في عام 1869 كلف الخديوي إسماعيل الموسيقار جوزيبي فيردى بالعمل على تأليف أوبرا ” عايدة ” للاحتفال بافتتاح قناة السويس في نوفمبر من نفس العام .
لكن فيردى لم يستطع أن ينهى الإعداد لتقديم الأوبرا المنتظرة وايضا لتأخر وصول الملابس والديكورات الخاصة بها والتى كانت تصنع بايطاليا حالا دون ذلك ونظرا لظروف الحرب الفرنسية الألمانية وحصار باريس كما لم يتمكن فيردى من الحضور ليتم تقديم أوبرا بديلة بعنوان ” ريجوليتو “واحتراما للشخصيات الهامة التى حضرت الافتتاح حرص الفنانون على تقديم العرض بمجوهرات حقيقية ورغم عرضها بعد ذلك بسنتينلكنها أضاعت فرصة الظهور في الحدث التاريخي .
وأوبرا عايدة مستوحاة من مخطوطة تتكون من 4 صفحات اكتشفها العالم الفرنسي أوجست ماريتا في وادي النيل، وهي القصة التي ألهمت ” مريت باشا ” لكتابة الأوبرا، وكتب نصها الغنائي ” الليبرتو” جيسلا نزوني، وبعد ترجمتها سلمت إلى الموسيقار الإيطالي فيردي في عام 1870 من أجل تأليف أوبرا عايدة بطلب من الخديوي مقابل 150 ألف فرنك ذهب .
فيما تم بناء الديكور وتصميم الملابس في باريس، وكلفت 250 ألف فرانك أخرى، وبنيت دار الأوبرا المصرية لها خصيصًا في 6 أشهر، وتجسد الصراع بين الواجب والعاطفة، وتحكي عن قصة الحب التي نشأت بين الأسيرة الحبشية عايدة وراداميس قائد الجيش المصري، الذي حكم عليه فرعون مصر بالإعدام بعد أن ثبت عليه محاولته للهرب مع عايدة إلى الحبشة .
مبنى الاوبرا القديمة
أرتبطت قصة انشاء مبنى الاوبرا القديمة ارتباطا وثيقا بافتتاح قناة السويس فى عهد الخديوى اسماعيل الذى كان شغوفا بالفنون ولذلك سميت بالاوبرا الخديوية وقد تم اختيار مكان الاوبرا الخديوية بحيث تتوسط حيين من اهم احياء القاهرة فى ذلك الحين هما حى الازبكية وحى الاسماعيلية ولقد مرت السنون فاتسعت القاهرة وترامت اطرافها واتسعت رقعتها وتغيرت معالمها ولا يزال ميدان الاوبرا الذى سمى باسمها شاهدا على هذا الموقع الفريد وشاهدا على تاريخها الفنى ولحب الخديوى اسماعيل للفن الرفيع وشغفة به اراد ان تكون دار الاوبرا الخديوية تحفة معمارية لاتقل عن مثيلاتها فى العالم فكلف المهندسين الايطاليين ” افوسكانى “و “روسى ” بوضع تصميم لها يراعى فيه الدقه الفنية والروعه المعمارية فعملا على توفير الرؤية الجيدة من مختلف زوايا ” البنورات ” ووضوح الصوت واهتم الخدويوى اسماعيل بالزخارف فاستعان بعدد كبير من الرسامين والمثالين والمصورين لتزيين الاوبرا وتجميلها فزخرفت المبانى والبنورات على غرار رسوم عصر ” الروكوكو ” و ” الباروك ” الفاخرة والفائق الدقه والفخامة
وقد استغرق تشييد الاوبرا الخديوية ستة اشهر وتكلف بناؤها مليون وستمائة الف جنيه وقد تم افتتاحها فى الاول من نوفمبر سنة 1869 مع احتفالات قناة السويس وقد كان بصحبة الخديوى اسماعيل فى حفل الافتتاح الإمبراطورة ” اوجينى” زوجة الامبراطور نابليون الثالث والامبراطور فرانسو جوزيف عاهل النمسا وولى عهد بروسيا وبعض العظماء واقطاب السياسة والفكر والفن من انحاء اوروبا حيث حضروا خصيصا لحضور حفل افتتاح قناة السويس وافتتاح الاوبرا الخديوية
مسرح الأوبرا القديمة
