التوسع في تهمة “ازدراء الأديان” لترويع المسيحيين
محامون: لماذا تتجاهل النيابة العامة الحد الأدنى لعقوبة ازدراء الأديان في كل الحالات السابقة؟
نشطاء: استمرار سياسات مبارك الطائفية.. ومحاولات مغازلة التيار السلفي تتزايد
التبشير .. فى اللغة العربية كلمة تعنى الابلاغ بخبر سار ، بينما ما يتعارف عليه بين العامة انه مصطلح مسيحي يقصد به نشر الإنجيل بين مجموعة من البشر في محاولة لتنصيرهم .. لذلك يستخدم بعض المتأسلمين مصطلح التنصير بدلا منه .. لكن يبدو أن العرف و تكرار الاخطاء يجعلها شائعة .. و يبدو أن المجتمع من كثرة النزعات الطائفية التى تم بثها من قبل المتطرفين و ممارستها على المسيحيين، أن التبشير يعد جريمة بالفعل .. بالرغم من ان خبراء القانون اقروا انه لا توجد جريمة اسمها التبشير ….
حول التناقض بين ما اقرته الدولة و ما تنفذه السلطات التنفيذية فيها .. بحثت ” وطنى ” عن وجود جريمة اسمها التبشير من عدمه .. و طرحت تساؤلاتها على الخبراء هل توزيع آيات من الكتاب المقدس مقترنة ببعض البلح .. لحظة الافطار على الصائمين من المسلمين تعد تبشيرا لمجرد أن من يوزعها مسحي .. جميعها اسئلة تطرح نفسها بعد ان تم القاء القبض على شباب مسيحي بالإسكندرية منطقة المنتزه .. قاموا بتوزيع البلح مع آيات الكتاب المقدس .. و قام شخص يدعى محمود عبد الحليم موسى 44 سنة – بتحرير محضر ضدهم تحت رقم 14567/ 2015 إدارى المنتزه..
و فى السطور التالية نص شهادة ستيفن بطرس احد المقبوض عليهم فى الواقعة:” في حدود الساعة السابعة من مساء الجمعة الماضية، حدثني صديق لي يدعي شادي سعيد؛ بسبب إلقاء القبض على صديق لنا يدعى (فوزي أسامة)، يقوم بتوزيع بلح على المارة، أثناء الإفطار، وأن محمود عبدالحليم موسى، مدير تحرير جريدة ميدان الرياضة، هو الذي قام باحتجاز (فوزي)؛ بسبب توزيعه البلح قرب آذان المغرب في شهر رمضان على المارة، واحتجزه في محل“.
أضاف: “وتم التعدي على فوزي من قِبل مدير تحرير الجريدة، وأخذ بطاقته، وصوَّرها، ثم نقله إلى نقطة شرطة سيدي بشر، وتم التحفظ على فوزي؛ باعتباره متهمًا، دون التحفظ على المبُلغ محمود، وتم إبلاغه؛ للعودة للتحقيق فور انتهاء صلاة التراويح“.
أكمل “استيفين”: “في تمام الساعة الثامنة والنصف، تم نقل المتهم بقضية التبشير إلى قسم المنتزه أول (فكتوريا)، وتم احتجازه بعد تحريز شنطة بحوزته، بها بلح، وبعض نسخ من تعاليم عن المحبة والتسامح، وتحرير محضر لثلاثة أشخاص، على أنهم يقومون بتوزيع بلح، ومعهم كتيب به تعاليم المسيح، رغم أننا لم نتواجد وقت القبض على صديقنا، فوزي أسامة، وقت الحادثة، وكان علمنا أن فوزي يقوم بتوزيع تمر فقط على المارة، أما تعاليم المسيح تخص الكنيسة فقط“.
قال “استيفن”: “عندما وصلت للاطمئنان على صديقي أسامة في قسم شرطة منتزه أول، أخذوا بطاقتي الشخصية وموبيلاتي، ولم يعرف أهلي باحتجازي، إلا في تمام الساعة الثانية عشر مساء، وتم تحويلنا للنيابة، وأكَّدت تحريات نيابة الأمن الوطني ثبوت التهمة المتمثلة في ازدراء الأديان، واتباع أسلوب تبشيري حديث؛ بهدف استقطاب المسلمين، رغم أنه لم يكن لي أية علاقة وصديقي شادي، ودورنا فقط كان للاطمئنان على فوزي، وأعيدت معنا التحقيقات من قِبل الأمن الوطني، رغم أن العمل الذي كان يقوم به فوزي هو عمل خير في رمضان؛ من أجل أن نأخذ ثواب إفطار (أخ صائم)”.
