إستنكرت جمعية أنصار حقوق الأنسان بالأسكندرية حكم المحكمة الادارية العليا الصادر يوم 28 أبريل 2015- الماضي باحالة بعض الموظفين الى المعاش لثبوت اضرابهم عن عملهم فى الوحدة المحلية بأشمون – محافظة المنوفية ، واستند الحكم الى أن الشريعة الاسلامية لاتبيح هذا المسلك لما فيه من اضرار بالمواطنين .
وتقول الجمعية في بيان لها صادر اليوم أنها تستنكر هذا الحكم لعدة أسباب
أولها تعارض الحكم المذكور مع المادة (8د) من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتى تنص على (ان تتعهد الدولة بكفالة حق الاضراب شريطة ممارسته طبقا لقانون البلد المعنى ). وقد وافقت مصر على العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1981 وبالتالى أصبح قانونا من قوانين الدولة ، وبما أنه صدر لاحقا لما ورد فى قانون العقوبات من مواد تجرم الاضراب ، فان تلك المواد قد صارت ملغية ضمنيا . هذا بالاضافة الى أن الدستور القائم قد نص فى المادة (15) منه على أن (الاضراب السلمى حق ينظمه القانون ).
وثانى أسباب الإعتراض هو القسوة البالغة فى الحكم باحالة المضربين الى المعاش منهيا بذلك حياتهم الوظيفية ، بينما هم يمارسون حقا نص عليه الدستور ، وسبق أن صدرت أحكام عديدة بعدم تجريم الاضراب ، لعل من أشهرها حكم محكمة أمن الدولة العليا طوارىء( الازبكية ) فى 16/4/1987 فى قضية اضراب عمال السكك الحديدية بتبرئتهم استنادا الى العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وكذلك حكم المحكمة التأديبية بطنطا فى ثمانينيات القرن الماضى والذى كفل للموظفين الحق فى الاضراب حيث أن التشريعات المصرية لم تنظمه بما يعنى أنه صار مكفولا على اطلاقه.
وهناك سبب ثالث هو استناد الحكم الى مرسوم بقانون أصدره المجلس العسكرى برقم 34 لسنة 2011 قضى (.. بتجريم الاعتداء على حرية العمل وبمعاقبة كل من قام بوقفة أو نشاط ترتب عليه تعطيل عمل المؤسسات أو أحد جهات العمل أثناء سريان حالة الطوارىء… الخ). وواضح أن المرسوم المشار إليه صدر فى ظروف خاصة اتسمت بالانفلات الأمنى وعدم الاستقرار والاعتداءات المتكررة على مؤسسات الدولة ، بالاضافة الى أن حالة الطوارىء لم تعد قائمة الآن لنقحم هذا المرسوم على القضية محل الحكم.
أما رابع الأسباب يتمثل فى خطورة استناد الاحكام القضائية الى الشريعة الاسلامية دون ضابط ؛ فكم من الجرائم ترتكب باسم الشريعة الاسلامية!! واذا كانت المادة الثانية من الدستور قد نصت عل أن (…مبادىء الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع)، فان المخاطب بهذه المادة هو الهيئة التشريعية ممثلة فى مجلس النواب ، وليس الهيئة القضائية التى عليها أن تطبق القوانبن القائمة على الوقائع المعروضة عليها، إلتزاما بمبدأ استقلال السلطات الثلاث للدولة . ولايخفى على أحد أن الفقه الاسلامى بحر واسع، تعددت أحكامه واختلفت حسب أراء الفقهاء ومذاهبهم وفهمهم للتراث الاسلامى وظروف عصرهم وأحواله السياسية والاقتصادية والقضايا المثارة فيه، ومن ثم فإن ترك الأمر لكل قاض ليأخذ من هذا الخضم مايراه- طبقا لفهمه أو مزاجه وهواه- يعيدنا إلى ماقبل الدولة المدنية الحديثة التى يحكمها دستور وقوانين بنصوص واضحة وقطعية لاتترك مجالا لاختلاف الفهم أو تعدد التفسيرات أو تضارب الأحكام، وحيث لاعقوبة إلا بنص.
وأخيرا فان جمعية أنصار حقوق الانسان بالاسكندرية تلفت الأنظار الى صدور العديد من القوانين والاحكام القضائية فى الفترة الحالية والتى تتعارض مع مبادىء حقوق الانسان ونصوص الدستور وفى غيبة السلطة التشريعية ، الأمر الذى يستدعى معالجة هذا الخلل دون ابطاء أو تسويف.