أعتبرت الاوبرا القديمة هى الاولى فى قارة أفريقيا وآعتبر مسرحها واحدا من أوسع مسارح العالم رقعة واستعدادا وفخامة وكان المسرح يتسع لثمانمائة وخمسين شخصا كما أعدت بالدار العديد من الردهات المجهزة والمخصصة للراحة والتدخين أما خلف المسرح فقد أعد بناؤة من ثلاث طوابق أحتوى الطابق الاول على حجرات مخصصة لفرق الرقص والتدريبات وغرف للممثلين وفرق الانشاد واعد الطابق الثانى كمخزن للديكورات واستخدم الطابق الثالث فى حفظ الملابس والاثاث والادوات كما اشتمل المبنى على العديد من الورش لصناعة الملابس وتصميم الديكورات والاثاث للعروض المختلفة واحتوى المبنى على متحف ” للاكسسوار” والحلى التى تستعمل فى الاداء التمثيلى
اسماء فى رئاسة الاوبرا القديمة
على مدى قرن من الزمان هو تقريبا عمر الاوبرا الخديوية القديمة توالت على رئاستها اسماء مختلفة كان أولها بافلوس يونانى الجنسية ويعتبر أول من تولى الاشراف على بنائها ودارتها وتقديم اوبرا عايدة ثم تولاها ايضا المؤلف الموسيقى بسكوالى كلمنته من عام 1886 الى عام 1910 ثم تلاه جنارو فورنارنو من عام 1911 الى عام 1931 وقد توقف الموسم فى هذه الفترة بسبب الحرب العالمية الاولى ثم كان معلم الاميرات نورتاتوتو كانتونى 1932 الى عام 1937 أما أول مصرى يرأس الاوبرا فهو منصور غانم ولم يستمر أكثر من عام ثم الفنان سليمان نجيب خلال الفترة من 1938 إلى عام 1954 ثم تولاها الشاعر عبد الرحمن صدقى ثم المهندس محمود النحاس عام 1956 وتعتبر فترة رئاسته من أزخر الفترات بالبالية الروسى ثم كانت فترة صالح عبدون وهو من هواة الموسيقى
حريق الاوبرا
فى فجر الثامن والعشرين من أكتوبر 1971 أحترقت دار الأوبرا المصرية القديمة بأبهتها وعظمتها وكانت الاخشاب المستخدمة فى بناؤها بالكامل من عوامل سرعة انتشار النيران وعدم إمكانية السيطرة عليها فلم يتبق من الأوبرا القديمة سوى تمثال الرخاء ونهضة الفنون وهما من عمل الفنان محمد حسن وهكذا ألتهمت النيران مناظر الأوبرات والباليه التى تركتها الفرق الاجنبية هدية للدار اعترافا منها بالدور الرائد لمصر فى نشر تلك الفنون الرفيعة كما أحترقت لوحات كبار المصورين التى كانت معلقة على جدار الاوبرا والالات الموسيقية ونوتات مئات الأوبرات والسيمفونيات وهكذا احترقت الاوبرا القديمة التى زارها العظماء من الفنانيين الفرنسيين والإيطاليين والروس والإنجليز وغيرهم
تمثال نهضة الفنون حلقة وصل بين الاوبرا القديمة والاوبرا الجديدة
فى عام 1948 اقام الفنان الرائد محمد حسن (1892 -1961 ) تمثالين يزيد حجم شخوصهما عن الحجم الطبيعى احدهما يعبر عن الرخاء والثانى يعبر عن نهضة الفنون وكان هذان التمثالان مثبتين بمدخل الاوبرا الخديوية وعندما احترقت الاوبرا عام 1971 لم يتبقى منها سوى هذين التمثالين اللذين حفظا فترة طويلة فى حديقة مسرح الطليعة الى ان ثبتا اخيرا فى ساحة مبنى المركز الثقافى القومى وكانهما حلقة وصل بين تاريخ وأصالة الاوبرا الخديوية والاوبرا الجديدة وذلك بعد غياب الاوبرا المصرية لمدة 17 عاما ويعتبر تمثال نهضة الفنون من المجموعات النحتية لانه يضم عدة تماثيل فى تكوين واحد متكامل حيث يستخدم الفنان الرموز للتعبير عن الفكرة المجردة فالمراة تشير لدار الاوبرا