بات من المُسلَّم به أنَّ أكثر دولتين داعمتين لجماعة الإخوان المسلمين، هما قطر وتركيا. لكنَّ هذه المعلومة تَنحَى نحوًا جديدًا خلال الفترة السابقة، فما بدا أنهُ تراجُع بعض الشيء من ناحية قطر تجاه الإخوان، كان تقدُّمًا لتركيا في مستوى علاقتها ودعمِهَا لجماعة الإخوان المُسلمين. الدَّعم المعنويّ والسياسيّ كاملًا، ما يستوجب خصومةً كاملة مع النظام الحالي في مصر، على خلاف قطر التي لها نوع من العلاقات مع مصر. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يفوِّت فرصةً واحدة للتنديد بالرئيس المصري الحالي، الذي اقتلع الرئيس المصري السابق محمد مرسي من منصبه، لا يفوِّت فُرصة في التنديد به وبنظامه
الدعم الكامل للإخوان يُثيرُ الأسئلة، وجعل الإعلاميين المصريين يتسابقون في “سبّ” أردوغان ونظامه بسبب موقفه. وبطبيعة الحال لا يبدو موقف تركيا مبررًا في دعم الإخوان في دولة أخرى، واستقبالهم استقبالًا دائمًا، وعندما أعلنت قطر – بسبب الضغوطات الخليجية عليها– تسريحها لقيادات الإخوان المقيمين بها أعلنت تركيا أنها على استعداد كامل لاستقبالهم
وفي تقرير اعدة الباحث فى الشئون التركية عبد الرحمن ناصر يقول هناك لأسباب تاريخية وسياسية وجغرافية، ولعدة أسباب أخرى يُعتبر البَلَدَان – تركيا ومصر– أكبر الدُّول ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط. كلاهما يعتبر نفسه هو القوة الإقليمية الأكبر، وقائد “الإسلام السُّنِّي”. تاريخيًّا عانى العثمانيون كثيرًا في محاولاتهم إخضاع مصر لدولة “الخلافة”. واقعيًّا كانت مصر تتمتع بحكم ذاتي رغم أنها كانت تابعه للسلطان العثماني
مصر تهدد تركيا
ما قد لا يعرفه الكثيرون أنَّ مصر هدَّدت دولة “الخلافة” تهديدًا وجوديًّا، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر وصل إبراهيم باشا نجل محمد على إلى مدينة كوتاهيه على بعد 200 ميل فقط من العاصمة العثمانية إسطنبول! استولى محمد علي على سوريا وفلسطين، ولم ينقذ الدولة العثمانية سوى تدخل بريطانيا وفرنسا لتقليص نُفوذ محمد علي. بعد هذه الـ “هبَّة” التي قادها محمد علي سيطرت بريطانيا على مصر
جمال عبد الناصر اتجه ناحية السوفييت بينما كانت تركيا متجهة نحو أوروبا وأمريكا
مع سقوط دولة العثمانيين، وبداية عهد أتاتورك وقعت خلافات كبيرة بين البلدين، خصوصًا بعد تحرُّك الضباط الأحرار، فيما سمي ثورة يوليو 1952 فقد اتجهت مصر ناحية الاتحاد السوفيتي بينما كانت تركيا قد توجَّهت بكل مقدَّراتها نحو أوروبا وأمريكا. ساد جوّ من الغضب بين البلدين بسبب العلاقات القوية التي ربطت تركيا بإسرائيل بينما غضبت تركيا كثيرًا بسبب عدم دعم مصر لها في قضيَّتها مع قُبرص. اتَّجَهَت العلاقات نحو المزيد من التعاون الاقتصادي في عهد الرئيس المخلوع الأسبق محمد حسني مبارك، بينما اتسعت العلاقات بين البلدين بعد ثورة يناير 2011.
