انطلقت بالدوحة أعمال الدورة الثانية عشرة من مُنتدى أمريكا والعالم الإسلامي الذي تنظمه مُؤسّسة بروكينجز بالتعاون مع اللجنة الدائمة لتنظيم المُؤتمرات بوزارة الخارجيّة القطرية، بحضور معالي الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية وعدد من أصحاب السعادة الشيوخ والوزراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية والمهتمين بالشأن السياسي ووسائل الإعلام العالمية.
ويبحث المُنتدى لهذا العام “الأولويّات الاستراتيجيّة للولايات المتحدة والشرق الأوسط والتعدّدية في العالم الإسلامي، ودور إيران في المنطقة، وإنهاء الحروب الأهليّة، وتطوير دور المرأة في شرقٍ أوسطٍ مضطرب، كما يركز على المسائل الراهنة التي تواجه العالم الإسلامي، وعودة الانحياز الاستراتيجي في الشرق الأوسط والانتفاضات العربيّة ومُكافحة شبكات الدعاية الخاصة بتنظيم داعش، والجهود المبذولة لمواجهة التطرّف العنيف”.
وفى كلمته بالجلسة الافتتاحية، أعرب الدكتور بروس جونز نائب الرئيس مدير برنامج السياسة الخارجية بمؤسسة بروكينجز – واشنطن عن خالص شكره للحكومة القطرية على إقامة هذا المنتدى، لافتا إلى أهمية مثل هذه اللقاءات لمعالجة المشكلات ذات الاهتمام المشترك بالنسبة للولايات المتحدة والعالم الإسلامي.
وقال “إن هذا العام يشهد الكثير من التحديات في الشرق الأوسط مثل تنظيم داعش والبرنامج النووي الإيراني ونشوء التحالفات الإقليمية والدولية”.. منوها بالتغيرات التي تشهدها المنطقة.
وأضاف الدكتور جونز “إن هناك سوء فهم كبيرا لطبيعة الاقتصاد الأمريكي باعتباره الاقتصاد المهيمن، وأنه لابد من مواكبة التطورات المتلاحقة، والعمل على تحقيق السلام والتنمية من خلال التعاون المشترك”.. مبينا أن منتدى هذا العام سيناقش بعض هذه التحديات من خلال عدد من المحاور أبرزها، استراتيجيات الولايات المتحدة والشرق الأوسط بالمنطقة، والدور الإيراني، والحروب الأهلية، ودور المرأة في شرق أوسط غير مستقر.. معربا عن أمله أن تسهم هذه المناقشات والتحليلات في حلحلة هذه المشكلات.
وفي رسالة فيديو للمجتمعين في المنتدى، قال فخامة السيد محمد أشرف غني أحمدزي رئيس جمهورية أفغانستان “ إن أفغانستان تبذل جهودا كبيرة للتحول من أرض للحروب بالوكالة إلى دولة فاعلة، لا سيما على صعيد التبادل التجاري”.. موضحا أن مثل هذا التحول لا يتطلب مجرد الإرادة فحسب، بل يحتاج إلى رؤية محددة من أجل المستقبل، مشيرا إلى وجود شراكة بين الولايات المتحدة الأميركية وأفغانستان في هذا الاتجاه.
وأضاف “إن ظاهرة التطرف والإرهاب التي باتت تشكل تحديا كبيرا في عالمنا المعاصر، بحاجة ماسة إلى النظر في الدوافع المتعلقة بالمتغيرات في بيئة هذا الإرهاب”.. مؤكدا أهمية الأخذ بعين الاعتبار ما تقوم به شبكات الإرهاب من تغيير لمواقعها، الأمر الذي يستدعي من الدول تغيير سياساتها العسكرية لمواجهة ذلك.
وقال فخامة السيد محمد أشرف غني أحمدزي رئيس جمهورية أفغانستان “إنه من الضروري تركيز الحكومات على حل مشكلات الفقر، كعلاج لتجفيف منابع الإرهاب، حيث إن الاقتصادات الهشة والضعيفة بيئة خصبة لإفراز التطرف والعنف”.. محذرا من التقليل من شأن التهديدات التي يشكلها الإرهاب والتطرف.
