“سوف أتذكر معك ياكاترين زمناً جميلاً يمثل حياتي المهنية كلها وأفتح قلبي لك وأخرج ماتبوح به ذاكرتي حيث إنني في عمر متقدم.”
بهذه العبارة تحدثت ماما ليلي عندما طلبت إجراء حوار معها.. فرغم ظروفها الصحية وصعوبة حركتها.. أصرت على المجئ للجريدة لكي تسلم على الجميع. تدفقت محبة الجميع الغامرة لها.. وحبها الشديد لهم.. ساعات لم تبخل بها أجابت علي كل ما أثرته من أسئلة.. شعرت سعادة غامرة لصمودها وتحملها للمواقف وشجاعتها.. امرأة أعطت نموذجاً مثالياً للأم والصحفية، والراعية للمرأة في وطني.. بل وأخرجت أجيال.. ففتحت قلبها وعقلها.. فكان هذا الحوار.
* كيف كانت البدايه فى مجال الصحافة ؟
** بابتسامة غامرة تجيب: ولدت في 21 نوفمبر عام 1939 كانت دراستي في كلية الآداب جامعة القاهرة، فرغم أنني كنت أحب اللغات لكن كانت ميولي صحفية فكنت وأنا في المرحلة الثانوية محبة للكتابة جداً ولدي أفكار كثيرة وكنت عاشقة للصحافة، وفوجئت بافتتاح قسم الصحافة بالكلية، فدخلت قسم الصحافة وبعد التخرج شعرت أن طموحي لا يقف عند ذلك، فأكملت الدراسات العليا وحصلت على الماجستير من جامعة القاهرة.
وعندما كنت طالبة ذهبت لكي أتمرن على العمل الصحفي في ”مجلة التحرير” وكانت وقتها اسمها “جريدة الثورة” وفرحت أن المجلة بها أمان أكثر حيث إنها تابعة لضباط الثورة وكان ذلك في عام 1952 وقدمت موضوعات عديدة، وأتذكر أنني قمت بعمل موضوع صحفي أثار ضجه وقتها، حول مشاكل الناس والرشاوي التي تدفع لمن يتولون حلها، فكتبت الموضوع بعنوان “مطلوب من وزير العدل أن يتكلم” لكن المسئولين بالجريدة وجدوا صعوبة في هذا العنوان، فتم الاتفاق على أن يستبدل العنوان ب “يرضيك يا وزير العدل”
وقدمت موضوعاً آخر على درجة عالية من الحساسية. وفوجئت بعدها برئيس التحرير يقول لي : إحنا اترفع علينا قضية على كتابتك لهذا الموضوع. وقتها انتابني القلق وحزنت لأنني كنت صغيرة ومبتدئة، إلا أنه طمأنني بعدما شعر بقلقي، وقال لي برافو أنا مبسوط من القضية اللي اترفعت علينا معني ذلك إننا نجحنا.. ذهبت بعد ذلك إلي جريدة القاهرة بعد أن شجعني أستاذي بالجامعة اسمه محمد صبيح، وكان مسانداً لي.
* كيف بدأت رحلتك مع وطني؟
** أرشدنى استاذى محمد صبيح بعد عملى لفترة بجريدة القاهرة الى أن أتقدم إلي جريدة جديدة أعلن عن بدء صدورها اسمها “وطني” اسسها الأستاذ أنطون سيدهم، فذهبت وتقابلت مع مدير التحرير الذي رد بالموافقة بعد ثلاثة أيام وقال البداية لن تكون في العمل الصحفي لكن في الأرشيف، ولم يعجبني ذلك فعندما شعر برفضي رد “خلاص تشتغلي صحفية”.. وهكذا دخلت وطني عام1958 منذ بدايتها وكنت بها مع صدور أعدادها الأولى إلى الأن.
* هل كانت البداية لك في وطني في صفحة المرأة؟
** لم تكن البداية في صفحة المرأة بل عندما دخلت وطني كنت تخرجت وتزوجت وحامل وأنتظر مولودي الأول فرأي مدير التحرير أنني أول أم في الجريدة، فأسند لي باب “أولادنا” وهو عبارة عن باب يرسل الأولاد أفكارهم ومشاكلهم لي لأقوم بنشرها والرد عليها، وكتبت بإشراف ماما ليلي وانتشر هذا الاسم وكان يلقبني به كل من في الجريدة، وكنت أتابع ذلك الباب باهتمام بالغ وذكرياتي عنه لاتنسي.
* متي جاءت البداية لصفحة المرأة؟
** كان يتميز الراحل أنطون سيدهم بأنه صاحب فكر وكان يحترم المرأة جداً، فكان هو صاحب فكرة باب “المرأة والأسرة” ولم تكن في وطني أية مساحة عن المرأة نهائياً، وأيضا لم يكن وقتها في الجرائد المصرية من يخصص صفحة كاملة للمرأة، وعلق أنطون سيدهم في أحد الاجتماعات على أن لابد أن تخصص هذه الصفحة للمرأة ،وقال لابد أن تكون صفحة كاملة.. وبالفعل أصبحت وطني أول جريدة تخصص صفحة كاملة للمرأة أتولى أنا الإشراف عليها وتنشر بعنوان صفحة ”المرأة ” وتقدمها ليلى الحناوي..
