انهيار عصبى، حالات اغماء، قلق، توتر، قلة نوم، خوف، رفع درجة الاستعداد فى البيوت. هذه ملامح بسيطة مما يحدث أثناء إمتحانات الثانوية العامة.. فهل الأمر يستدعي ذلك؟! كان لوطني نت لقاءات مع كل أطراف القضية لنرى الصورة كاملة.
طلبة الثانوية العامة: “نفسي أخلص من هذا الكابوس”
” نفسى أخلص وأنام بعمق “…قالها رامى مجدي – طالب بالثانوية العامة، أنه قلق جداً ويتمنى أن يغمض عينه ويفتحها ويجد نفسه قد انتهى من هذا الكابوس ودخل إلى الكلية التي طالما حلم بها، فهو أرهق جداً ويتمنى أن ينام بعمق دون أن يشعر أن شىء يطارده للاستيقاظ .
وذكرت ماريز كيرلس – طالبة في الثانوية العامة أيضاً، أنها تتمنى أن يمر اليوم على خير لأنها تخشى من هذه المادة ولم تنام منذ ثلاث أيام، وقالت بتهكم …. :” أنا نفسى بس أخلص علشان أخلص من زن ماما مش أكتر من كده ” .
ووسط بكاء وتقليب ياسمين مصطفى فى بعض الورق.. استطعت أن ألتقط بعض كلماتها حيث قالت ” أنا مش عارفه لو محلتش كويس النهارة كمان ممكن أعمل ايه … أنا حاسه إني ناسيه كل حاجة ” .
بينما أعرب بيتر مهاب، عن ثقته في الله أنه سيدبر كل شىء حسن له وأنه قد فعل كل ما في وسعه طوال العام وينتظر يد الله لتسانده اليوم ..
الأمهات .. ” ننتظر حصاد السنين “
وعند سؤالي أحد الأمهات عن سبب ارتباكها وانتظارها طوال هذا الوقت أمام المدرسة، قالت أنها في انتظار حصاد السنين وحلم العمر الذي لم تستطيع تحقيقه هي لنفسها وترجوه من أبنها..
والآباء في الإنتظار أيضا .. “كأن البيت في حالة حرب”
وذكر مرتضى كمال – والد أحد الطلاب، أن هذا العام يعتبر من أصعب السنين التي مرت عليه حيث كان البيت وكأن كله في حالة حرب وتأهب لمجابهة عدو، بالأضافة لإنفاقه ما يقرب من من عشرين ألاف جنيه على الدروس الخصوصية .
الطب النفسى يقول كلمته ويعطينا نصائحه :
وأوضح الدكتور سعيد عبد العظيم – أستاذ الطب النفسى بكلية الطب جامعة القاهرة، أن هناك فرق بين طالب وآخر من طلبة الثانوية العامة، فالطالب المجتهد منذ بداية العام بالتأكيد لا تحدث له أثناء الامتحانات أعراض مثل الإنهيار العصبي أو الاغماء أو ما أشبه ذلك . أما الطالب الذي يظل منذ بداية السنة الدراسية يؤجل ويؤجل المذاكرة ويعتقد أنه سيستطيع الإلمام بالمنهج كله في الشهر الأخير، فيفاجأ بالعكس.. وتكون النتيجة أنه يداوم السهر ليلاً نهاراً ولا يهتم بأخذ قسطاً كافياً من النوم والأكل فيصاب بالإرهاق الشديد والقلق المستمر. .
وأضاف عبد العظيم، أن هناك نوع آخر من الطلبة تجد الواحد منهم مستعد ومذاكر تماماً لكن تحدث له أيضاً أعراض الخوف والقلق والأنهيارات العصبية.. وهذا النوع يكون ذو طبيعة قلوقة من الأساس.. فعلى هذا النوع من الطلبه أن يعمل على نفسه جيداً ويأخذ قسطاً كافياً من النوم ويخرج للتنزه ويقرأ أشياء خارج المنهج سواء روايات أو أى شئ يستهويه، ويداوم على عمل تدريبات التفس؛ أي يأخذ نفس ببطء وينتظر دقيقة ثم يخرجه ويكرر هذا الأمر عدة مرات.. وهناك أيضا بعض تدريبات الإسترخاء العضلى؛ فيستلقي على الأرض ويجعل عضلات جسمه تسترخي ولا يفكر في أي شىء.. بالإضافة للمشي نصف ساعة يومياً. ويجب أن يذاكر وهو غير قلق، فيجري فقط بعض المراجعة للتلخيصات التي كان قد أعدها من قبل ويحل بعض الإمتحانات .
