسى ، والاقتصاد هو الإنتاج وتوزيع الثروة الذى يرتبط بهذه العدالة ، و هناك شرطان يتمثلان فى حماية المنافسة ومنع الممارسات الإحتكارية الضارة لتحقيق الإصلاح المنشود . حيث أن الإحتكار يحول دون حدوث تنمية اقتصادية للحجبه فرص دخول السوق فى بعض الحالات كالصناعات الصغيرة والمتوسطة ، من ناحية أخرى أخرى أوضحت أن الدستور الحالى يرسخ لدولة مدنية حديثة يتم فيه تداول السلطة مع وضع العديد من الحقوق الإجتماعية والاقتصادية التى توافقت عليها البشرية ، وبالتالى فهذه ضمانات والتزامات كعقد بيننا وبين الحكومة بغض النظر عن التوجه السياسى .
من جانبها ترى الدكتور مشيرة خطاب وزيرة الأسرة والسكان السابقة أن التنمية الثقافية للرأى العام والعمل على تحقيق الإصلاح الإدارى فى الدولة هما الأهم حيث أنهما أكبر داعم عند أتخاذ القرار السياسى والاقتصادى السليم ، مؤكدة على أهمية التنبه لما يتم طرحه من أفكار مغلوطة تجاة مصر فى كثير من الأحيان ، وأضافت : هناك دراسة أصدرها مركز” كارينجى” تتحدث عن قمع الدولة فى مصر للحركة العُمالية ، وهذا كلام غير صحيح إطلاقاً .. من ناحية أخرى أشارت د.مشيرة إلى أن الدستور المصرى وضع قيم عامة وهامة لا تخلوا منها أى من دساتير العالم ، لكن العبرة تكون بالتطبيق وإصدار القوانين والتشريعات التفصيلية ، منوهة أن المجتمع مازال ينتظر ترسانة ضخمة من تلك القوانين والتشريعات .