واستمريت في تحرير الصفحة كاملة بنفسي دون معاونة أحد فقد كان تعدادنا في الجريدة وقتها سبعة أفراد فقط.. وفي ذلك الوقت وتركت باب “أولادنا” لغيري وتفرغت للمرأة ومشاكلها وهمومها. وكان باب المرأة يقدم مادة حية عن مشاكل الزوجات والعلاقات الزوجية.. وأتذكر تشجيع الأستاذ أنطون الدائم للباب الذي ينصر المرأة وكان يحثني على الاهتمام بما يخص المرأة لدرجة أنني كتبت موضوعاً لم يتطرق له أحد من قبل عن “الخيانة الزوجية” ونال هذا الموضوع الاعجاب وكان الاستاذ انطون سيدهم يقول لي : المرأة لها بالتأكيد أوجه للمعاناة لابد من التركيز عليها ومساندتها” وتبنيت سلسلة أخرى عن ”نظرة الناس للحماة” وأتذكر أنه كانت تأتي زوجات تشتكين حمواتهن وكنت دائما أوجههن لمعاملة الحماة كأم.. ومرت السنون وأنا أحرر الباب بمفردي حتى انضم جيل جديد من الصحفيين والصحفيات إلى وطني وكان من نصيب صفحة المرأة انضمام ابنتي نادية برسوم التي أكن لها الحب والتقدير.. بدأت في الكتابة في الصفحة وأثبتت أنها صاحبة فكر وقلم.
* متي تخصصت في كتابة العمود الصحفي؟
** لابد أن أرجع الفضل لأصحابه فصاحب الفضل علي في كتابة المقال هو الأستاذ صفوت عبد الحليم مدير تحرير وطني، الذي قال لمجموعة من الصحفيات “أنا عايزكوا تكتبوا مقالات واختاروا اسم العمود الذي يضم المقالات بتاعتكم أنتم زي الرجالة وأفضل كمان”، فاخترت لي ابنتي شهيرة اسم “ليالي”..
* كيف كان العمل فى السنوات اﻻولى لوطنى مع أنطون سيدهم ؟
** كان أنطون سيدهم صاحب فكر وكان جاداً جداً، لا يحابي أحداً مهما كانت درجته في العمل وكان في نفس الوقت صادقاً جداً ومحباً جداً للجميع، فلم يكن له مثيل في المحبة والعطاء. ويوم غلق الجريدة عام1981 حزنا جداً لأننا حرمنا من مواصلة عملنا الصحفي كما كان أكبر حزن لنا لارتباطنا الأسري أولاً بها قبل الارتباط المهني، وهذا كان بفضل نجاح أنطون سيدهم في الإدارة فكان صارم لكن محب في نفس الوقت، حتى عادت الجريدة للصدور مرة أخري عام1984 وعدنا نشعر بحنان هذ الرجل وأبوته.. صفات كثيرة جدا تحتاج لمساحة لكتابتها..
يوسف سيدهم كان متواجداً بيننا منذ عام1988 وعمل في وطني حتى حصل على عضوية نقابة الصحفيين عام1993 فكنا تعودنا عليه وكانت آليات العمل مستقرة ومستمرة بعد رحيل والده، وكما تعودنا كانت الأفكار تناقش في الاجتماعات والأفضل والمواكب للحدث هو الذي نستقر عليه، ويوسف سيدهم هو شخص غال جدا على نفسي وارتقى بالجريدة خلال سنوات قيادته لأسرة وطني.
*ذكريات لاتنسي؟
**ذكرياتي التي لا تنسي مرتبطة بتواجدي في وطني في بدايتها وقبل صدور أول أعدادها.. ثم بدأت نشاطي بإجراء العديد من الحوارات الصحفية لكن الحوار الذي لا ينسي نشر بعنوان “أول وزيرة في مصر”..وهي حكمت أبو زيد
* ما الأمنية التي لم تتحقق لك حتي الآن وهل أنت راضية عن كتاباتك؟
** لم أطمع أن أحقق أكثر مما حققته في عالم الصحافة وبخاصة أن ظروفي الصحية تمنعني من المضي في طموحاتي فلابد أن أعيش واقعي. أما عن كتاباتي فأنا راضية عنها ولم أكتب أبداً شيئا لم أكن راضية عنه.
* احكي لنا عن أسرتك الصغيرة؟
** كان زوجي كاتباً واحد مؤسسي اتحاد الكتاب المصري وله عدد من المؤلفات والكتب وحاصل على العديد من الجوائز الصحفية، وواحدة من رواياته “وداعا ايها الليل”. كان كاتباً للقصص وله أفلام في السينما، وكان يعمل أيضا بالمحاماة وتوفي عام 1998
وابني الدكتور شريف خبير تخسيس ونحت الجسم بالأجهزة الطبية الحديثة لديه ابن دكتور وابن مدرس لغة انجليزية.
اما ابنتي شهيرة نشأت في وسط إعلامي – أم صحفية وأب كاتب متميز – وهي خريجة إعلام وخريجة مسرح ولديها ميول موسيقية وصوتها جميل جداً شعرت بلمسة الفن في شخصيتها فقمت برعاية هذه النبتة حتى نضجت، وتزوجت وأنجبت حفيداتي وهما كل شئ في حياتي، ومقولة أعز من الولد ولد الولد صحيحة جداً فهما تغمراني بالسعادة.
تكريم وطني لـماما ليلي
وسط تصفيق حاد ومحبة غامرة قامت جريدة وطني بتكريم ماما ليلى في اليوبيل الذهبي للجريدة خلال الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة في 24نوفمبر2008 وبتشريف صاحب القداسة المتنيح البابا شنودة الثالث.