وأكمل عبد العظيم، أنه يوجد نوع ثالث من الطلبة وهو متبلد لا يقلق على الإطلاق ولا يفرق معه النجاح من الرسوب.. فهو لا يتأثر ولا تظهر عليه علامات لأي شىء قبل الإمتحان، وفي غالب الأحيان تجده مبسوط ومبتسم طول الوقت، ويجيب بإهمال في الإمتحانات، وهو غير معنى بالأمر على الإطلاق، وغالباً ما يحصل على درجات قليلة أو يرسب .
وأكد عبد العظيم، على أن الطالب المتوسط المستوى والغير ملم بالمنهج كله ألا يحاول ليلة الإمتحان أن يذاكر أشياء جديدة لم يذاكرها ويترك ما ذاكره من قبل، بل عليه مراجعة ما ذاكره ثم إن فاض شىء من الوقت أن ينظر نظرة عابرة على الأشياء الجديدة .
كما نصح بالبُعد عن المنبهات ليلة الإمتحان كالشاي والقهوة والأقراص التي تجعل الطالب يقاوم النوم ، لأن عدم أخذ قسطاً كافياً من النوم يؤدي إلى تشويش الفكر ولا يستطيع الطالب أثناء أداء الإمتحان أن يتذكر أي شىء مما ذاكره من قبل لأن النوم يثبت المعلومة.
كما ينصح عبد العظيم الأهل بتوفير الجو الملائم للمذاكرة عن طريق اغلاق أجهزه التلفزيون وعدم إستقبال ضيوف في المنزل في أوقات الإمتحانات .
وقالت ماري رمسيس – الباحثة والكاتبة التربوية، أن على الأب والأم أن يعرفا أن البيت في مرحلة أمتحانات الثانوية العامة مقبل على مرحلة حرجة وأن يتمتعا بقدره على الحوار والحب والدفىء والبُعد على جعل الثانوية العامة كشبح يطارد الابن ويحدد مصيره ويجب أن يحصل على المجموع الفلاني لكي يدخل الكلية الفلانية.. .
وأضافت رمسيس، أن التشجيع يعطي حافز غير عادي للمذاكرة وحب للمستقبل ويرفع مستوى الصحة النفسية ويعلي من نسبة الذكاء، فذكاء متوسط مع حب ورعاية وتشجيع يساوي ذكاء مرتفع، وذكاء مرتفع مع صراع ومشكلات يساوي ذكاء منخفض.. لذلك يجب أن تعرف كل أم أن دورها الأساسي في أمتحانات الثانوية العامة هو التشجيع المستمر وإعطاء الثقة بالنفس لأن كلمات التشجيع لا ترجع فارغة أبداً .
منظومة الثانوية العامة مشوهه والمناهج لا تدعو للتفكير والتأمل:
و قال الدكتور كمال مغيث – الخبير التربوي، أنه يرى أن منظومة التعليم الثانوي منظومة مشوهه وضعيفه للغاية ولا تمت للأدامية بصلة، والمسئول الأول عن ذلك هي الدولة، فلا يوجد طالب لا يريد النجاح ودخول الجامعة. إن المسئول هو الذي يضع الإطار والقانون والنظام بشكل أساسي .. وقد أرجع المغيث الخلل الموجود فى منظومة الثانوية العامة إلى عشرات السياسات الخاطئة والأسباب ومن أهمها:
أن الدولة قد أدارت للتعليم ظهرها وتركت الطلاب فى مدارس غير أدمية وفصول غير أدمية تحوي أعداداً كبيرة من الطلبة من المستحيل أن يحدث تفاعل ايجابي بينهم وبين معلمهم .