انتهت شهادة استيفن الذى ذهب ليطمئن على صديقه فوجد نفسه متهما ..
أين تهمة التبشير؟
و للتعليق القانوني على التهمتين الموجهتين للشباب يقول عصام الاسلامبولى الفقيه الدستوري :” .”لا توجد جريمة فى القانون اسمها التبشير اصلا .. و اين التبشير فى الموضوع حتى لو اقترن توزيع البلح ببعض آيات الكتاب المقدس .. لماذا يؤخذ على انه تبشير ؟ هل حينما حضر السيسي حفل عيد الميلاد كان منساقا خلف التبشير !! القاء القبض على هؤلاء الشباب تحريف للرسالة الحقيقية المقصودة و خلل فى المفهوم الأمني و الثقافي و القانوني .. كما أن اخلاء سبيلهم بكفالة يعنى ان الامر كله غير مفهوم حتى لدى النيابة التي فرضت عليهم الكفالة .. فضلا عن ان التهمة المشار اليها ” استقطاب المسلمين و التبشير تهمة وهمية غير قانونية فما يتعلق بالأديان فى القانون ينحصر فى تهمة ازدراء اديان .. اما بالنسبة لتهمة الازدراء المنسوبة اليهم فلها اركان حتى تثبت .. و ما علمناه عن الواقعة لا تتوفر فيه هذه الاركان .
و تابع الاسلامبولى :” هل لو شاركت فى احتفالية للمسيحيين اكون بذلك مشاركا فى التبشير مثلا .. للأسف هذا هو فكر بعض الشيوخ السلفيين الذى سيطروا به على الاميين و بثوا سمومهم.. لذلك يجب مخاطبة المسئولين و هما رئيس مجلس الوزراء و وزير العدل لوأد الفتنة … و تذكير المجتمع بما كان يحدث فى قطارات مترو الانفاق .. و تحديدا فى عربات السيدات حينما كانت المنتقبات تصعدن الى القطار و تمارسن الدعوة للدخول فى الاسلام و لم يتم القبض على احداهن بتهمة الدعوة و تحرض الناس على ترك دينهم .. ولم يجرؤ احد على التبيلغ و تصعيد الامر و حتى لو تم التصعيد لم تكن تلك الدعاوى لتتحرك لان المناخ لا يسمح .
لماذا تجريم التبشير؟
من جانبه أكد الدكتور عوض شفيق استاذ القانون الدولي بجامعة جنيف بقوله ” من الناحية النظرية هناك مبدأ قانوني مستقر عليه بأنه “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”، علاوة على أن الدستور يكفل على الإطلاق حرية الاعتقاد، ولكن السؤال الذى يمكن أن يثار من أين أتت جريمة ازدراء الأديان وتجريم الأنشطة التبشيرية؟
شدد الدكتور عوض شفيق بقوله ” يجب أن نفرق بين التبشير كرسالة جوهرية و التبشير غير السليم، فالتبشير هو مسؤولية أساسية لكل مسيحي وكل كنيسة، وهذا ما عبرت عنه المحكمة الأوربية لحقوق الانسان عام 1993 بقولها واعلان رايها بأنه “يتعين التمييز بين القيام بشهادة المسيحية والتبشير غير السليم، فالشهادة للمسيحية رسالة جوهرية ومسؤولية أساسية لكل مسيحى وكل كنيسة، أما التبشير غير السليم فهو يمثل يمثل افسادا أو تشويها للانجيلية (نسبة إلى بشارة الإنجيل) الحقة، ويقول هذا التقرير ان هذا التبشر غير السليم قد يأخذ شكل أنشطة لتقديم مطبوعات أو مزايا اجتماعية بغية اكتساب أعضاء جدد لكنيسة أو ممارسة ضغط غير سليم على الأشخاص الذين يعانون من محنة أو احتياج بل وقد يستبع استعمال العنف أو غسيل المخ وهو عموما لا يتمشى مع احترام حرية الفكر والوجدان والدين والأخلاق“.
وفى إطار الأنشطة التبشيرية ذكرت المقررة الخاصة بالأمم المتحدة في حرية الدين والمعتقد بأن “التبشير عنصر من صميم الدين وهو ما يفسر وضعه القانوني فى الصكوك القانونية الدولية المادة 18 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والمادة نفسها 18 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية وإعلان بشأن القضاء على التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين عام 1981 وقد اعتبرت المقررة الخاصة أن “الأنشطة التبشيرية هي أنشطة مقبولة باعتبارها شكلاً مشروعاً من أشكال التعبير عن الدين أو المعتقد”، وأكدت أنه “لا يمكن اعتبار هذه الأنشطة انتهاكاً لحرية الآخرين في الدين أو المعتقد إذا كان جميع المشاركين فيها من الراشدين القادرين على تدبر أمورهم بأنفسهم، ولم تكن بين المبشرين والأفراد المستهدفين بأنشطة التبشير علاقة تقوم على التبعية أو التفاوت في المراتب“.
