حين تنظر في ليالي رمضان وسهراتها تجد مرحاً وسعادة وروحانية دينية عالية لأن شهر رمضان له بريق بلغ الأنظار وروح تتعلق بالأبصار، هذا ما رآه الرحالة الغربيون حينما وفدوا إلى القاهرة في رمضان، فسجلوا بأروع ما يكون الحياة اليومية في مصر المحروسة من خلال المجتمعات الشرقية وما تحويه من عالم غريب حافل بالأحداث المثيرة. وحرص بعض من هؤلاء الرحالة على استئجار غرفة في أي شارع رئيسي ليتمكنوا من متابعة الاحتفال بهذا الشهر.ويتربع على القمة بين الرحالة المستشرقين البندقي ‘برناردي بريدنباخ’ الذي شهد في منتصف القرن الخامس عشر مظاهر بهجة الناس بهذا الشهر من خلال إنارة المساجد والدروب حتى أنه اندهش لكثرة ما رآه من فوانيس مختلفة الألوان والأشكال يحملها الكبار والصغار وكتب يقول:
”يوقد في ليالي رمضان والأعياد أكثر من سبعمائة قنديل ويفرش بالمساجد عشر طبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض ودق الدفوف” حتى أن برناردي تعذر عليه النوم من شدة صخب المدينة..
ولا يختلف وصف “فيلامون” الفرنسي للحياة في مصر خلال رمضان عن ما وصفه “برناردي بريد”. “فيلامون” زار مصر عام 1589م وسجل بأروع ما يكون من الوصف مواكب الصوفية التي تدور في كل مكان.. وقال عنها المقريزي “إنها تنشط الأسواق في شهر رمضان وأشهرهم سوق الشماعين بالنحاسين بخان الخليلي حيث يتجه إليه العديد من الناس الذين يشترون الشموع الموكبية التي تزن الواحدة منها عشرة أرطال.. وتحدث فيلامون أيضا عن مأدبة الإفطار التي يدعى إليها الأصدقاء. ووصف المصريين بالكرم وأعجبه أنهم يجلسون على الأرض ويأكلون في فناء مكشوف أو أمام بيوتهم ويدعون المارة إلى الطعام بصدق وحرارة.المهندس والمؤرخ “فرنسوا جومار” أحد العلماء الذين صحبهم نابليون في حملته إلى مصر سجل بقلمه أن المصريين رغم حرمانهم من الصيام فترة طويلة، إلا أنهم يحتفون بليالي رمضان بما يؤكد مكانة هذا الشهر عندهم، وبعد انتهاء الصيام كل يوم تمتلئ الأسواق والمقاهي وتظل مفتوحة حتى آذان الفجر.
ويؤكد “كلوت بك” الذي أسس أول مدرسة للطب في مصر وسجل كتابه “لمحة عامة إلى مصر” عن مظاهر شهر رمضان بأنه ليس كما كنا نعتقد في أوروبا يشهد ترفيهاً وتفرغاً للملذات بينما هو شهر الحرمان من الشهوات، ويتخذ كثير من المصريين في ليالي رمضان المقاهي مكاناً للجلوس يستمعون إلى حكايات شعراء الربابة والمنشدين، وتعد حديقة الأزبكية من الأماكن المفضلة لدى أهل المحروسة لقضاء ليالي رمضان. ومن الرحالة الأوروبيين الذين شغفوا بمصر وبأهلها المستشرق الإنجليزي الشهير ‘إدوارد لين’ الذي تأثر بعادات وتقاليد مجتمع القاهرة حتى أنه كان يشارك معهم في هذه العادات وسمى نفسه ‘منصور أفندي’ وسجل لين أدق التفاصيل في مائدة الإفطار في وصف رائع لليالي المحروسة في رمضان ولم يترك حتى المسحراتي ببندته الحلوة لأهل الحي لتسحيرهم فيقول “اصحى يا غفلان.. أسعد الله لياليك يا فلان” وكتب لين كذلك عن العشرة أيام الأخيرة حيث غالبية الناس يفضلون قضاءها في الحسين والسيدة زينب.
أما الأيرلندي ‘ريتشارد بيرتون’ الضابط بالجيش البريطاني في الهند، والذي قام برحلات استكشافية كثيرة في أفريقيا ومنها مصر عام 1853م يؤكد لنا أن أشهر الأماكن لمدفع الإفطار في شهر رمضان القلعة وقصر العباسية (سراي عباس باشا الأول).كانوا يجلجلون ضواحي القاهرة وبعدها تعم الفرحة في القاهرة كلها التي كانت صامته.ورصد “ألبرت فارمان” في يومياته الحياة السياسية والاجتماعية في نهاية عصر إسماعيل وبداية عصر توفيق حيث كان فارمان قنصلاً عاماً للولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1876م وعن انطباعاته التي سجلها عن مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في رؤية الهلال يجب أن تكون عملياً فيخرج الرجال إلي التلال العالية خلف القلعة ويتكون هذا الموكب من المحتسب وشيوخ التجار وأرباب الحرف ويحيط بهم فرق الإنشاد ودراويش الصوفية بينما يذهب آخرون إلي مسافة عدة أميال في الصحراء حيث يصفو الجو هناك لكي يروا الهلال وفور ثبوته يعلن للجميع بالبشرى ويصدر الإعلان من أصحاب المقامات الرفيعة المجتمعين في بيت القاضي.
المراجع:
* كتاب رمضان في الزمن الجميل – عرفه عبده علي
* كتاب مصر في كتابات الرحالة الفرنسيين – إلهام ذهني
* مجلة العربي2000