150 عاماً …والطابع المصرى مسافراً عبر تاريخ مصر
· قصة الرجل الذى حرمه الملك فاروق من البكويه بسبب طابع
· الملك فاروق أول هاوى لجمع الطوابع فى افريقيا ومصر
· جمعية هواة البريد تُمول ذاتيا وتجهز لاحتفالات عالمية
بجانب المعابد والوثائق والآثار… يقف ليوثق ويروى الإنجازات والأحداث التى مرت بها البلاد ليصبح مرآة لتاريخ مصر الحديثة … إنه” طابع البريد”… ولكل طابع هدف وقصة ورائه … تكريم شخصيات وتدوين قصص والإحتفال بذكريات وتخليد مناسبات لنحتفل اليوم بمرور 150 عاماً على تأسيس هيئة البريد المصرى فى إحتفال ضخم تقييمه الجمعية المصرية لهواة طوابع البريد وبرعاية من جامعة الدول العربية ووزارة الإتصالات والآثار وهيئة البريد المصرى تحت عنوان المعرض الإقليمى الثانى لطوابع البريد ودُعيت اليه العديد من الدول العربية… ولهذا كان لنا هذا الحوار مع المهندس “شريف سمرة” حول الشاهد الصغير وأسرار وحكايات يرويها لأول مرة ….
·فى البداية نود أن نلقى الضوء على دور وريادة مصر فى مجال إنشاء البريد
يعود تاريخ المؤسسة البريدية المصرية إلى العصر الفرعوني أى منذ حوالي 2000 عام قبل الميلاد، وذلك لتوصيل الرسائل والمراسيم وكان يقوم بها «رجال بريد » سيراً على الأقدام أو بواسطة القوارب، وبطبيعة الحال كانت هذه الوسيلة تأخذ وقتاً طويلاً لتصل الرسالة إلى غايتها .. ومع التطور الزمنى أُستخدمت الخيل فى توصيل البريد فى العصريين الروماني و البيزنطي، ومع حلول الحكم الإسلامي في مصر تم إنشاء أبراج مزودة بلوحات عاكسة للضوء تنقل رسائل مُشفرة، وهي وسيلة استخدمها سلاطين العصر المملوكي إضافة إلى إشعال النيران على قمم الجبال وإستخدامهم للحمام الزاجل في حمل الرسائل، وكان هو أساس النظام البريدى القائم وقتها والذى أخذ شكل إدارة حكومية عرفت ب “ديوان البريد” فى عهد محمد على …ومع التطور البريدى وزيادة السكان أصبحت الخدمات البريدية مطلوبة بشدة وتبين أنها تجارة مُربحة خاصة للمراسلات الدولية، ففي عام ١٨٣١ بدأت القوى الأجنبية في إنشاء مكاتب بريد في مصر، وكانت تستخدم طوابعها الخاصة بها بل وأساطيلها لنقل البريد .. ومن أشهر الشركات وقتها في الفترة من 1837 حتى 1860 شركة «توماس واجهورن » و «صامويل شيبرد » و «بريجز و شركاه ». وحين أدرك محمد علي القدرة التجارية الكبرى لدى خدمة البريد للعملاء المصريين والأجانب الذين يعيشون في مصر، أسس الشركة المصرية للترانزيت التي قامت بدورها بشراء شركة “واجهورن”.
وفي عام 1840 قام رجل أعمال إيطالي شاب يدعى «كارلو مراتّ » بتأسيس شركة خدمات بريدية خاصة لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من المهاجرين الأجانب في مصر. كان مقر الشركة بالإسكندرية وكانت تقدم خدماتها في جميع أنحاء مصر و في أوروبا. بعد بضع سنوات توفى كارلو ..فورث الشركة ابن أخته «تيتو كيني » و أشرك معه صديقه «جياكومو موتي » ليقوما سوياً بتطوير وتكبير الخدمة، و أطلقا على الشركة اسم «بوستا يوروبيا » أو «البوسطة الأوروبية»، ونجحت الشركة فى الحصول على عقد مدته خمس سنوات لإسخدام القطارات فى توصيل البريد بين القاهرة والاسكندرية ومع تمديد السكة الحديدية أنشأت الشركة مكاتب جديدة وأصدر الوالى سعيد مرسوم أعفى بمقتضاه البوسطة الاوربية من رسوم إستخدام القطارات فى مقابل أن تتولى الشركة توصيل البريد الحكومى مجانا.