ونبه إلى أن تمدد تنظيم داعش يعرض المنطقة لمخاطر جمة، خاصة في ظل التوسع في استخدام التقنيات العصرية والمنصات الافتراضية..وقال “إن مواجهة الإرهاب والتطرف بحاجة إلى تضافر جميع الجهود على مختلف المستويات الإقليمية والدولية، مشددا على أهمية مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الأمر.
من جانبه، استهل السيد محسن مرزوق، وزير الشؤون السياسية، ومستشار رئيس الجمهورية التونسية، كلمته بالحديث عن الزيارة الأخيرة للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى واشنطن، قائلا “إنها أدت إلى رفع مستوى العلاقات التاريخية بين البلدين، في إطار ما ينبغي أن تكون عليه”.
وتحدث مرزوق بإسهاب عن التجربة التونسية نحو الديمقراطية بعد ثورة الياسمين، قائلا “إن تونس بتجربتها الديمقراطية تعتبر نفسها عضوا كامل الحقوق في نادي الديمقراطيات العالمية، ما يشكل كسرا لفكرة أن العرب والمسلمين لا ينفعون للديمقراطية”، معترفا في الوقت ذاته بأن ذلك يتقاطع مع انتشار العنف في المنطقة، حيث تبدو الأخبار السيئة من عالمنا هي المهيمنة على الإعلام.
وأضاف “لقد أصبحنا نسمع عن الاستثناء التونسي في هذا العالم، لكن نحن لسنا مرتاحين لأن نكون استثناء، ونفضل الحديث عن تجربة تونسية لا نريد تصديرها شرقا ولا غربا”.
وتابع “نحن نشترك مع الدول العربية في القلق من انتشار العنف والإرهاب الذي يقوض الديمقراطية والسلم في العالم”.. وفسر خصوصية التجربة التونسية بقوله:” التجربة السياسية التونسية هي التوازن بين الاستحقاقات السياسية والتوافقات والتفاهمات، رغم تأرجح المصادمات الهويتية، لكن المنطق السياسي العام اتجه نحو البراغماتية”.
وأضاف:”الانتخابات أفرزت تفاهما وتوافقا أدى لتقاسم السلطة”، مبرزا أن الواقع السياسي التونسي يتلخص في أن “هناك تيارا ذا أفق علماني، وآخر ذا أفق محافظ، والحل في تعايش الطرفين ضمن لعبة ديمقراطية”.
وبين مرزوق أن الرهان المستقبلي للنظام التونسي يتمثل في ضرورة تحقيق الانطلاقة الاقتصادية، وتلبية مطالب مجتمع عاش الحرية ويطالب بحقوقه، معتبرا أن التحدي السياسي مهما كان مهما، فالتحدي الاقتصادي أشد حضورا”.
وعلق بقوله: “أمام الحرية الاجتماعية.. فنحن في تونس نستعد لثورة ثانية هادئة، وطويلة المدى، شعارها الإصلاحات، سيقودها شباب قاد الثورة التونسية”.
وعن تحدي الإرهاب الذي يشغل العالم، ومنها تونس، قال المستشار السياسي للرئيس التونسي:” محاربة الإرهاب تحد لا يكون بالحلول الأمنية، بل بمواصلة الاستقرار السياسي والإصلاحات الاقتصادية”.
وتطرق الوزير التونسي للحديث عن الوضع في الجارة ليبيا، قائلا:” في ليبيا نقول إن الحل السياسي هو الحل في إطار مساعي المنظومة الدولية، وتونس تفتح ذراعيها للأشقاء الليبيين دون شرط سياسي.. فالحرب على الإرهاب مصلحة مشتركة بين تونس وليبيا.. وهناك مصالح مشتركة بين تونس وليبيا، ولا بد أن تتواصل لأن التبادل الاقتصادي كان دوما أساس الحياة”.
وناقشت الجلسة العامة الأولى لمنتدى أمريكا والعالم الإسلامي الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة والشرق الأوسط، حيث أدارها السيد تمارا كوفمان ويتيز المدير وزميل أول مركز سياسة الشرق الأوسط مؤسس بروكينجز واشنطن، وتحدث فيها الدكتور كولن كال مستشار الأمن القومي لدى نائب الرئيس الأمريكي والسفير مروان المعشر من مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي والسيد أيمن محيي الدين من مراسل شبكة “إن بي سي”.