كان صعود الإخوان المسلمين في كلٍّ من مصر وتونس وليبيا مؤشرًا لصعود نجم أردوغان، فأردوغان الشاب الذي كان إسلاميًّا، وسُجن بسبب ذلك، استطاع أن يقود ثورة اقتصادية عارمة في تركيا. بشكلٍ أو بآخر كانت جماعة الإخوان تُصدِّر أردوغان باعتباره إسلاميًّا ناجحًا. بعض المراقبين أيضًا يقولون إن أردوغان كان يُصدِّر نفسهُ بهذه الصُّورة كذلك!
لكنَّ الحدّ الفاصل في العلاقة بين البلدين كان تحرُّك الجيش في 3 يوليو ضد الرئيس الدكتور محمد مرسي، فبدأت المناوشات بين البلدين، فبدأت تركيا التنديد بالسلطة الجديدة في مصر في المحافل الدولية، طردت مصر السفير التركي من أراضيها بينما تصرَّفت تركيا بنفس الطريقة، وألغت مصر مناورات بحرية كان من المقرر أن تقام بين البلدين. وبدأت تركيا رحلتها في احتضان قيادات الإخوان الهاربين من مصر.
وإلى مزيد من التوضيح، لماذا تدعم تركيا الإخوان المسلمين؟ وهذه الخمسة مواقف تُشكِّل خمسة أضلاع بعضها مرتبطٌ ببعض
المصالح الاقتصادية التركية الضخمة مُعطَّلة في مصر
قبيل التحرُّك ضد مرسي زار مدير المخابرات التركية هاكان فيدان مصر، وأخبر الرئيس مرسي بأنَّ هناك تحركًا ضده من قِبَل قادة الجيش وعرض عليه المساعدة، لكن الرئيس مرسي أخبره أن كل شيء على ما يُرام! من تقرير للكاتب سونير كاجابتي
مبدأت تركيا مطلع القرن الحالي بالتوجُّه ناحية المشرق العربي بدلًا من التوجه السابق ناحية أوروبا. ومع هذا التوجه كانت مصر قبلتها في العديد من الملفَّات، بدأت بالملفّ الاقتصادي – خصوصًا أن مصر ستكون ورقة رابحة لتركيا في البحر المتوسط كذلك-. بدأت العلاقات الاقتصادية بين البلدين في عهد مبارك. ولكنَّها تزايدت بعد ثورة يناير 2011، ومع صعود الإخوان لسدة الحكم زادت تلك العلاقات وقويت.
في سبتمبر 2012، أعلنت تركيا عن تخصيص دعم مالي كبير جدًا، بقيمة ملياري دولار للاقتصاد المصري. لم تُعلن حينها التفاصيل، ولكنَّ الدعم التركي جاء لتعزيز الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي ودعم خُطَطَ الحُكومة التي كان يقودها الدكتور هشام قنديل. نصف حزمة الدعم كانت على شكل قُروض ثُنائية، ولم تكن حزمة الدَّعم مباشرة للميزانية المصرية. خلال فترة حكم الإخوان في مصر – سنة واحدة فقط– وقَّع الجانبان على ما يقارب 40 اتفاقية في مجالات التجارة والعلوم والطاقة والدفاع والسياحة والبنوك وغيرها.
وصل حجم التَّبادُل التجاري بين البلدين عام 2012 إلى 5 مليارات دولار، أكثر من 90% منها صادرات تُركية لمصر. كما بلغ حجم الاستثمار التركي في مصر 1.5 مليار دولار تركَّزت في قطاعات الغزل والنسيج وقطع غيار السيارات. كذلك فقد وُقِّعت اتفاقية تجارة حرة بين البلدين. وفي مصر ما يقارب 230 مصنعًا تركيًّا يعمل فيها ما يقارب 51 ألف عامل مصري.
ترى لوس أنجلوس تايمز أن الاندماج بين أنقرة والقاهرة جاء في جزء منه بسبب نفوذ الإخوان المسلمين في مصر على الجماعات الإسلامية في المنطقة، بما فيها حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان.
