اعترفت الشركة الألمانية العملاقة لصناعة السيارات “فولكس فاجن” بأنها تحايلت على اختبارات انبعاثات عوادم سياراتها التي تعمل بوقود الديزل بعد فضيحة الانبعاثات التي ضربت الشركة في ألمانيا، ويحذر محللون من أن الأزمة قد تصبح أكبر تهديد لأكبر اقتصاد في أوروبا. ووفقا لوكالة حماية البيئة الأمريكية ، بيعت بعض السيارات في الولايات المتحدة بعد تزويدها بأجهزة تمكن المحركات من معرفة أوقات اختبار الانبعاثات، مما يجعلها تحسن من أداءها وقت الاختبار من أجل تحسين الأداء لاجتيازه ،وكانت “فولكس فاجن” مندفعة في اتجاه زيادة مبيعاتها من سيارات الديزل في الولايات المتحدة في إطار حملة تسويق حملت شعار “انبعاثات أقل”. وكشفت وكالة حماية البيئة عن أن 482 ألف سيارة زودت بتلك الأداة التي تخدع أجهزة قياس الانبعاثات في الولايات المتحدة وحدها، من بينها سيارات “أودي A3” التي تصنعها فولكس فاجن، طرازات “جيتا، وبيتل، وجولف، وباسات”.
وقالت أن الشركة اعترفت بوجود حوالي 11 مليون سيارة تحتوي على أجهزة الخداع في جميع أنحاء العالم، أو ما يُعرف بـ”جهاز خداع اختبارات الانبعاثات” أو “defeat device”.
رغم تأكيد وكالة حماية البيئة أن السيارات المزودة بهذاالجهاز مدعومة ببرمجيات إليكترونية تساعد المحرك على الإحساس بسيناريو اختبار الانبعاثات من خلال رصد السرعة، ووضعية تشغيل المحرك، وضغط الهواء، وحتى وضعية عجلة القيادة ،وعندما تعمل السيارة في ظروف معملية مُراقَبة، والتي تتضمن وضع السيارة على منصة اختبارات الانبعاثات في وضع الثبات، تضع أجهزة الخداع السيارة في وضع يشبه وضع “الأمان” في الكمبيوتر ليبدأ المحرك في العمل بمستوى أقل من مستوى القوة العادية له ويظهر أداء أضعف من الطبيعي ، وهنا تكون النتيجة الطبيعية أن يصدر المحرك انبعاثات نيتروجين أقل، ولكن ما أن تنطلق السيارة على الطريق، ترتفع نسبة الانبعاثات مرة أخرى ، مؤكدة إن قواعد الانبعاثات تخترق في أوروبا، من أبرزهم جوز دينغر، من جماعة ضغط تُدعى “النقل والبيئة” إن “سيارات الديزل في أوروبا تُشغل بتكنولوجيا أسوأ بكثير مما هي عليه في الولايات المتحدة ،بالتأكيد، سوف تكون هناك ضربة جديدة يتوقع أن يتعرض لها سوق سيارات الديزل. فعلى مدار العشر سنوات الماضية، ضخت شركات السيارات استثمارات هائلة في تلك الفئة من السيارات علاوة على تلقيها دعما من قبل حكومات عدة، اعتقادا منها أنها أفضل للبيئة.
وقالت الوكالة إن الشركة قد تواجه غرامات تصل قيمتها إلى 18 مليار دولار، وهو أكثر من كل أرباحها التشغيلية للعام الماضي.
ورغم أن هذه الغرامات أقل من السيولة النقدية الحالية لدى “فولكس فاجن” والتي تبلغ 21 مليار يورو (24 مليار دولار)، إلا أن الفضيحة أثارت مخاوف من تخفيضات كبيرة في الوظائف. وتخشى الحكومة الألمانية من أن شركات أخرى لصناعة السيارات كـ “بي إم دبليو” قد تتضرر من تداعيات فضيحة “فولكس فاجن”، لكن محللين يرون أن التأثيرات ستكون محدودة.
وأشارت الحكومة الألمانية إلى أن صناعة السيارات ستبقى ركيزة مهمة للاقتصاد على الرغم من الأزمة الحالية التي تحيط “فولكس فاجن”، لكن يحذر محللون من أن هذا الاعتماد قد يصبح تهديدا للاقتصاد الألماني الذي من المتوقع أن ينمو بنسبة 1,8% في هذا العام.
وبلغ عدد العاملين بقطاع السيارات الألماني في العام الماضي 775 ألف شخص ما يعادل 2% من إجمالي قوة العمل، بالإضافة إلى أن السيارات هي أكثر الصادرات الألمانية نجاحا حيث شكلت حوالي خمس إجمالي الصادرات الألمانية.
ويقول المدير التفيذي للشركة مارتن فينتركورن إن “الشركة فقدت ثقة عملائها وثقة الرأي العام، وبدأنا بالفعل تحقيقا داخليا ،يبدو أن وضع الشركة أصبح حرجا عقب ظهور تلك الأزمة على السطح.
ويقول رئيس الشركة في الولايات المتحدة مايكل هورن: “لقد أخطانا خطأ فادحا” وأنه لن تتوقف خسائر فولكس فاجن عند تكلفة سحب 500 ألف سيارة من الولايات المتحدة، وهي التكلفة التي تقدر بـ 6,5 مليار يورو، بل يمتد الأثر المالي على الشركة إلى غرامة مالية يحق لوكالة حماية البيئة فرضها على الشركة.