ومن الأمثلة على الأنشطة التبشيرية المتعلقة بحرية العقيدة والمعتقد الحق فى كتابة واصدار وتوزيع منشورات تتعلق بالمجالات الدينية أو فى تعليم الدين أو المعتقد فى أماكن مناسبة لهذه الأغراض، ويُعد كل ما يُتخذ من اجراءات لغرض الرقابة على هذه المنشورات وحظرها ومصادرتها واتلاف المؤلفات الدينية حنى وان كانت هذه المواد خالية من أية دعوة الى الكراهية القومية أو العداوة أو العنف وفقا للمادة 20 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، تعد إجراءات باطلة تقوم بها أجهزة الدولة.
ركز الدكتور عوض شفيق على حالة شباب الاسكندرية بقوله ” في الحالة الأخيرة وما أتخذه مدير تحرير مجلة الرياضة السيد عبد الحليم موسى ورجال الأمن الوطنى ووكيل نيابة شرق الكلية بالإسكندرية السيد وائل مهنا بشأن اتهام مسيحيين بازدراء الأديان على خلفية توزيعهم بلح في الشوارع بمناسبة شهر رمضان، كلها إجراءات غير قانونية وتمثل انتهاكا وانتكاسا لمفهوم التسامح الدينى الذى قدمه الشباب المسيحي بالمشاركة الوجدانية مع أخوتهم المسلمين في توزيع بلح على الصائمين”.
أكد على انه بالرغم ما تضمنه القانون الدولى لحقوق الانسان في المجال الدينى من الضمانات القانونية، إلا هناك بعض المواضيع الحساسة قائمة وبحاجة إلى توضيح ومعالجة ومنها القوانين الدينية والوطنية في مقابل القانون الدولى ، والتبشير الدينى، ووضع المرأة في الدين والمعتقد، وادعاءات سمو أو دنو ديانات أو معتقدات. ، اختيار أو تغيير التزامات دينية، تسجيل خانة الدانة في الهوية الشخصية، ووسائل الاعلام العامة والدين والمعتقد، والعلاقة بين الدين أو المعتقد والدولة
و يوضح شفيق :” التسامح القانوني الدينى يعنى الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثقافي، وأن التسامح لا يعنى المساواة أو التنازل أو التساهل في حقوق القيم الإنسانية وقيمته القانونية، بل التسامح هو قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابى لكل فرد منا بالاقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوقه وحرياته الأساسية، ولا يجوز بأى حال الاحتجاج بالتسامح في البيانات الحكومية الرسمية على المستوى السياسى لتبرير المساس بهذه القيم الأساسية، كما أن إعلان التسامح وبيانات التسامح الدينى ينبغي أن يأخذ بها الشخص الفرد أو مجموعة من الأشخاص أو الأفراد أو مؤسسة حكومية كانت أو غير حكومية الأفراد والمجموعات وأخيرا الدولة على المستوى الوطنى والإقليمي والمحلى.
التوسع في تهمة ازدراء الأديان
ونتيجة تنامى أعداد قضايا ازدراء الأديان للمواطنين المسيحيين، والتوسع فيها عبر السنوات الأخيرة، رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية 48 حالة ملاحقة أهلية وقضائية، منذ يناير 2011 وحتى نهاية 2013، بعض هذه الحالات اقتصر العقاب فيها على العقاب العُرفي، وبعضها تم توقيع العقاب فيها من قِبَل جهة العمل، إلا أن هناك 28 قضية نظرت فيها المحاكم خلال هذه الفترة، كما رصدت المبادرة تزايد أعداد هذه القضايا من ثلاث فقط خلال 2011 إلى 12 خلال 2012، ثم إلى 13 قضية خلال2013. وأدانت المحاكم ٢8 من 42 متهمًا، وبرأت ساحة ثلاثة متهمين ولم تقبل الدعوى بالنسبة إلى 11 متهمًا، لأنها لم ترفع من طرف مختص.
مجتمع العبث
وفى هذا السياق أكد حمدي الأسيوطي المحامي بالنقض أن ما حدث مؤخرا في الاسكندرية يعد نوعا من العبث في إطار محاولات تضييق الخناق على الحريات ومخالفة النصوص الدستورية التى تتحدث عن حقوق الانسان وحرية المعتقد، وانتهاك حقوق المسيحيين تحت دعاوى عديدة، وانه حتى الان لم يتم حل هذه الاشكالية التي تكررت أكثر من مرة في أكثر من محافظة.
