بمناسبة بداية العام الدراسى الجديد والذى لن يختلف عن الأعوام السابقة، تستعد البيوت المصرية لمعركة يومية مع المدارس والأبناء والدروس الخصوصية والواجبات المدرسية والامتحانات الدوررية. وعندما نقول البيوت المصرية، فإن المعنى بالأساس هن الأمهات، فقد بات من المعروف أن تحمل الأعباء اللوجستية للتعليم مهمة نسائية بامتياز. فهن من يحرصن على متابعة الحالة التعليمية لأبنائهن وبناتهن فى أدق تفاصيلها فى محاولة منهن لسد الفراغ الناجم عن غياب دور المدرسة، وترقيع الاهتراء التاريخى فى النظام التعليمى. وعلى الرغم من الدور المحورى للأمهات فى العملية التعليمية إلا أنه لا يحظ بالاهتمام الكافى سواء من قبل الباحثين أو المهتمين بإصلاح نظم التعليم فى مصر. فالعناوين المتعلقة بالتعليم والنساء تركز بالأساس على مسألة الأمية أو معدلات إلتحاق الفتيات بالتعليم.
وفى هذا السياق، يمكن القول أن علاقة الأمهات بالتعليم قد تكون مسألة متعددة الأبعاد فيها الإيجابى وفيها السلبى. فلا شك أن حرص الأمهات على مستقبل أبنائهن وبناتهن هو ما يدفعهنإلى لعب دور استثنائى من أجل الحفاظ على مسار تعليمى يبدو وكأنه آيل للسقوط. والمدهش أنه العملية التعليمية بنواقصها تدفع باتجاه خلق نوع من التضامن النسائى بين الأمهات يظهر مع بداية العام الدراسى، ويتعزز فى أوقات الامتحانات. فإذا كانت الأمهات تعمل، فى الغالب، منفردات لمساعدة الأبناء داخل المنزل لأداء الواجبات المدرسية وتوصيل الصغار إلى المدارس، إلا أنهن، من ناحية أخرى، غالبا ما يشكلن شبكات فيما بينهن لتبادل الأخبار والمعلومات المتعلقة بالمناهج وما يطرأ عليها من تغيير، وتبادل نماذج الامتحانات، وأسماء المدرسين الخصوصيين وتقييم أدائهم إلخ. وفى كثير من الأحيان تتجمع الأمهات أمام بوابات المدارس فيما يشبه المنتديات الصغيرة والتى يتجاوز الحديث فيها تفاصيل التعليم إلى شئون الحياة بشكل عام.
وبالمقابل فإن النساء فى سعيهن لتعويض هذا النقص والدفاع بشراسة عن مستقبل أبنائهن وبناتهن، يعملن، بشكل ضمنى، على تعزيز استمرار جوانب سلبية فى مجال التعليم. إن اهتراء النظام التعليمى يشيع نوع من الخوف، مما يجعل النساء يحاولن الحفاظ على ماهو قائم خشية الأسوأ. ولنأخذ الدروس الخصوصية كمثال، فالأمهات فاعل رئيسى فى استمرار هذه الظاهرةالسلبية، ليس بسبب الرغبة فيها، وإنما بسبب الخوف من فراغ تعليمى، وبالتالى تسهم النساء فى إعفاء كل من الدولة والأبناء من المسئولية. وعلى ما يبدو أن الخوف النسائى من حدوث انهيارات فى النظام وهو ما يدفعهن دائما إلى الإبقاء على الوضع كما هو، والأمر لا يتعلق فقط بالتعليم أو السياسات فقط، فالنساء، كما هو معروف، يلعبن دور رئيسى فى الحفاظ على ما يتعارض مع مصالحهن فى بنية السلطة وما يرتبط بها من عادات وتقاليد. ومع ذلك، ففى مجال التعليم بالذات لا يمكن أن نبخس الأمهات حقهن، فهن يلمسن جذور المشكلة، ولكن لا أحد يسمع أصواتهن.
وإحقاقا للحق، فعلى الرغم من أن تضامن الأمهات يتم من خلال شبكات غير رسمية وغير معلنة، إلا أنه تعبير حقيقى عما يمكن أن نطلق عليه “مجتمع مدنى نسائى” يعوض النقص فى سياسات وخدمات التعليم والتى هى مسئولية دولة تعانى من غيبوبة حضارية. وبما أن جهود النساء غير معترف بها فى أغلب الأحيان، فإن معظم الأشكال التضامنية التى تشكلها النساء تظل هامشيةرغم أنها فعالة على مستوى الواقع. ويكفى المقارنة بين هذه التشكيلات غير الرسمية وغير المعلنةومجالس الآباء فى المدارس والتى ليست إلا كيانات وهمية، وعليه فقد يكون من الأجدى الاعتراف بمجالس الأمهات الموجودة فعليا عند أبواب أغلب المدارس عوضا عن مجالس الآباء الموجودة، إن وجدت، على الورق.