وكيف تم تمصير البريد؟
أدرك الخديوى إسماعيل أهمية الخدمة البريدية فأعطى تعليماته للمرفي الفرنسي «ديرفيو » بشراء الشركة ونقل ملكيتها للدولة و تعين «موتي » مديراً عاماً لها و منحه لقب «بيك » و تغير اسم الشركة لـ “بوست إيجيسيان” أو “البوسطة المصرية”، وتم إختيار يوم إتمام شراء الشركة اليوم الثاني من يناير 1865 ، ليكون «يوم البوسطة » المصري.
أما عن صدور أول طابع بريدى فى مصر يقول لنا عاشق الطوابع د. شريف
أول طابع بريد صدر في يناير 1866 وكان عبارة عن سبعة طوابع بسبعة ألوان وسبع قيم مختلفة تحمل زخارف زهرية و كتابة باللغة التركية العثمانية. وقد تمت طباعة هذه المجموعة في دار «الأخوان بي اس » بإيطاليا وكانت العلامة المائية المستخدمة هي الهرم وأعلاه الشمس. وتلى ذلك طباعة عدة مجموعات مختلفة تحمل جميعها صورة ابو الهول والاهرامات حيث طبعت المجموعة الثانية في دار «برناسوس » بالإسكندرية عام ١٨٦٧ – ١٨٦٩ وتلاها طبع المجموعة الثالثة بالمطابع الاميرية ببولاق عام ١٨٧٢ – ١٨٧٥ ثم بدأ إستخدام تصميمات جديدة وطبعت بدار «هريسون » بلندن. وتم إنشاء مكاتب بريد مصرية في عدة مدن أجنبية. وفي ديسمبر 1865 أصدرت وزارة المالية اللائحة الخاصة بتنظيم أعمال البريد والتي نصت على أن يكون نقل الرسائل وإصدار طوابع البريد إحتكارًا للحكومة المصرية، وفي 1876 مُنِح كل موظف بريد كسوتين إحداهما للعمل و الأخرى للحفلات الرسمية و التشريفات.
أما عن سيادة البوسطة المصرية ودور مصر فى تأسيس البريد العالمى يواصل د. شريف حديثه
في 1874 شاركت مصر في إجتماع تأسيس الإتحاد العام للبريد في مدينة برن التي تضمن لكل بلد الإحتفاظ بالأموال التي تجمعها من البريد الدولي وتحدد أسعار ثابتة للتعاملات البريدية في جميع أنحاء العالم. وأعترفت هذه الإتفاقية – التي أُعيد تسميتها في 1878 بالإتحاد الدولي للبريد – بسيادة البوسطة المصرية.
في هذه الأثناء كان تم نقل تابعية مصلحة البريد من نظارة الأشغال إلى ديوان عموم المالية في 1865 ثم نظارة الحقانية في 1875 ثم نظارة الداخلية في 1876 قبل أن يتم إلحاقها بوزارة النقل عام 1919
حدثنا عن رواد ومحبى جمع الطوابع فى مصر…
أصبح لطوابع البريد عُشاق ومحبى لجمعه وإقتنائه وتصل بالبعض لدرجة الشغف …فتأسست الجمعية المصرية فى القاهرة عام 1929 بهدف الإرتقاء بشأن الهواية وتسهيل التعارف بين الهواة والمشاركة فى جميع المعارض الإقليمية والدولية، والجمعية عضو فى إتحادى البريد الأوربى والدولى.وكان المقر فى البداية فى الإسكندرية ثم إنتقل إلى القاهرة بداية فى شارع 18 نمر بوسط البلد عام 1930 حتى إنتقل إلى 47 ش الملكة فريدة سابقاً- عبد الخالق ثروت حاليًا- عام 1949وتم إشهار الجمعية فى 1964.