وكانها تدعو الجمهور للاستفادة من الفنون والانشطة الثقافية وعلى يمينها تجلس فتاة تمثل المسرح فهى تنظر الى القناعين الضاحك الباكى كرموز للكوميديا والتراجيديا وتحت القناعين لفافة ورقية تشير الى النصوص المسرحية بينما تجلس فتاة الى اليسار ترمز للفنون الجميلة وذلك من خلال رموز واضحة تمسكها بيمينها ويسارها كالفرش ولوحة الألوان والمثلث المعمارى بينما ينتصب بجوارها تمثال يعبر عن فن النحت ولعل هذة المجموعة النحتية ( نهضة الفنون ) قد بقيت لتكون رمزا اصيلا يحمل عبق الفنون القديمة وسحر الماضى ومثالا للنهوض بالفنون الحديثة المتجددة والمتنوعة من خلال المركز الثقافى القومى التعليمى
الأوبرا الجديدة ورحلة الإنشاء
فى ابريل 1983 قام الرئيس السابق محمد حسنى مبارك بزيارة رسمية لليابان وبمناسبة هذه الزيارة قررت الحكومة اليابانية اهداء مصر مركزا ثقافيا تعليميا بهدف توثيق العلاقات الودية بين البلدين وبعد الدراسات المبدئية للمشروع كلفت شركة ينكن سيكى المحدودة للقيام بالتصميم والاشراف على تنفيده وفى اغسطس من نفس العام قامت هيئة التعاون العالمية اليابانية جايكا بعقد مباحثات مع مجموعة عمل مصرية كونها وزير الثقافة المصرى الراحل السيد عبد الحميد رضوان
وفى 31 مارس 1985 وضع الرئيس السابق حسنى مبارك حجر الاساس وتم البناء فى 31 مارس 1988 وكان قد استغرق ثلاث سنوات اقيم حفل افتتاح المركز الثقافى التعليمى ( دار الاوبرا المصرية ) فى 10 اكتوبر 1988 الساعة الثامنة مساءا بحضور الرئيس مبارك والسيد وزير الثقافة والسيد رئيس الوزراء والسادة الوزراء وكبار المسئولين
ارقام من الاوبرا الجديدة
استغرق بناء الاوبرا الجديدة ثلاث سنوات وافتتحت في 10 اكتوبر 1988وتكلف بناؤها ستة مليارات واربعمائة وخمسة وثمانين الف ين يابانى اى حوالى 33 مليون دولار مقدمة من وكالة جايكا اليابانية والمعروف ان وكالة جايكا اليابانية لاتعطى منحا للدول النامية الا فيما يندرج تحت الخدمات البيئية والتنموية مثل المدارس والمستشفيات اما الاوبرا فهى تندرج تحت بناء الخدمات الترفيهية بما يخالف طبيعة المنح ولذا روعي ذلك فى الاسم الجديد فلم تعد اسمها الاوبرا لان هذه التسمية كانت تناسب الاوبرا القديمة شكلا وجوهرا حيث انها كانت تقتصر على تقديم اوبرات فقط اما تسمية الاوبرا الجديدة بالمركز الثقافى التعليمى يناسب دورها الاكثر شمولا وعصرية وقد روعى هذا الدور الجديد فى تصميم المبنى
والجدير بالذكر ان اوبرا عايدة التى كتبها الموسيقار الايطالى العالمى فيردى وتعد نموذجاً متفرداً وحالة فنية شديدة الخصوصية للتفاعل مع التاريخ والحضارة الفرعونية كما تعد احد الاعمال الفنية التى يحرص الجمهور المصرى والاجنبى على مشاهدتها خاصة عند اقامتها فى الاماكن التاريخية والمفتوحة وتدور حول تخليد انتصار الجيش المصرى على الاحباش كما تجسد الصراع بين الواجب والعاطفة
وتميزت اوبرا عايدة بالديكورات الفخمة التى تعكس عظمة تاريخ مصر وتراثها الحضارى والاعداد الضخمة للعارضين والمجموعات كما نال احد مقاطعها الموسيقية الذى يصور لحظة الانتصار ( مارش النصر ) شهرة واسعة ولاقت نجاحاً كبيراً عند عرضها فى مصر وفى مختلف دول العالم