وكذلك المناهج سيئة للغاية حيث أنها لا تدعو للتفكير ولا للتأمل و لا تخلق تعاون بين الطلبة ولا تجعلهم يعيشون حياة مدرسية جميلة، بل قائمة على أن يجب أن يكون هناك تنافس يصل إلى الصراع، ويدخل فيه من له قدرة أكثر على الدفع وقدرة أفضل على الغش وقدرة أحسن على تحمل تهديد المعلمين . وينتهي الأمر بنا إلى ما نحن عليه الآن من محاولات انتحار للطلبة .
وعن شكل إمتحانات الثانوية العامة قال المغيث، أنه منحط .. فلا يوجد إمتحان في أي دولة من دول العالم قائم على المعلومات فقط، و يتم خلال ساعتين فقط، في كراسة اجابة واحدة فقط.. فالطالب يقيم في نظم التعليم المحترمة على قدرته على الرجوع للمراجع ومهارت الاتصال والتعبير والقدرة على الكتابة بطريقة مقنعة والقدرة على التعاون مع الزملاء من خلال مشاريع خلال العام الدراسي .. إلخ كل منها لها درجة ويسهل تقييمها.
ويقترح المغيث، أن يتم إمتحان الثانوية العامة على مراحل خلال العام حتى نقلل الضغط على الطلبة وأسرهم ونشجعهم على المذاكرة أول بأول .
المجتمع هو المتهم الأول لتضخيم حجم الثانوية العامة
وعلى الجانب الآخر ذكر د/ عبد الرؤوف الضبع – أستاذ علم الإجتماع جامعة سوهاج، أننا أعطينا الثانوية العامة شحن عاطفي وشحن عصبي بما لا يتناسب معها كسنة من سنوات الدراسة التي تؤهل لدخول الجامعة.. فالمجتمع هو المتهم الأول لتضخيم حجم الثانوية العامة، فلا توجد دولة في العالم تحدث “ربكة ” الثانوية العامة مثل مصر ، حيث تكون الأسرة كلها مشدودة الأعصاب طوال السنة وتبزل قصارى جهدها من حيث إنفاق المال على الدروس الخصوصية ورفع درجة الإستعداد بالمنزل، كذلك المدرسين يكونوا على أهبة الاستعداد ، فينعكس كل ذلك بدوره على نفسية الطالب وسلامه ويسبب له رهبة وفزع .
سياسة القبول بالجامعات وتغيير ثقافة المجتمع:
ونوه الضبع، على ضرورة إعادة النظر في سياسة القبول بالجامعات والتركيز على المهن التي تحتاجها البلد في التنمية. وكذلك يجب أن يتم تغيير ثقافة الناس في المجتمع حيث أنهم ينظرون إلى الثانوية العامة على أنها الطريق إلى كليات القمة فقط، والذى لا يستطيع من خلالها الوصول إلى إحدى كليات القمة يكون قد ضل الطريق.. مع التقليل والتحقير للطلاب الحاصلين على مجموع يؤهلهم لكليات المرحلة الثانية والثالثة و إعتبارهم أنهم سيكونون مواطنون من الدرجة الثانية، ففي المجتمعات الصناعية الكبرى لا يوجد فرق بين ميكانيكي السيارات و آخر طبيب، ففي نهاية اليوم قد نجد الإثنين على طاولة واحدة في أحد المقاهي فلا يستطيع الناظر التفرقة بين مظهر هذا وذاك .
وأضاف الضبع، أن المجتمع المصري لا يريد التحرر من فكرة تقسيم البشر إلى طبقات من حيث المهن، فمازال يحتقر العمل اليدوي والحرفي متجاهلاً مدى الكفاءة واحتياج المجتمع له.
وأكثر عامل يسهم في حدوث هذا التقسيم والتفرقه هو الإعلام المصري حيث تصور الدراما المصرية الطبيب والمهندس والمحامي بصورة مختلفة عن العامل في مصنع أو الطباخ أو السباك .