ومن أهم الرواد جورج خياط فهو كان أول رئيس للجمعية ومن الاسم يتضح أنه أصله ربما يكون شامى ووتلاه جورج بولند ثم بدأ التمصير فجاء ابراهيم شفتر وهو رجل مصرى كان يعمل بمصنع السكر بنجع حمادى وكان من أحد رواد هواة جمع الطوابع وتلاه أحمد مظلوم باشا .. وفى هذه الأوقات لم يكن يُفرق بين الأجنبى والمصرى فمن عاش على أرض مصر كان مصريًا.. كما كان من أهم الرواد الملك فؤاد والملك فاروق وهنا يذكر كتاب who? who in Philately الصادر عام 1937 والذى قام بإحصاء هوأة جمع الطوابع على مستوى العالم أن الملك فاروق جاء فى الأول فى مقدمة محبى جمع الطوابع فى أفريقيا ومصر، وجدير بالذكر أن الملك فاروق افتتح أول معرض للطوابع في العالم العربي في الفترة من 28 فبراير حتى 8 مارس 1946 بمقر الجمعية الزراعية الملكية إحتفالاً بمرور 80 عاماً على إصدار أول طابع بريد مصري. كان ضمن المشاركين السيد «إم. آل رت سيسنس » و السيدة «جارسيا ويزا » و الكابتن «دوج اس ماكنيل » و السيدة «مير جابريل بولاد »، و أصدر البريد المصري بهذه المناسبة أربعة طوابع بريد وبطاقة تذكارية.
.ما القصة التى كادت أن تقصف بالجمعية
… لشفتر قصة مع الملك فاروق كادت أن تعصف بالجمعية حيث إن كلاهما من هوأة جمع الطوابع بشدة وفيما كان يسافر شفتر إلى لندن تصادف أثناء وجوده فى شارع ستراند وهذا الشارع وقتها كان ملئ بمحال بيع الطوابع البريدية، وبينما ينظر إلى مراة أحد المحال رأى طابع من سنة 1872 مقلوب غلطة ولأنه كان يهوى الطوابع بشدة ودرسها جيداً فكان يعلم أن هذا الطابع لا يوجد منه سوى نسختين احدهما عند ملكة انجلترا والأخرى التى رأها بعينه .. فلم يصدق نفسه ودخل للتفاوض عليها وبالفعل اشتراها وقتها ب 50 ج استرلينى وهو رقم مذهل وقتها ورجع بالطابع إلى القاهرة فعرف الملك فاروق وأرسل له واحداً من الخاصة الملكية يقول له مولانا يريد هذا الطابع وسوف يعوضك أضعاف ما دفعته فرفض… وكان هذا الأمر غير مألوف وشجاع من شفتر فكان أن حرمه الملك من البكويه من أجل هذا الطابع … والبعض يرى ان الملك لم يخطئ لان شفتر بيه عند شراءه للطابع قال له البائع إن هذه النسخة محجوزة للملك فاروق إلا أن ولعه الشديد بالطوابع جعله يكذب ويقول انه جاء من طرف الملك فاروق ليحصل على هذا الطابع… وبهذا كاد أن يتسبب الطابع فى أزمة سياسية.
قلت فى البداية ان الطوابع تعد تجسيداً وشاهداً لتاريخ مصر كيف يكون ذلك…
فى سرعة أجاب رئيس الجمعية المصرية لهوأة طوابع البريد: بالتأكيد هى كذلك فنجد أن الطابع التذكارى صار جزءاً من تثبيت الهوية والإحتفال فعند تنصيب السلطان احمد فؤاد كملك عام 1922 والاحتفال باستقلال مصر تم إصدار مجموعتين من الطوابع التي تحمل صورة الملك، وظهرت تنويعات منها حتى 1937 .