شدد الأسيوطي على أن المعركة طويلة مع الدولة الفاشية، والتيارات المتطرفة، وأن قضايا ازدراء الأديان سوف تستمر ما لم تتخذ الدولة اجراءات جديدة تثبت حسن جديتها في التعامل مع مثل هذه المواقف، ويبدو أن تغريم المتهم في قضايا ازدراء الاديان 10 آلاف جنيه سيكون رسما واحدا، حيث سبق وتم تغريم مواطنين مسيحيين في المنيا بكفالة 10 آلاف جنيه في قضايا ازدراء الأديان، وهو ما يفتح الباب للضغط على الحكومة والمشرع من أجل الغاء الحبس في مثل هذه القضايا كخطوة اولية كما حدث في عقوبة اهانة الرئيس من قبل، ثم بعد ذلك النضال من أجل الغاء تهمة ازدراء الأديان.
ركز الأسيوطى أن الفقرة (و) الخاصة بازدراء الأديان تمت إضافتها لقانون لا علاقة له مُطلقاً بأي شأن ديني أو عقائدي، بل أن القانون يختص بتحديد الاتهامات المعنية بقلب نظام الحُكم، أو الإضرار بالوضع الاقتصادي للبلاد، وكل ما له علاقة بما نُطلق عليه “جرائم أمن الدولة”، أو “جرائم أمن النظام” ، ولم يتم إدراج القانون مع قوانين التعدي على الأديان، وانه منذ نشأة هذا القانون لم تطبق عقوبة الحد الأدنى سوى في حالة ألبير صابر، الذي نال عقوبة مخففة، حيث صدر عليه الحكم بالسجن لثلاث سنوات، قبل أن يغادر البلاد، أما بخلاف ذلك، فكان يتم تطبيق أقصى العقوبة، مثل حالة كريم صابر، الطالب الأزهري، وهي السجن (5) سنوات، مروراً بقضية دميانة، حيث أصدرت المحكمة عقوبتها عليها استناداً إلى أولياء الأمور المتشددين لـ (4) تلاميذ، الذين استنكروا أن تقوم دميانة بالحديث مع أولادهم في أي شأن ديني، ليصدر الحُكم بتغريم دميانة مبلغ مئة ألف جنيه، جزاء لها، وكانت التُهمة هي “ازدراء الأديان”، على الرغم من شهادة موجه عام المادة في صالح دميانة، الذي شهد بعدم حدوث أي شيء مخالف للقواعد والأعراف، وأنها لم تأت بأي تجاوز تعاقب عليه.
استمرار سياسات مبارك
على الجانب الأخر أكد منير مجاهد مؤسس جماعة مصريون ضد التمييز الديني أن ملف التمييز الدينى والفرز الطائفي مستمر ولم يتوقف، وأن سياسات الرئيس الأسبق حسنى مبارك مستمرة، ولم يحدث أى تغيير في التعامل مع قضايا حقوق الانسان وأوضاع المسيحيين بشكل خاص.
نوه الدكتور منير مجاهد أن التوسع في اتهام مواطنين مسيحيين بتهمة ازدراء الأديان، إلى جانب استمرار العمل بجلسات الصلح العرفية وتجاهل القانون، إلى جانب منع المتطرفين محاولة افتتاح كنائس مغلقة، وازدراء المسيحية في مجلة الأزهر التى تصدر رسميا عن مؤسسة الأزهر، كلها أمور تشير إلى استمرار سياسات سابقة، وعدم توفر إرادة لدى الدولة في التعامل مع الأمر بمنظور مختلف، واستمرار الفجوة بين النصوص الدستورية التى تتحدث عن المواطنة وحرية المعتقد، وبين الممارسة العملية في المجتمع.
أكد الدكتور منير مجاهد على أن ما يحدث في المجتمع حاليا هو محاولة لترويع المواطنين المسيحيين تحت مزاعم عديدة، ومنح مساحة واسعة للتيار السلفي من أجل فرض أساليبه على المجتمع، واستبدال السلفيين بالإخوان، وكأنه لم يخرج المصريون للثورة ضد أنظمة مستبدة سياسيا ودينيا في السابق.
*** ولا تزال تهمة ازدراء الأديان سيفا مسلطا على المواطنين المسيحيين، ومحاولة ترويعهم ومغازلة التيارات المتطرفة، وتجاهل النصوص الدستورية، في اشكالية لا تجد الحلول المناسبة لمواجهتها.