أصدر القمص سرجيوس المعروف ببطل الوحدة الوطنية وخطيب ثورة 1919 فى عام 1912 مجلته الثورية الإصلاحية “المنارة المرقسية” وكتب فى مقالها الافتتاحى سبب صدورها وهو : ” أنتقاد الأمور الداخلية وتقويم الاعوجاج الذى سرى فينا والضرب على العادات التى أضلت الشعب وأفسدت ما توارثناه من السلف الصالح..” .
ووعد القراء فى العدد الأول أن لا يحيد عن الحق تحت أي إغراء، وأنه لا تهديد يستطيع تقييد هذا القلم كما لن يستطع أن يكمم هذا اللسان، وتناقلت الصحف المصرية والسودانية مقالات القمص سرجيوس فاعتبروه زعيماً إصلاحياً ومعارضاً قوياً للأوضاع البالية والأنماط التقليدية، فثارت ضده الرئاسة الدينية وطالبت بمحاكمته إلا أن شعب السودان ظل متمسكاً به، فما كان من الرئاسة الدينية إلا أن طالبت أثناء محاكمته بتوقيعه على إقرار كتابى يعترف فيه بخطئه للعفو عنه ، غير أنه رفض وأصر على موقفه قائلاً عبارته المشهورة: “أريد عدلاً لا عفواً ” .
وفى عام 1930 استبدلت المنارة المرقسية التى كانت تصدر فى السودان بالمنارة المصرية والتى ظلت تصدر أسبوعياً دفاعاً عن العقيدة، مواجهة كل من يحاول العبث بالوحدة الوطنية، فكتب عن المجلة ألبرت يوسف من طائفة الروم الكاثوليك فى مايو 1950 “ذاكراً أنها مدافعة عن حقوق جميع المسيحيين بمختلف طوائفهم، ساعية لتوحيد جميع صفوفهم بعد أن تألمت النفس من الجرح الذى أُحدث فى جسد الرب يسوع المسيح من جراء الانقسام مستشهداً بتحذير بولس الرسول إلى أهل كورنثوس من العواقب الوخمية لتجزئة جسد المسيح إذ إن المؤمنين كلهم جسد واحد لرب واحد”.
وتحت عنوان “الطائفة والكنيسة كما يجب أن يكونا” خصص القمص سرجيوس مسابقة للقراء لتقديم حلول عملية للإصلاح ونشرها فى الجريدة تشجعياً لهم على الانخراط فى أمور وطنهم وكنيستهم.
وتحت عنوان “تسابق وزارات الحكومة فى ميدان اضطهاد المسيحيين” كتب القمص سرجيوس عدة مقالات لصحوة المجتمع من غفلته، فاستهل مقاله: إنه فى الوقت الذى تتسابق فيه دول العالم فى مضمار الاختراعات والاكتشافات، تحصر مصر كل همها فى تنظيم الاضطهاد الدينى لتصبه على رؤوس المسيحيين من أبناء مصر الصميمين نسل الفراعنة وأصحاب البلاد، وترى وزاراتها تتسابق فى ميدان الاضطهاد فى ظل الشروط العشرة لبناء الكنائس) ، وقسم الظلم الذى يقع على القبطى من كافة الوزارات: وزارة المعارف (التربية والتعليم حالياً) فى عدم الاكتراث بدراسة التاريخ القبطى ومادة الدين المسيحى فى المدارس، ووزارة العدل وتدخلها فى شئون الزواج والطلاق الخاصة بالمسيحيين، ووزارة الدفاع فى إبعاد الأقباط من تولى المناصب القيادية الهامة آنذاك.
جدير بالذكر أن القمص سرجيوس كان فصيح اللسان وكان أول رجل دين مسيحى يقف فوق منبر الأزهر الشريف منادياً بمقاومة الانجليز وبجواره الشيخ محمود أبو العبر ، ومن أشهر كلماته للمدير الانجليزى :”اننى سواء كنت فى السودان أو فى مصر لن أكف عن النضال وإثارة الشعب ضدكم إلى أن تتحرر بلادى من وجودكم”، وظل يدافع عن مصر حتى تنيح عام 1964 وأصرت الجماهير وقتها على حمل نعشه على الأعناق بدلاً من السيارة.