من الصعب أن تجد ملابساً يرتديها الناس على هذا النطاق الواسع على مستوى العالم ويحبونها مثل بنطال الجينز . فقد أصبح الرمز التقليدي للولايات الغربية في أمريكا وأحد المنتجات الرئيسية التي تعرض في المتاجر في جميع أنحاء العالم، لكن السؤال هو لماذا؟ ، هذه الملابس يرتديها رعاة البقر، وترتديها أيضا أشهر عارضات الأزياء، وكذلك يرتديها المزارعون، ورؤساء الدول، وربات البيوت.
وإذا سألت مجموعة من الناس عن سبب ارتدائهم للجينز، ستحصل على إجابات مختلفة ؛ فالبعض يراها مريحة ومتينة وسهلة أيضا، بينما يراها البعض الآخر مثيرة ورائعة ، فالجينز يعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين، لكن هل يفسر هذا جاذبيته على هذا النطاق الواسع؟ .
يقول عالم الانثروبولوجي داني ميلر الذي سينشر كتاباً بعنوان “الجينز الأزرق” ، إن هذا الأمر لم يقم أحد بدراسته نسبياً حتى الآن ، ففي كل دولة سافر إليها، من الفلبين إلى تركيا، والهند والبرازيل، توقف ميلر وقام بعد أول مائة شخص يمرون أمامه، وفي كل مرة كان يجد أن نصف عدد السكان تقريباً في هذه البلاد يرتدون الجينز في أي يوم ، فقد انتشر الجينز في كل مكان، كما يقول ميلر، باستثناء المناطق الريفية في الصين وجنوب أسيا.
ويبقى الجينز أحد أكثر الملابس المثيرة للاهتمام على مر الزمن، إذ يخلق هذا النوع من الملابس ارتباطاً عاطفياً مع مرتديه. ترى كارا نيكولاس من مصنع “كون دينم” التاريخي أن “الجينز ذا طابع شخصي جداً بفضل خصوصية ألوانه، فما إن تبدأ في ارتدائه حتى يظهر أثره في تركيبتك الشخصية. إنه شيء ترتديه على مر الوقت ويأخذ قالب الجسم والسمات الشخصية”.
الذكرى ال 110
وقد أحتفل مصنع وايت أوك، التابع لمصنع كون دينم، فى جرينسبورو بولاية نورث كارولينا الأمريكية، والذي ينتج كل أنوع أقمشة الدينم الأصلي للشركة ويمتلك مجموعة من ماكينات نسيج American Draper X3 منذ عام 1940، بالذكرى العاشرة بعد المئة لتأسيسه فى العشرين من أبريل / نيسان. والدينم هو النسيج القطني ، الذي غالباً ما يكون أزرق اللون، وتصنع منه ملابس الجينز.
تقول نيكولاس إن إنتاج الدينم الأصلي بدأ في ثمانينيات القرن قبل الماضي “عندما بدأ الناس يجمعون الجينز عالي الجودة وتنامت فكرة محاولة منافسة أو تقليد الجينز الأصلي . نحن ننظر دوما لنفس الجينز منذ مطلع القرن الماضي وحتى نهايته، ليكون مصدر إلهام بالنسبة لنا ولنجرب بخيوط وطرق تصميم مختلفة”.
وأصبح الجينز موضة أساسية في عالم الأزياء منذ صيحة السراويل التي يتم ثنيها لأعلى ومروراً بسراويل بيل بوتمز الواسعة ووصولاً إلى موضة سراويل الجينز الضيقة (التي صممها المصمم الفرنسي هيدي سليمان خلال الفترة التي قضاها في شركة Dior Homme في بداية القرن الحالي)، أي منذ منتصف القرن العشرين.
