” وإنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذى يعطى الجميع بسخاء ولا يعير، فسيعطى له”( يع1: 5).
يظن البعض إن الحكمة كلمة تخص الشيوخ.. قد يكون هذا صحيحاً على حكمة الأيام، أما الحكمة النازلة من فوق ” فهى أولاً طاهرة، ثم مسالمة/ مترفقة، مدعنة، مملؤة رحمة وأثماراً صالحة، عديمة الريب والرياء”( يع3: 17) فهى لا تعرف السن ولا العلم.. فسليمان الحكيم صار أحكم الكل فى زمنه وكان شاباً صغيراً لأنه طلبها بإتضاع فوجدها.. لهذا كتب قائلاً” لأن مد يجدنى يجد الحياة وينال رضى من الرب”( أم8: 35).
وهناك نوع من الحكمة أقرب للمكر والدهاء والخبث.. يقول عنه يعقوب الرسول” ليست هذه الحكمة نازلة من فوق، بل هى أرضية نفسانية شيطانية”( يع3: 15)، قد تنجح الإنسان على الأرض زمناً.. ولكنها تلقى به للهلاك أخيراً كحكمة أخيتوفل
(2صم16- 17).
وبدون الحكمة الحقيقية يضل الإنسان ويتعثر.. قد يفقد هدفه فيهلك.. وقد ينعثر فى قراراته فيدفع ثمناً غالياً.. وقد يدخل طرق فاسدة قيضل ويضل كثيرين.
والأن كيف تجعل إبنك حكيماً؟
أولاً.. علم إبنك قبول التأديب
” الأبن الحكيم يقبل تأديب أبيه والمستهزئ لا يسمع انتهاراً”( أم13: 1).
يظن بعض الآباء – اليوم- أن التأديب لم يعد له مكان فى التربية..ويتصورون إن الحرية الجديدة هى أن تعطى لإبنك كل ما يحتاجه وتتركه يفعل ما يشاء.
هذا الكلام تسبب فى ضياع ملايين الشباب فى الإنحراف والإمان والسرقة وكثير منهم إعترف إنهم لم يجدوا من يؤدبهم بحب ويضع لهم الحدود.
الحكمة تحتاج إلى تأديب.. هكذا يصنع بنا الله فى تربيتنا، فهو يصنع لنا الوصايا والحدود ويترك لنا الحرية ولكن لا يحرمنا من التأديب ” ولكن إن كنتم بلا تأديب، قد صار الجميع شركاء فيه، فأنتم نعول لا بنون”( عب12: 8)، ” إنى كل من أحبه أوبخه وأؤدبه. فكن غيوراً وتب”( رؤ3: 19).
والتأديب يبدأ من السنوات الأولى.. ما يسمح به وما لا يسمح به، وهناك عقوبات يتفق عليها ونظام لا يكسره أحد من أجل الإستقامة “إسمع يا ابنى تأديب أبيك ولا ترفض شريعة أمك. لأنهما إكليل نعمة لرأسك وقلائد لعنقك”( أم1: 8- 9).
فلا تحرم إبنك من تأديبك.. ولا تتهاون إن أخطأ.. ولا تبالغ فى عقابه.. ولا تتركه يندفع فى أخطائه.
ثانياً.. علم إبنك القراءة والبحث
من مشاكل هذا الجيل.. قلة القراءة فى بلادنا والتى لا يعوضها التليفزيون والكمبيوتر.. والقراءة مدخل المعرفة.. والمعرفة السليمة مدخل للحكمة.. وغياب القراءة يجعل الشباب سطحياً هوائياً مندفعاً لا قيمة أمامه ولا هدف.
وقد لا يشارك التعليم المدرسى – للأسف – فى تشجيع القراءة الحرة بقدر كافى.. فأحياناً يكون التلقين هو الأساسى، أما الثقافة الحقيقية فهى مزيج من القراءة والبحث والتفكير والتساؤل والحوار.. وهو ما يقل جداً هذه الأيام.
ويظل الكتاب المقدس – كتاب الكتب – فلو تعلم أولادنا كلمة الله وحفظوها وتعمقوا فى فهمها.. لصاروا حكماء بالحقيقة ” لأن الرب يعطى حكمة. من فمه المعرفة والفهم”( أم2: 6)،” وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة، القادرة أن تحكمك للخلاص، بالإيمان الذى فى المسيح يسوع”( 2تى 3: 15).
أحبائى الآباء والأمهات.. ليتنا نهتم بالكتاب المقدس بقدر ما نهتم بكتب العلم والثقافة.. لأن فيه خلاص أولادنا ومستقبلهم الأبدى ” بعلمه انشقت اللجج وتقطر السحاب ندى. يا ابنى لا تبرح هذه من عينيك. احفظ الرأى والتدبير”( أم3: 20- 21).