ودفع الرئيس التنفيذي لـ “فولكس فاجن” مارتن فينتركورن ثمن فضيحة الغش في اختبارات الانبعاثات لسياراتها التي تعمل بالديزل في الولايات المتحدة عندما استقال ، هذا ويعكف خبراء اقتصاديون على تقييم تأثيرها على الاقتصاد الألماني.
ومن الممكن أن يتعرض عملاق السيارات الألماني للمزيد من الخسائر حال لجوء العملاء وحاملي أسهم الشركة إلى القضاء للحصول على تعويضات، علاوة على تكهنات تشير إلى إجراء وزارة العدل تحقيقا جنائيا في تلك الأزمة ،ظهرت تلك المشكلات في بداية الأمر في الولايات المتحدة، لكنها امتدت إلى دول أخرى تضمنت بريطانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وكوريا الجنوبية، وكندا، وبالطبع ألمانيا، وهي الدول التي فتحت بالفعل تحقيقا في تلك المسألة.
وقال مايكل سابين، وزير المالية الفرنسي إن “هناك ضرورة لإجراء تحقيق في جميع أنحاء أوروبا لطمأنة العملاء”،وبلغ عدد السيارات التي استخدمت فيها أداءة التضليل حوالي 11 مليون سيارة وفقا للشركة، من بينها 2,8 مليون سيارة في ألمانيا نفسها.
حيث استقال مارتن فنتركورن، الرئيس التنفيذي لفولكس فاجن رغم نفيه وقوع الشركة في خطأ فادح. لكن من المؤكد أن الشركة لديها تنظيما هرميا من المديرين صدق على تزويد السيارات بأداة تضليل اختبارات الانبعاثات، وهو ما يشير إلى أن المؤسسة العملاقة سوف تشهد المزيد من الاستقالات في المستقبل القريب ،فعلى سبيل المثال، يستعد كريستيان كلينجر، عضو مجلس الإدارة ورئيس قسم المبيعات التسويق لدى فولكس فاغن للرحيل عن منصبه ،رغم ذلك، تؤكد الشركة على أن رحيله يرجع إلى تغييرات هيكلية وفقا لمخطط طويل المدى، وليس له علاقة بالأزمة الحالية وهناك عدد من التحقيقات تجريها جهات تنظيمية وحكومية منوط بها تحديد ما إذا كانت شركات أخرى سيطالها الشك فيما يتعلق بنتائج اختبارات الانبعاثات. وقالت شركات فورد، وبي إم دبليو، ورينو- نيسان إنها لا تستخدم “جهاز خداع اختبارات الانبعاثات” أو “defeat device”، فيما لم تصدر شركات أخرى أي استجابة أو رد فعل للأزمة، وأخرى قالت إنها تلتزم بالقوانين.
وقالت جمعية صانعي وتجار السيارات في بريطانيا إن “الاتحاد الأوروبي يستخدم نظاما مختلفا تماما في اختبار السيارات المقرر بيعها في الولايات المتحدة مع إجراء الاختبارات الأوروبية للانبعاثات وفقا لشروط صارمة تفي بمتطلبات القانون الأوروبي وتحت إشراف وكالة حكومية مستقلة مكلفة بالتصديق على النتائج ،لكنها أضافت أن “اختبارات الانبعاثات المطبقة حاليا قديمة، وهناك مساع تستهدف التوصل إلى اتفاقية من قبل المفوضية الأوروبية من أجل استحداث طريقة جديدة لتلك الاختبارات تتضمن تكنولوجيا جديدة لتلك الاختبارات وتختبر السيارة في وضعية السير على الطرق.”
وكانت مبيعات سيارات الديزل قد بدأت في التدهور بالفعل حتى قبل أزمة فولكس فاجن. وأضاف أن “تقاريرنا الحديثة توضح أن 90 %من سيارات الديزل تكون غير مطابقة للمواصفات المطلوبة من حيث مستوى الانبعاثات عند انطلاقها على الطرق. ونتحدث هنا عن ملايين المركبات.”
يقول ريتشارد جاين، الخبير الاستشاري في السيارات لدى شركة فينديجيتال إن “الكشف عن فضيحة فولكس فاغن من الممكن أن يؤدي إلى تراجع حاد في الطلب على سيارات الديزل”. وأضاف أنه “في الولايات المتحدة، تمثل سيارات الديزل 1 في المئة فقط من مبيعات السيارات الجديدة، وهو ما يجعل الزيادة في تلك المبيعات أمرا غير متوقع المدى المتوسط،وأكد أنه رغم ذلك، من الممكن أن تشهد مبيعات سيارات الديزل في أوروبا أثرا سلبيا مضاعفا لتلك الفضحة، مما يؤدي إلى تحول قطاع كبير من مستخدمي السيارة إلى استخدام سيارات البنزين.
يذكر أن شركة “فولكس فاجن” تعد أكبر شركة لصناعة السيارات في ألمانيا وأحد أكبر أرباب العمل في البلاد حيث توظف 270 ألف شخص، إضافة إلى عدد أكبر يعملون لدى الموردين. وبينما تحدى
الاقتصاد الألماني أزمة ديون اليونان وتباطؤ الاقتصاد الصيني، إلا أنه يواجه حاليا أكبر عامل خطر للتراجع في فترة طويلة من إحدى شركاته، وباعت “فولكس فاجن” حوالي 600 ألف سيارة في الولايات المتحدة العام الماضي ما يعادل نحو 6% من إجمالي مبيعاتها العالمية البالغة 9,5 مليون سيارة.