جاكوب ديفيس وليفي شتراوس
ويعتبر ليفي شتراوس شريكا في فكرة الجينز الأزرق التي ابتكرت عام 1873 على إثر حمى التنقيب عن الذهب بكاليفورنيا والتي بدأت قبل ذلك التاريخ بعقدين من الزمن. وقد لد ليفي في ولاية بافاريا الألمانية، وانتقل من نيويورك إلى سان فرانسيسكو عام 1853 ليفتتح محلاً لبيع الملابس والأقمشة ، وهناك باشر “ليفي” العمل مع أحد زبائنه في الخياطة، ويدعى جاكوب ديفيس، الذي كان بدوره يبحث عن شريك لتقديم براءة اختراع لطريقة لتصميم سروال ذي مسامير معدنية في مناطق معينة في الجينز لجعله يدوم لفترة أطول.
وحصلت شركة Jacob Davis and Levi Strauss Company على براءة الاختراع (عملية وضع المسامير المعدنية في سراويل العمل) في العشرين من مايو / آيار عام 1873، مقدمين بذلك صنفاً جديداً من ملابس العمل، وأصبح ذلك اليوم “عيد ميلاد” الجينز الأزرق.
ووفقا لشركة ليفيز فإن أول تصميم للجينز الأزرق، والذي يعرف بـXX waist overall، كان يتميز بجيب واحد خلفي مدرز عليه قوسين، وجيب صغير للساعة، وحزام عريض، وأزرار للحمالة ومسمار نحاسي في الوسط.
الدينم
ويعتقد أن أصل الدينم (القماش الذي تصنع منه ملابس الجينز) هو مدينة “نيم” الفرنسية . وحيث أن القطن كان نسيج قوي ومميز في القرن التاسع عشر فقد أستخدم لصناعة سراويل للبحارة من مدينة جنوة الايطالية ، والذين يعتبرهم البعض المخترعين الأصليين للجينز، معتبرين أصل كلمة جينز هو التسمية الفرنسية لمدينة جنوة وهي Genes.
ثم اشتهرت ماركة Two Horse التي ابتكرتها شركة ليفيز عام 1889 بصناعتها لملابس عمل قوية مصنوعة من الدينم الأزرق الأصلي، حيث تحمل الرقعة الجلدية الموجودة خلف البنطلون صورة سروال جينز يسحبه حصانان دليل على قوته.
وفي عام 1890حمل سروال XX، الذي كان يرتديه رعاة البقر في الغرب، رقم 501. وفي عام 1901 تم تقديم صيحة جديدة من السراويل تحمل جيبين خلفيين وأضيف إليها حلقات للحزام عام 1922.
ووفقا لشركة ليفيز فقد أضيفت العروة الحمراء لملابس العمل المصنوعة من الجينز على الجيب الخلفي الأيمن عام 1936 ، لتميز منتجات شركة ليفيز عن باقي منتجات منافسيها في السوق والذين كانوا يستخدمون دينم أسود ودرزات مقوسة.
ومع إثارة أفلام الغرب الأمريكي الاهتمام بحياة رعاة البقر، بدأت سراويل الجينز الزرقاء بالظهور في ثلاثينيات القرن الماضي، ثم انتشرت كالنار في الهشيم بين الشباب في الخمسينيات تأثرا بأدوار المتمردين في هوليود الذين ارتدوا الجينز، مثل جيمس دين.
ويقال إن المراهقين بدأوا بإستخدام كلمة “جين” في نفس العقد، قبل أن يستبدلها ليفي شتراوس في الستينات بكلمة “جينز” في الدعاية والترويج لتجارته في بيع بناطيل الجينز.
وأذيع أول إعلان تلفزيوني لشركة ليفايز عام 1966، قبل أن يظهر إعلان آخر عام 1981 لنساء يرتدين سروال جينز موديل 501 باستخدام عبارة (يتقلص ليناسب).