ثالثاً.. راقب الأصدقاء وعلمه الإختيار
يتأثر أولادنا- جداً- بأصدقائهم، وغالباً ما يتطبعون بطباعهم دون أن يشعروا.. وقد يتفوق تأثير الأصدقاء للأسف- على تأثير البيت والكنيسة.. ولهذا يبدأ المزمور الأول بهذه الحقيقة” طوبى للرجل الذى لم يسلك فى مشورة الأشرار وفى طريق الخطاة لم يقف وفى مجلس المستهزئين لم يجلس، لكن فى ناموس الرب مسرته وفى ناموسه يلهج نهاراً وليلاً”( مز1: 1- 2)، ” لا تدخل فى سبيل الأشرار ولا تسر فى طريق الأثمة” (أم4: 14).
يحتاج الآباء والأمهات فى كل المراحل الأولى أن يتابعوا اختيار أولادهم لأصدقائهم.. ويتأكدوا من أخلاقهم وتربيتهم بقدر الإمكان.. وينصحونهم.. ويشجعوهم على الأصدقاء الروحيين، وهنا تظهر قيمة الأنشطة الكنسية والمجالات الكثيرة التى تجمع أولادنا فى جو أكثر نقاء من أجواء كثيرة.
عزيزي – الأب والأم – تأكد إن إبنك يتأثر برأيك مهما أظهر من عناد وعدم إقتناع.. لكن تعلم كيف تقدر المشورة بإعتدال دون أن تجرح علاقاته بأصدقائه أو تظهر تحكماً وتسلطاً لا يقبله.
رابعاً.. علم إبنك حفظ القلب
” فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة”( أم4: 23)، حكمة يحتاجها أولادنا فى هذا الجيل هى هذه.. أن يحفظ الإنسان مشاعره من الإندفاع غير المحسوب وراء نزواته أو أصدقائه أو مشاعره.. دون أن يتروى ويصلى ويستشير ويترك الوقت للنضج اللازم فى أى إختيار وقرار.
علم إبنك أن يقول “لا” للأصدقاء.. ويقول “لا” لنفسه.. ويقول “لا” للحية. حين إندفع أمنون- قديماً- وراء مشاعره وسقط فى خطايا كثيرة وإنتهت بمأساة قتله وهلاكه لأنه لم يحفظ قلبه ولم يسمع لمشورة صالحة ( 2صم 13). وهذا يصاحبه أيضاً حكمة الهرب من الشر.. التى عاش بها يوسف العفيف قديماً.. فجعلته إناءاً مختاراً وصار سبب خلاص لأهله وجيله.
تذكر عزيزي – الأب والأم – إننا لن نكون إلى جوار أولادنا حين يتعرضون للإغراءات والتحديات.. نرى ماذا زرعنا فيهم من مبادئ روحية وقوة إرادة وحكمة..
+” ولكن إن كان أحد يبنى على هذا الأساس ذهباً فضة حجارة كريمة خشباً عشباً قشاً”( 1كو3: 12).
+” فعمل كل أحد سيصير ظاهراً لأن اليوم سيبينه. لأنه بنار يستعلن وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو”(1كو3: 13).
+” إن احترق عمل أحد فسيخسر وأما هو فسيخلص ولكن كما بنار”( 1كو3: 15).
نرى هل بيننا ذهباً.. أم قشاً.. هل سيثبت أولادنا أمام التحديات؟ لا بديل إذاً لحكمة حفظ القلب.
خامساً.. علم إبنك حكمة السقوط والقيام
لابد من الفشل – أحياناً – إنه جزء من رصيد الإنسان الحكيم.. لابد من الخطأ.. ولكن هل تعلمت الدرس!
+ علم أولادك ألا ينهاروا مع الأخطاء.. لكن لتكن بداية جديدة لحياة أكثر إستقامة وجدية.
كثيرون بدأو حياتهم بأخطاء ضخمة.. لكنهم تعلموا الحكمة من الخطأ.
* موسى صار.. حليماً جداً. بعدما قتل يوماً إنساناً فى غضبه.
* يعقوب صار.. قديساً.. بعدما تمرر سنيناً من كذبه ومؤامراته.
إن الحكيم لا يهزمه الفشل، بل يستخدمه لمزيد من النجاح ” لا تشمتى بى يا عدوتى إذا سقطت أقوم غذا جلست فى الظلمة فالرب نور لى”( مى 7: 8).
تذكر.. لكي تجعل إبنك حكيماً..
1- علم إبنك قبول التأديب.
2- علم إبنك القراءة والبحث.
3- راقب اصدقائه وعلمه الإختيار.
4- علم إبنك حكمة حفظ القلب.
5- علم إبنك حكمة السقوط والقيام.