الدكتور صبري رجب يتحدث عن معجزة 6 ساعات في حجرة العمليات
للمرة الثالثة أحدثكم عن رحلتنا مع رجل الصعيد المتألم مخلوف خلف فمأساة هذا الرجل علي امتداد عشر سنوات يطول الحديث عنها , وصرخات آلامه تتسع لها صفحات وصفحات , فهو يواجه مشكلتين .. الأولي في الركبة والثانية في العمود الفقري , ومأساته ليست في هذا فما أكثر الذين يواجهون مشكلتين أو ثلاث أو أكثر في وقت واحد .. مشكلة وأقصد هنا مأساته أنه عاش لسنوات يتألم وهو لا يعرف مصدر آلامه .. عاش حائدا بين تشخيصات الأطباء التي اختلفت , وحتي عندما انحسرت تشخيصات الأطباء في الركبة والعمود الفقري وقع في حيرة أكبر فبمن يبدأ العلاج .. في رحلة الأسبوع الماضي توقفنا عند لقائنا مع الدكتور صبري رجب أستاذ جراحة العظام والعمود الفقري بكلية طب جامعة القاهرة .. وكان الرب قد دبر لنا هذا الطبيب البارع والذي تعامل معنا بمشاعر إنسانية فياضة بالمحبة والعطاء والنبل .. دبر الرب لنا هذا الطبيب عندما أرشدنا إليه الدكتور عماد ظريف استشاري العظام .. ولا يدرك هذا إلا من عاش قصة الآلام والعذابات التي عاشها هذا الرجل .. ولأنني واحد من هولاء فقد خرجت من مقابلتي مع الدكتور صبري أقول ما قاله بولس الرسول في رسالته إلي العبرانيين.
كنت من خلال معايشتي لآلامه التي نقلتها لنا زميلتنا باسمة وليم , ومن خلال اختلاف الأطباء في تشخيص مصدر آلامه.. كنت من خلال هذا وذاك قد دخلت أيضا في دائرة الحيرة.. يومها صرخت للرب لا نعرف آخر سواك .. واستجاب الرب.
* الدكتور صبري رجب الذي وضعه الرب في طريقنا هو واحد من أكفء أطباء مصر في هذا التخصص المحدود في فروع الطب – عظام العمود الفقري – وهو رغم أننا نلقاه للمرة الأولي فقد شعرنا منذ اللحظات الأولي لمقابلته أنه يتعايش معنا كواحد من أسرتنا التي تعمل لتخفيف آلام المتألمين ممن ليس لهم معين .. لمسنا هذا في مشاعره الطيبة , وفي مشورته وكرم تضحيته في المشاركة لإنقاذ مخلوف من عذاب الألم وقسوته وأن يعود واقفا علي رجليه , يتحرك , ويواصل مشوار حياته .. وبالدقة العملية حدثنا الدكتور صبري رجب .. فقال :
** اختناق وضيق القناة الشوكية العنقية والقطنية أدي إلي ضغط علي النخاع الشوكي بالصورة التي أوضحتها أشعة الرنين المغناطيسي وأدت إلي خلل في طريقة المشي وضعف في عضلات الأطراف وعدم التوازن وهو ما أوضحه رسم الأعصاب , والذي تسبب في عدم قدرته علي المشي وأقعده عن الحركة وأسقطه في هول الآلام , وليس أمامنا إلا التدخل الجراحي , وهي من الجراحات المعقدة التي تتم علي مراحل تبدأ بعملية لتوسيع القناة الشوكية العنقية , وبعد ثلاثة شهور يدخل المريض حجرة العمليات مرة أخري لجراحة الفقرات القطنية .. ولكن مع هذه الحالة سأخوض تجربة إجراء العمليتين في جراحة واحدة.
***
* خرجنا من مقابلة الدكتور صبري رجب نردد نفس الكلمات لا نعرف أخر سواك.. كان وجود الرب – الذي لا نعرف سواه – واضحا معنا في كل خطوة .. وفي اللحظة التي قرر فيها الدكتور صبري سرعة حضور مخلوف كان صراخه يصل إلينا في مكالمة بالمصادفة لزميلتنا في أسيوط باسمة وليم .. ومضي كل شيء بسرعة تشعرك بحق أن يد الرب تمتد معنا في كل خطوة .. في الصباح كنا نستقبل مخلوف في محطة الجيزة جاء مسنودا علي ذراع ابنه رامي واصطحبناه إلي مستشفي الكوكب بالدقي.. كان كل شيء معدا طبقا لما اتفقنا عليه .. وفي العاشرة مساء دخل حجرة العمليات ليغيب عنا 6 ساعات كاملة.. ومع خيوط الفجر خرج مخلوف ليستقر في حجرته تائها تحت تأثير البنج الذي قام بضبطه طوال ساعات الجراحة الدكتور جورج إسحاق لوزة أستاذ التخدير بطب القاهرة .. ورغم الإرهاق الذي كان واضحا علي الدكتور صبري رجب إلا أني وجدتها فرصة في هذا السكون والهدوء أن أجلس معه يحكي لي عن قصة الساعات الست التي قضاها مخلوف في حجرة العمليات .. قال لي:
بدأنا بجراحة توسيع القناة الشوكية العنقية من الخلف مع توسيع مخارج الأعصاب , ثم جراحة توسيع القناة الشوكية القطنية مع توسيع مخارج الأعصاب وتثبيت الفقرات القطنية المتزحلقة – الثالثة والرابعة- بشرائح ومسامير .. وصارت الجراحات معنا بتناغم وسهولة تندر أن تحدث في مثل هذه الجراحات الصعبة وكأننا كنا نعيش معجزة امتدت معنا طوال ساعات الجراحة .. مثلا عندما كان علينا أن نستخدم عظام لإجراء ترقيع عظمي للفقرات القطنية كان لابد من أن نلجأ إلي الحوض كما هو متبع لاستخراج كمية العظام التي نحتاجها , ولكننا رأينا – فيما يشبه المعجزة – الاستفادة من العظام الناتجة عن توسيع القناة الشوكية العنقية , ولم نحتاج إلي إجراء فتح في الحوض , مما خفف كثيرا علي المريض ولم يعرضه لهذه المخاطرة , وسيعجل أيضا بفترة تماثله للشفاء التام.
***
*أيام معدودة قضاها ابن أسيوط مخلوف خلف في ضيافة مستشفي الكوكب القاهرة ..وبعد أن ناظره الدكتور صبري رجب واطمئن علي سلامة الجرح ونجاح الجراحة سمح له بالتحرك , وكانت استجابته سريعة لما يشبه أيضا المعجزة فأذن له بالخروج .. وعاد مخلوف إلي بلدته برفقة ابنه رامي .. عاد معافا يتحرك علي قدمه في ظل ابنه الذي سار إلي جواره دون أن يستند عليه ..
اختلفت صورة العودة عن صورة المجيء .. واختلفت أيضا الكلمات .. عند مجيئه كنا نقول لا نعرف آخر سواك .. وعند عودته سمعناه يسبح أشكرك يرب .. أشكرك .. أشكرك
فيكتور سلامة