نسيج المجتمع
ساعدت الألياف المرنة المطاطية في انطلاقة هذه الصناعة في مجال الأزياء، وبلغت أوجها في العقد الأول من الألفية الحالية ، وزاد ظهور ألياف الليكرا بالفعل من فرص توسع هذه الصناعة ، كما تؤكد نيكولاس من شركة كون، التي تشترك مع شركات غزل ونسيج أخرى، مثل انفيستا في مثل هذه الابتكارات، ولعل أبرز مثال على ذلك هو التعاون الجديد مع شركة “يونيف”، حيث تستخدم تقنية “ربريف” الخاصة بشركة يونيف ، والتي تسمح بإنتاج أنسجة من عبوات المياه المعاد تدويرها .
تقول نيكولاس: “إنهم يستخدمون تقنية غزل خاصة تحاكي ملمس وشكل خيط القطن ولكنها تتمتع بقوة وفوائد الألياف الصناعية.”
وتتخذ شركة جينولوجيا من مدينة فالنسيا الإسبانية مقراً لها وتعمل في صناعة آلات الليزر، وهي أحد رواد التقنيات الحديثة الصديقة للبيئة والمستخدمة في عملية غسيل الدينم ، التي تعد أحد أكثر الأنشطة المستخدمة في صناعة الملابس تلويثاً ، ويتمحور أسلوب بيع الشركة حول الدينم الأصلي الذي يستغرق تصنيعه بضع ساعات .
يقول أنريك سيلا، المدير التنفيذي في شركة جينولوجيا: “لكل إنسان طريقته الخاصة في ارتداء الجينز ويرجع هذا لفكرة إن الجينز له روح حيث يصبح جزءاً منك . عندما تذهب إلى محل الدينم فإنك تفتش عن الجينز الذي يشبه الجينز القديم الذي تمتلكه.”
ويرى سيلا أن طريقة استخدام الماء والكيماويات في صناعة النسيج تعتبر “سابقة تاريخية”، مشيراً إلى أن هذا التقدم له دور في تطوير صناعة الدينم وأن حوالي 20 بالمئة من أصحاب مصانع الدينم يعملون الآن مع شركات التكنولوجيا، حسب تقديره.
وقد انبهر عشاق الجينز بقدرته على الاحتفاظ بالمظهر الجيد، وقد تجنب بعضهم غسله لأطول مدة ممكنة، وكان يبدو مع ذلك أن قماش الجينز له قدره يصعب تفسيرها على الاحتفاظ بنظافته لفترات طويلة.
وفي العام الماضي، قام أحد الطلاب الدارسين لعلم الأحياء الدقيقة بجامعة ألبرتا ويدعى جوش لي، بارتداء بنطال من قماش الدينم الخام لمدة 15 شهرا بدون غسيل، وقام بعدها بإجراء اختبار لمحتوى البكتريا الموجودة بهذا البنطال.
ثم قام بإجراء نفس الاختبار على البنطال بعد أسبوعين من غسله، ووجد أن حجم المحتوى البكتري هو نفس الحجم تقريبا في الاختبار السابق.
وتقول راشيل ماكوين، أستاذ علوم النسيج والتي قامت بالعمل مع الطالب لي في إجراء هذه التجربة: “هذا يظهر أن النمو البكتيري، وفي هذه الحالة على الأقل، لا يزداد كثيرا إذا لم يتم غسل الجينز بشكل منتظم.”
ومع أن أشخاصا مختلفين يرتدون الجينز بأشكاله وتصميماته المختلفة، إلا أن أشكاله وتصميماته التقليدية لا تزال الأكثر شعبية بين الناس إلى الآن.
5 مليار بنطلون سنوياً
ويقدر الإنتاج السنوي لسراويل الجينز بخمسة مليارات سروال في السنة، في حين يصل معدل استهلاك الدينم لنحو 1.5 سروال للفرد في أوروبا، مقابل 4 للفرد في أمريكا. ويتوقع سيلا أن ترتفع النسبة قريبا إلى “سروال جينز لكل فرد في الكوكب. وفي نظرة مستقبلية مستوحاة من الماضي، تستمر صناعة الدينم بالنظر إلى الجينز الأصلي الأزرق كمصدر إلهام في التصميم والمتانة”.