وأكد الدكتور كولن كال مستشار الأمن القومي لدى نائب الرئيس الأمريكي التزام الولايات المتحدة الأمريكية بأمن الخليج ومواجهة أي تهديدات طارئة، مشيرا الى ان برنامج ايران النووي سيبقى تحت مراقبة المجتمع الدولي.
وقال “التزامنا بتعزيز أمن شركائنا في الخليج أمر تم حسمه، إلى جانب التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وإعادة الاستقرار إلى المنطقة ومواجهة التهديدات الطارئة”.
وتحدث كال عن إمكانية الوصول إلى اتفاقٍ شامل مع إيران بشأن الملف النووي، وتأثيرات اتفاق مماثل على الاستقرار الإقليمي.. مشددا في الوقت ذاته على عمق التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول الخليج.
وأضاف “إنه في حالة تعرض دول الخليج لتهديد فإن الولايات المتحدة ستدرس استخدام القوة العسكرية للدفاع عنها وهي ملتزمة بذلك”.. لافتا إلى أن “هناك اهتماما كبيرا في دول مجلس التعاون الخليجي بالإجراءات التي تتخذها إيران لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وهذه ستكون فرصة على حدّ سواء لمراجعة وضع المفاوضات، فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، ولكن أيضا لمراجعة جهودنا للتصدّي لتلك الأعمال، التي تزعزع الاستقرار في بلدان مختلفة في جميع أنحاء المنطقة”.
وقال مستشار الأمن القومي لدى نائب الرئيس الأمريكي “إن من بين القضايا العسكرية التي نناقشها مع شركائنا في دول مجلس التعاون الخليجي نظم الإنذار المبكر، ودمج الدفاعات الجوية والصاروخية، وسبل تحسين الأمن البحري، وتحسين حماية البنية التحتية، ومواجهة الهجمات الإلكترونية عبر الإنترنت، وتوسيع التعاون الاستخباراتي، ومواجهة التهديدات الإرهابية في المنطقة، إضافة إلى الاتفاق على مزيد من التدريبات العسكرية المشتركة والمناورات”.
وحول المسألة السورية، قال كال “إن الرئيس باراك أوباما وزعماء دول الخليج العربية سيبحثون الاستراتيجيات الخاصة بسوريا”.. مؤكدا أن البيت الأبيض لا يمانع من تقييم خيار فرض منطقة حظر طيران للمساعدة في إنهاء الصراع السوري لكنه قال “ إن الإجراء لا ينظر إليه باعتباره وسيلة ناجعة للتعامل مع القتال في المناطق الحضرية”.
وأضاف “أن البيت الأبيض لم يتحقق بشكل مستقل من تقارير جديدة عن استخدام أسلحة كيميائية في سوريا”.. مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تعمل مع المجتمع الدولي للتحقيق في تقارير عن استخدام غاز الكلور في قنابل لها تأثير اسلحة كيميائية في سوريا.
وفى الملف الفلسطيني، قال “إن الولايات المتحدة ما زالت مقتنعة بأن حل الدولتين الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب مع اسرائيل، يعد الحل الامثل لتحقيق السلام في الشرق الاوسط”، معبرا عن اعتقاده بأن حل الدولتين هو أيضا الافضل لأمن اسرائيل على المدى الطويل”.
من جانبه، تحدث أيمن محيي الدين مراسل شبكة إن بي سي عن نمو ظاهرة الإرهاب في المنطقة، معتبرا أن السبب الرئيسي في تفشيها هو “حالة الركود السياسي والاقتصادي وغياب أي إصلاحات حقيقية من قبل الحكومات وأن كثيرا من الشباب يضطرون في النهاية للجوء إلى تلك المنظمات مثل داعش وغيرها بحثا عن حلول لتلك المشاكل”.
وحول الوضع في غزة، أوضح أن إحصاءات البنك الدولي أشارت إلى أن الاقتصاد في غزة منهار وهو ما يتسبب في زيادة معاناة الشعب الفلسطيني هناك.. مشددا على ضرورة تقديم الدعم بجميع صوره لغزة حتى لا يتحول الوضع إلى كارثة مستقبلية.