خلال 2012، كانت مصر تقع في المرتبة الثالثة من الدول العربية المصدِّرة لتركيا، والرابعة عربيًّا في الاستيراد منها. السفير المصري في تركيا حينها صرَّح بأنَّ تركيا تستورد من مصر أكثر من 20% مما تستورده تركيا من أفريقيا بأكملها. بينما تُعدُّ مصر كذلك أكبر مستورد أفريقي من تركيا بنسبة 26,7% من الصَّادرات التركية إلى أفريقيا. ومع توتُّر العَلاقات بين البلدين بعد تحرك 3يوليو 2013 أخذت تركيا جانب الإخوان المسلمين، والرئيس المعزول، بينما بدأت الحكومة المصرية الجديدة سياسة التضييق على المصالح التركية، الاقتصادية منها كانت في بداية التضييق. فبدأت بالتضييق على حركة التجارة بينها وبين تركيا من خلال الخط الملاحي التركي الذي بدأ عام 2011 والذي يورِّد البضائع إلى دول الخليج ومصر معًا. العديد من الاقتصاديين يعتبرون أن تركيا هي الخاسر الأكبر من العلاقات المتوترة بين البلدين على الصعيد الاقتصادي. بالطبع لا يمكن أبدًا غضّ الطرف عن استفادة مصر الاقتصادية من تركيا، ولكن تركيا تبحث عن أسواق لمنتجاتها وجدتها في مصر بعد ثورة يناير 2011 وحكم الإخوان. وجاء النظام المصري الحالي ليُغيِّر المسار الذي رَسَمَتهُ تُركيا لنفسِهَا تمامًا.
اسأل مرةً أخرى عن الإرث العسكري في تركيا
قبل وصول أردوغان للسلطة نصت المادة الرابعة والثلاثون في الدستور التركي على أنَّ: وظيفة الجيش هي حماية وصون الوطن التركي والجمهورية التركية. وبهذه الطريقة قاد الجيش التركي 4 انقلابات عسكرية على حكومات منتخبة!
مؤسس تركيا، الجنرال مصطفى كمال أتاتورك
لظروف نشأة تركيا الحديثة التي نشأت على يد الجنرال مصطفى كمال أتاتورك ظلت تركيا تحمل على كاهلها ميراثًا استبداديًّا، أربعة انقلابات قام بها جنرالات الجيش في وقت لا يتجاوز الأربعين عامًا (1960، 1971، 1980، 1997 على التوالي). الرئيس الحالي لتركيا رجب طيب أردوغان عانى كثيرًا من جنرالات الجيش التركي، فقد سُجن عام 1998 بسبب تُهمة التحريض على الكراهية الدينية ومُنع من العمل في الوظائف الحكومية بسبب أبيات اقتبسها، تقول: “مآذننا رماحنا والمصلّون جنودنا”. كما أنَّ أردوغان يعتبر تلميذ رئيس الوزراء الإسلامي السابق نجم الدين أربكان الذي تمّ الانقلاب عليه عام 1997.
استطاع أردوغان أن ينسلخ من تبعيته لأربكان وللفكرة الإسلامية – على الأقل في خطاباته العامة– وبدأ العمل على تأسيس حزب العدالة والتنمية، وهو الذي قاد الصعود الباهر لتركيا حاليًا. واستطاع تقليم يد جنرالات الجيش عبر عدة خطوات، الهامّ في الأمر أنَّ مُساندة تركيا للإخوان المسلمين ربَّما لها بعدًا تاريخيًّا بسبب الميراث العسكري التركي.
في مقابلة تليفزيونية قال رئيس الوزراء التركي الحالي أحمد داوود أوغلو إنّ تركيا تدعم الخيار الديموقراطي بغض النظر عن من تدعم هل هم إخوان أو غيرهم؟ وإنَّ الميراث العسكري التركي يلقي بظلاله على موقف تركيا الحالي
البعد الأيديولوجي بين الإخوان وأردوغان
كانت بداية شارة رابعة التي يتخذها الإخوان شعارًا؛ من الرئيس التركي أردوغان حين رفع يده مشيرًا بأصابعه الأربعة إشارةً لتأييده اعتصام رابعة العدوية لمعارضي حركة 3 يوليو.
