بعض الشخاص ينظرون إلى سن المعاش نظرة تشاؤمية سلبية مرضية، ويعتبرونها نهاية العمر وبداية الأوجاع والامراض، ويبحثون قبل بلوغها عن المقهى التى سيذهبون اليها يوميا يوقعون بالحضور والانصراف، يلعبون النرد ويشربون الشاى والقهوة، ويتحدثون فى كلام فارغ غير مفيد، انها قهوة المعاشات التى انصحك ان تبتعد عنها ولا تذهب اليها فهى تقصف العمر لان الذين يذهبون اليها هم جماعة المحبطين والسلبيين غير الاسوياء، لا يفكرون.
الواقع ان سن المعاش او السن القانونية، هى مرحلة من العمر لا تقل اهميتها عن المراحل السابقة، ونحن نعرف الان ان متوسط الاعمار قد ارتفع، واصبح من الطبيعى ان يعيش الانسان ثمانين وتسعين ومائة سنة واكثر، معنى ذلك انك بعد ان تصل إلى الستين يمكن ان يمتد بك العمر الى التسعين والمائة. اليست هذه مرحلة كبيرة كالمرحلة الاولى من حياتك تحتاج إلى تنظيم وترتيب لكى تعيشها وتتمتع بها؟ وربما تنجز فيها وتحقق مالم تحققه من قبل، ان شعوب الدول المتقدمة تقول:
الحياة تبدأ بعد الستين..
وهذا كلام صحيح مفيد، انت بعد سن الستين، وفى مرحلة المعاش الجميلة تستطيع ان تفعل الكثير، تخدم نفسك والاسرة والمجتمع وتقدم الكثير دون جهد او معاناة.
الانسان الذكى السوى الشخصية يستعد لمرحلة المعاش هذه منذ شبابه، مطبقا المثل الذى يقول: ادخر من شبابك لشيخوختك. فلا يفرط فى الطعام، ويلعب الرياضة ليحافظ على جسده، ويكتسب بعض العادات المفيدة له فى شبابه وشيخوخته مثل، عادة القراءة وحب الكتب، وهواية الاسفار فى الداخل والخارج، وتنسيق الزهور، او تربية الطيور، او عمل ديكور المنزل او تتعلم العزف على آلة موسيقية. كل هذه الهوايات والعادات تفيد الانسان فى مرحلة المعاش السعيدة البهيجة، وهى مرحلة جميلة يستطيع الانسان ان يتمتع بها اكثر من كل مراحل حياته السابقة، فهو متفرغ ليس عنده التزام بالعمل اليومى الا ما يراه ويريد ان يعمله. مفكرنا الكبير سلامة موسى الذى عاش بين السنوات 1887 الى 1958 كان يتذوق الحياة ويعرف ان مرحلة المعاش هى اجمل مراحل حياته ولذلك عندما وصل الى سن الستين وضع جدولا ونظاما للعشر سنوات القادمة حتى السبعين :ماذا سوف يقرأ في السنوات القادمة ؟ وماهي الكتب التي سوف يؤلفها خلال نفس المدة ؟ وماهي الاسفار والدول التي يريد ان يزورها ، وغير ذلك .وقد استطاع فعلا ان يعيش العشر سنوات ويطبق الجدول الذى وضعه لنفسه.
مرحلة المعاش من اجمل مراحل العمر لو ان صاحبها عرف كيف يعيشها ويستخدم خبرته وتجاربه وتأملاته، فهى فرصة لكى يجلس مع افراد اسرته، ومع اصدقائه، ومع احفاده الذين يشعروه: بجمال الدنيا وبراءتها، يلعب معهم، يطعمهم، يخرج معهم الى الحدائق والاماكن الجميلة كشواطئ البحر يحكى لهم حكايات وتجارب فى حياته تتفق مع سنهم، يتعلم منهم ايضا، لان الانسان يتعلم طوال حياته، واحيانا نتعلم من احفادنا الكثير، لان جيلهم يختلف عن اجيالنا، واحفادنا هذه الايام يتعاملون ويتفاعلون ويحبون الانترنت، ومع معظمهم ال( أى باد) وهم يستخدمونه ببراعة اكثر منا، ولاعيب ان نتعلم منهم.
السادة او اساتذتنا اصحاب المعاشات هم حقيقةحكماء الدولة، فمنهم كان الطبيب والضابط والمهندس والزارع والعامل والموظف والجندى، وقد وصلوا الى هذه السن الجميلة بخبرات عظيمة وتجارب كثيرة لابد ان نسمعها منهم ونستفيد بها فى حياتنا، وهم قوى هائلة فى المجتمع يجب ان توضع فى مكانها وتخدم المجتمع بقدر طافاتها وقدرتها.
لا ينقص انسان المعاش الا التفاؤل وحب الحياة والاقبال عليها والايمان بانه ما زال فى العمر بقية، وهذه البقية من السنوات ربما تطور فلماذا لا نتمتع بها ونستفيد منها ونفيد بلدنا وشعبنا؟ ان توماس اديسونTHOMASEDSON الذى قدم للعالم 1093اختراعا، اشهرها المصباح الكهربى، احترق معمله وكل ابحاثه وهو فى السابعة والستين من عمره، وامام هذه المصيبة ابتسم اديسون وقال:
اننى استطيع ان ابدأ من جديد مستفيدا من اخطائى السابقة.
واستكمل مشواره العلمى بالامل وحقق الكثير.
اساتذتنا اصحاب المعاشات لقد بلغتم من العمر اجمله، فتممتوا بحياتكم، فالحياة جميلة، وقد خلقنا الله لنتمتع بها، لا نعاينها، ولا تضيعوا اوقاتكم هدرا بل اشغلوها بكل ما يفيد، وتذكروا نصيحتى لكم.. اياك وقهوة المعاشات.