كما قامت مصلحة البريد بإصدار مجموعة من الطوابع للملك فؤاد، كما اهتمت المؤسسة بتوثيق المعاهدة المصرية البريطانية فى اغسطس 1936 باصدار مجموعة من الطوابع التذكارية بهذه المناسبة. فى هذه الحقبة الزمنية يظهر إهتمام شديد بظهور العائلة المالكة فى طوابع البريد ، فيظهر الملك فى صورة رجل العائلة كما صدر طابع للامير فاروق بمناسبة مرور تسع سنوات على ميلاده، ومجموعة أخرى من الطوابع التذكارية بمناسبة العرس الملكى الجليل. كما تظهر الأميرة فريال بمناسبة مرور 18 شهرًا على ميلادها كنموذج للاطفال فى الاحتفالات بعيد الطفل. كما ظهر الخديوى اسماعيل فى ذكرى وفاته الخمسين، والملك فؤاد فى ذكرى العام الثامن من وفاته. كما أصدرت هيئة البريد مجموعة من الطوابع التذكارية بمناسبة عقد قران الملك فاروق على الملكة ناريمان فى 1951.
وفى الناحية السياسية يجسد طابع البريد الأحداث المهمة فصدر طابع تذكارى بمناسبة الجلاء سنة 1946 كما انه بعد مرور عام على ثورة 32 يوليو 1952 اتجهت الأنظار إلى الطوابع حيث إنها تعكس أيديولجيات مختلفة عن الفترة السابقة فظهر الطابع البريدى ليرسخ قيم الثورة وبلورة الشخصية المصرية الحديثة وظهر الطابع يعكس الفلاح يحمل الفأس والعامل والجندى يحمل البندقية .
حدثنا عن أنواع الطوابع
يمكن تصنيف طوابع البريد المصرية لعدة أقسام منها طوابع الإستعمال العادي وطوابع البريد الجوي والسريع، والطوابع الحكومية، وطوابع الجيش، والطوابع المستحقة والطوابع التذكارية بالإضافة إلى المستلزمات الورقية البريدية. يحكي كل قسم من هذه الأقسام قصة من قصص تاريخ مصر الغني وبتجميعهم معاً نحصل على سرد وتوثيق للتاريخ السياسي والإجتماعي .
طوابع الإستعمال العادي هي طوابع تهدف إلى تلبية الإحتياجات البريدية اليومية للمواطنين. يتم إصدارها بشكل منتظم لتُباع في مكاتب البريد وتُستخدم لفترات زمنية طويلة كما تُطبع بكميات كبيرة، عادةً على أفرخ ورق، و تكون تصميماتها بسيطة. تم إصدار أول مجموعة طوابع استعمال عادي في مصر عام 1866 وحملت جميعها تصميمات أرابيسك بتركيبات مختلفة.
أما طوابع البريد الجوى فهى تذكر قصة خدمة مميزة ظهرت فى مصر فى أوائل القرن العشرين، وهى توصيل البريد بأسرع وسيلة بإستخدام الطائرات. وظهر أول استخدام للطائرات فى توصيل الرسائل مع الاحتفال بمؤتمر الطيران فى سنة 1910.
أما أول طابع للبريد السريع فصمم على شكل رجل البريد على دراجة بخارية حيث ظهرت عبارة « بريد سريع ». هذا الطابع الذي استمر متداولاً لفترة طويلة وأعيدت طباعته عدة مرات، وفى عام 1951 ختم بملك مصر والسودان ، وتم طباعته مجددا بعد ثورة 1952 .
الطوابع الحكومية هى طوابع خاصة بالحكومة صادرة لاستخدام الجهات الحكومية فقط وليست للتداول العام. وقد ظهرت الطوابع الحكومية فى مصر فى نهاية القرن التاسع عشر.