أردوغان بإشارة رابعة.
دومًا ما تتم الإشارة إلى أردوغان من قبل معارضيه أنه من الإخوان المسلمين، وأنه يتبع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. ودومًا ما ينفي أردوغان عن نفسهِ وعن حزبه هذا الوصف. فالحزب علماني لا شكّ في ذلك، هذا ما يقوله أردوغان وكوادر حزبه. والحقيقة أن أردوغان قد استطاع أن يتجاوز كونه نشأ شابًا إسلاميًّا تلميذًا للمهندس ورئيس الوزراء الإسلامي نجم الدين أربكان، وبدأت تأسيس حزبه على أسس علمانية واضحة. الإشارة لكونه إسلاميًّا ليس فقط من معارضيه وإنما من بعض القيادات من الإخوان، ومن الشباب الـ”إسلامي” حيث يتم تقديم أردوغان باعتبارهِ نموذجًا لما يجب أن يكون عليه الإسلام “الوسطي”. لكن هل هناك جذور علاقة بين الإخوان والحركة الإسلامية في تركيا؟ بالتحديد هل كان لأربكان علاقة بالإخوان؟
بعيدًا عن المعارضين الذين يُلصقون بأردوغان وأستاذه صفة “الإخوان” فإن استقصاء الأمر يخرج بنتيجة مغايرة لذلك. بدأت حركة أربكان في نهاية الستينيات وأظهرت تعاطفًا مع مدرسة الإخوان المسلمين. كانت هذه هي المرة الأولى التي تبدأ تركيا فيها الاتجاه إلى الدول الإسلامية منها إلى الغرب وأمريكا. ومرحلة التواصل تلك لا تعني بالضرورة ارتباطًا بينه وبين جماعة الإخوان. علاقة أربكان ومدرسته بالإخوان جاءت بالتوازي علاقته بمنظمات وهيئات إسلامية أخرى مثل منظمة العمل الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب وغيرها الكثير.
في أحد الحوارات الصحفية مع مُرشد الإخوان السابق مهدي عاكف نُسب إليه القول بأنّ أربكان هو مُمثِّل الإخوان في تركيا، أحدث هذا التصريح ضجة كبيرة فأصدر المرشد بيانًا ينفي فيه هذا التصريح، وقال إن الصَّحفِي – التُّركي- قد حرَّف حديثه تمامًا عن المقصود. النقطة الهامة هنا إذا كان أردوغان قد تخلَّص من “إسلاميته” أمام الناس وهو يمارس السياسة، إلا أنَّ الرئيس التركي لا يفوِّت فرصة للحديث عن “الإسلام” وبين الحين والآخر تظهر منه تصريحات تؤيد أنَّ لهُ ميولًا إسلاميَّة غير خافية. لكنَّهُ أيضًا ليس منتميًا إلى الإخوان.
هذا البُعد “الإسلامي” لأردوغان ربما يكونُ سببًا لتأييده لجماعة الإخوان المسلمين. وكما قلنا سابقًا إنَّ حجم العلاقات زادت وازدهرت في عهد الإخوان – يونيو 2012 وحتى يونيو 2013– ما يعني أنَّ ثمة علاقة وطيدة بينهما أحد أسبابها ربما محاولات الإخوان الدائمة تصدير أردوغان كمثال للإسلامي الوسطي الذي يقدم إنجازات اقتصادية وسياسية رائعة وتسويقهم له – ولأنفسهم- بهذا الشكل. كل هذا المعطيات مع الأسباب الأخرى مجتمعةً تجيبك لماذا تدعم تركيا الإخوان.
يُصرِّح أردوغان دومًا بأنَّ حزبُه الحاكم سيواصل السير على طريق حماية القيم الجمهورية ومن بينها العلمانيَّة، كان هذا منذ عام 2008.
4- السيسي يُصارع أردوغان على النفوذ الإقليمي!
بطبيعة موقع مصر وعدة عوامل أخرى (الجيش الأقوى عربيًّا على سبيل المثال) تعتبر هي المعادل الطبيعي لدولة كتركيا تَعبُر المتوسِّط إلى الدول العربيَّة. لكنَّ مظاهر النُّفُوذ والتَّنَافُس تزايدَتْ مع النِّظَام الحالي في مصر. بالطَّبع استطاع أردوغان أن يكسِب مصر أثناء حكم الإخوان إلى صَفَّه، وبهذا ليس فقط استطاع أن يَستفيد من العلاقات الطيِّبة المتبادَلة وإنَّما كذلك استطاع أن يُحيِّد الدُّور المُتوقَّع لمصر في المنطقة. لكنَّ هذا الدور – سواءً اتفق عليه أم لا– قد عاد بوضوح مع النظام الجديد.
عبد الفتاح السيسي
لهذا الصِّرَاع مؤشِّرات؛ في البداية يجب ذكر أنَّ مصر تحالفت بشكلٍ صريح ضد ترشُّح تركيا على مقعد في مجلس الأمن. بالطبع كان هذا بعد تنديد تركيا بالنِّظَام الجديد، الرئيس التركي لم يفوِّت فرصة للتندِيد بالنِّظام الجديد ورئيسُه، حتى لقد وَصَفَ قائد التحرُّك العسكري والرئيس الحالي بأنَّهُ “مُتسلِّط” وبأنَّهُ “طاغية غير شرعي” كان هذا في الأمَم المتَّحدة! وفي أغسطس 2013، طالبت تركيا مجلس الأمن بفَرض عُقُوبَاتٍ على السيسي.
الصِّراع الإقليمي أطلّ برأسه حين قرَّرت مصر شنّ ضَربَات جويَّة ضدَّ الدَّولة الإسلاميَّة في العراق والشام وفي ليبيا بإقليم درنة 16 فبراير الماضي. في ليبيا يسيرُ الأمر بشكلٍ منقَسِم؛ الحُكومة الليبية المعترف بها دوليًّا والجيش في طبرق يؤيد الضَّربات الجويَّة ويطلبها، والحكومة المسيطرة على العاصمة طرابلس رفضت الضربات ولها موقف من النظام المصري – يُشار إلى الحكومة في طرابلس بأنها إخوان– الهام في هذا الموقف أن تركيا اتخذت المعسكر المُعارض للمعسكر الذي يدعمه السيسي، وقد نددت تركيا بالضربات الجوية للنظام المصري في ليبيا.
المنطقة الأخرى التي برز فيها هذا التنافس الإقليمي كانت سوريا. منذ البداية تدعم تركيا الـ “ثورة السورية” كما تتخذ موقفًا معاديًا لبشار الأسد، كان موقف الإخوان المسلمين مناهضًا لبشَّار الأسد ومع الثَّورة السُّوريَّة. كان هذا منافيًا لموقف الجيش المصري حيث يتخذ الجيش المصري موقفًا محافظًا تجاه الثورة السورية. نظام السيسي الحاكم حاليًا أبدى استعداده لرعاية حوار غير مشروط بين الحكومة والمعارضة السورية، نقلت كذلك تقارير دولية أنباء عن اتفاق – منذ فبراير الماضي- بين مصر والعراق حول الأزمة السُّورية عبرَ تعايُش النِّظَام مع المعارضة “السلمية”. الأدهَى من ذلك أنَّ تقارير أخرى تُفِيد بأنَّ هناك اتِّصَالًا بين مِصر وسُوريَا مُباشرةً عَبرَ حزب الله بلغت مستوى الاتصال بين القصر الرئاسي في القاهرة ودمشق. لم تعلق مصر بالنفي أو الإيجاب على هذه التقارير.
هذه المواقف دفعت إحدى الدول المنافسة إقليميًّا لتركيا كإيران لمدح الموقف المصري في “مكافحة الإرهاب” في سوريا. وأبدت دعمها لاستقرار مصر ولمحت إلى استعدادها لرفع مستوى التمثيل الديبلوماسي لدى مصر إلى درجة سفير. وأبدت في فبراير استعدادها للمشاركة في مؤتمر مارس الاقتصادي.
هذا الموقف المصري الذي يتخذ المواقف العكسية إقليميًّا من سياسات تركيا (بالتحديد في ليبيا وسوريا) جعل النظام التركي في المواجهة مع مصر بشكلٍ دائم، ومن نافلة القول أن نذكُر أنَّ تعامُل تُركيا مع الرَّئيس مُرسي كان أفضل بالنسبة لها كثيرًا لأنَّها استطاعت التعامل معه من منطلق “تعاوني” أكثر منهُ منطلق “تنافسي” وهو ما يحدُث حاليًا مع النظام الحالي.
5- تركيا تخسر على حدودها في البحر المتوسط بسبب مصر أيضًا!
إن استمرار التوتر بين القاهرة وأنقرة يمكن أن يدفع الأولى إلى اتخاذ مواقف تؤثر سلبًا في المصالح التركية في البحر المتوسط، مثل موافقة مصر على طلب السلطات اليونانية الخاص بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، بشكل يسمح بضم جزيرة كاستيلوريزو المتنازع عليها بين اليونان وتركيا، إلى الحدود الاقتصادية اليونانية.. صحيفة “إيدنلك” التركية نقلًا عن مصادر دبلوماسية لم تكشف عنها،
لكلّ شئٍ ثمن، وثمن تأييد تركيا للإخوان عداء مع النظام المصري الحالي. الصراع بين النظامين الآن يرتبط بمن فيهما ينتصر إقليميًّا ويستطيع أن ينتصر في معركة “عضّ” أصابع الآخر. ترتبط مصر وتركيا بمنطقة بحرية في البحر المتوسط، ومثلهما على الجانب الآخر ترتبط قبرص واليونان. قبرص الشمالية تقع تحت سيطرة تركيا ولا تعتبرها تركيا دولة مستقلة. اليونان لها مشكلاتها مع تركيا كذلك، مشكلات تاريخية وسياسية.
خريطة للمنطقة البحرية بين الدول الأربع
تستطيع مصر وتركيا – إذا اتحدتا– أن تفوزا بالمنطقة البحرية بينهما بدلًا من فوز قبرص واليونان. وفقًا للقانون الدولي فإن أحد الجانبين (مصر وتركيا أو قبرص واليونان) سيفوز بالمنطقة البحرية الغنية بالنفط والغاز، لكنَّ المشكلات العالقة بين النظامين هنا وهناك، جعلت النظام المصري يعقد قمة الكالاماتا مع اليونان وقبرص وحدهما دون وجود تركيا! اتفاق لترسيم الحدود البحرية بما قد يعطي الأحقية لقبرص واليونان بالاستفادة من المنطقة البحرية المستحقة لمصر وتركيا. تعتبر تركيا الجانب الأكثر خسارةً في المُجمل، بالطبع ستخسر مصر ثروات كان من الممكن أن تتقاسمها مع تركيا، لكنَّ خسارة تركيا أكبر خصوصًا أنَّ لها مشكلات عالقة مع اليونان وقبرص منذ زمن بعيد.
مصر تُحاول معاقبة تركيا على موقفها من النظام الحالي، تركيا ترفض قمة الكالاماتا ولا تعترف بها، تصر تركيا على دعم الإخوان المسلمين آملةً في عودتهم للحكم بمصر – وفقًا لتحليل خطاب المسؤولين الأتراك– ربما إذا عاد الإخوان إلى سُدَّة الحكم في مصر ستستطيع تركيا أن تستفيد من كلّ النقاط السابقة بما فيهم المنطقة البحرية بينها وبين مصر، ولكن هل يستجيب الواقع للأمل التركي الواقع ينفي بشدَّة، فهل سيتخلَّى أردوغان عن بعض الملفات ليستطيع التعامل مع النظام الجديد في مصر ويحافظ على بعض مصالحه مع مصر كالمصالح الاقتصادية والإقليمية المتعلقة بترسيم الحدود البحرية على سبيل المثال؟ سؤالٌ يجيب عنهُ أردوغان وحده.