(يا إلهي ، قطرات من رحيق العمر، أغنيات لعشاق الوطن … ) وغيرها من دواوين شعرية تمثل صوتا أدبيا كبيرا فى مصر والعالم العربى ألا وهو الشاعر محمد التهامى الذى يعد من أكبر شعراء العرب والمصريين ، والذى رحل عنا بالأمس بعد أن أتم عامه الخامس والتسعين منذ عشرة أيام.
ولد التهامى في العاشر من فبراير 1920 في قرية الدلاتون بمحافظة المنوفية، وكتب الشعر في مرحلة مبكرة من حياته ، ونشر ديوانه الأول حين كان طالبا بالمرحلة الثانوية ، تخرج التهامي في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية 1947 ، وعمل بالمحاماة ، ثم اتجه إلى الصحافة ، فعمل في صحيفة الجمهورية اليومية منذ صدورها عام 1953 ، ثم التحق بإدارة الإعلام بجامعة الدول العربية بين عامي 1958 و1974، ترأس بعثة الجامعة العربية في أسبانيا بين عامي 1974 و1979، وظل مستشارا لجامعة الدول العربية حتى إحالته إلى التقاعد ، وكان عضوا في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ، وعضوا في المجالس القومية المتخصصة ورئيسا لجمعية الأدباء.حافظ التهامي على شكل القصيدة العربية الأصيلة وله عدة دواوين تتراوح بين الشعر الوطني والديني والقومي ومنها (أغاني العاشقين) و(أغنيات لعشاق الوطن) و(أشواق عربية) و(دماء العروبة على جدران الكويت) و(يا إلهي) و(قطرات من رحيق العمر).
يقول الشاعر الكبير عن الأحداث والعوامل التى ساهمت فى تكوينه الفكرى والمعرفى : منذ ولدت يتصارع عنصران في أعماقي؛ العنصر المادي الحياتي الذي يقوم على الفكر، والعنصر الثاني هو موهبة الشعر .ومنذ طفولتي وأنا أجد جميع المحيطين به يشهدون بذكائي ونبوغي الدراسي، أما الوالد فكان رجلا يمتاز بالقوة البدنية والثراء ولكنه كان يستخدم قوته للخير .وكان أبي مغرما بسيرة الفارس العربي عنترة بن شداد؛ حتى أننا كنا نشاهد في دولاب الوالد بالقرية سيرة من عشرين جزء لعنترة بن شداد ، وبعد أن كبر الوالد وضعف بصره أصبح يطلب من ابنه – وهو أنا – أن أقرأ له هذه الأجزاء وأعيدها عليه، فترسبت في نفسي معاني العروبة والشعروصارت في أعماقي فكرة أن الإنسان له رسالة في الحياة يضحي في سبيلها دون انتظار مردود، كما كان عنترة يضحي من أجل تحرير العبيد ، وبالتالي استطاع والدي من خلال سيرة عنترة أن يصوغ نفسية ابنه طيلة حياته دون أن يدري.كانت المسافة بين بيتنا وبين المدرسة الإبتدائية بكفر مصيلحة بالمنوفية حوالي 3 كيلو مترات وكنت قد أصبحت مغرما بالقراءة بنهم، أقرأ وأنا أسير أو أجلس وفي أي مكان، وجاء ترتيبي الثاني على القطر المصري.وأذكر أنه في 1939 كان الدكتور طه حسين قد نقل من الجامعة للوزارة، فأقام مسابقة في الأدب العربي لطلبة الثانوية جائزتها مجانية الجامعة، ولم تكن مجانية مثل الآن، وكنت أحد العشرة الأوائل الذين يمتحنهم طه حسين، وحصلت على الدرجات النهائية، ولكني لا أنسى أن طه حسين سألني إذا كنت قرأت “الأيام”، فقلت نعم ولكنها لم تعجبني لأن كاتبها وضع الحديث على لسان طفل وبالتالي سيترك في القاريء أشياء سلبية، منها كراهية هذا الطفل أو طه حسين لشيخه لأنه كان يناديه بعاهته “يا أعمى” ، ومع ذلك رحب طه حسين بالنقد وأوصاني بدراسة الآداب، فقلت أنني أريد دراسة الحقوق – وكانت كلية مرموقة يخرج منها معظم الوزراء- فقال: ويل للقضاء من محامٍ مثلك .تخرجت من جامعة فاروق 1947 وهي جامعة الإسكندرية الآن، وحاولت ممارسة المحاماة ، كما كنت منضما للحزب الوطني وكان يتمتع باحترام وشعبية كبيرة حينذاك ، وجئت للقاهرة فنصحني البعض بالعمل في الصحافة بدلا من المحاماة، وبالفعل عملت بصحيفة “الأساس” التابعة للحزب السعدي، وكان أنيس منصور يعمل فيها يترجم قصص بالصفحة الأدبية، وأنا كنت أتولى القسم القضائي بالجريدة.ثم تعرفت بالزعيم الكبير عبدالرحمن عزام واقترح علي العمل بالأمانة العامة للجامعة العربية بالقاهرة، وبالرغم من أني كنت قد رتبت نفسي للعمل بالنيابة ، إلا إنني وافقت على الاقتراح وعملت بها أكثر من أربعين عاماً.ومن أفضل الأشياء التي أسعد حينما أتذكرها أنني كنت رئيس مكتب الإعلام بالجامعة العربية في مدريد بأسبانيا، وقد تمكنت بصلتي بالأسبان هناك من تحويل المكتب لبعثة دبلوماسية يرأسها سفير، ولولا توقيع السادات لمعاهدة كامب ديفيد وانهيار الجامعة العربية حينها لكنت قد واصلت العمل هناك.اشتهرالتهامى بالقصيدة القومية ، ونجده يقول عن ذلك : هجاني عدد من الشعراء، ولكن الحقيقة أن لي أشعارا ذاتية وخاصة ولكني لم أكن أهتم بها كثيرا، وقد جمعتها في ديواني العاشر ” أغاني العاشقين ” ومنها قصيدة أقول فيها لحبيبتي : ” والتقينا ، لا تسلني كيف .. لكنا التقينا / هي نفسي, هي ذاتي .. ما افترقنا منذ كنا ” / مدّت الدنيا متاهات وأوهاما علينا .. وطوانا ظلها الخداع ، حينا فانطوينا / ثم طاف الحب نورا وانطلاقاً فاهتدينا .. وطوينا الدهر ، والدنيا .. وعدنا فالتقينا ”نال التهامي جوائز مصرية آخرها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1990. ومن خارج مصر حصل على جائزة الملك الحسن الثاني ملك المغرب عام 1993، وجائزة شاعر مكة “محمد حسن فقي” عام 2004. كما كرمته السفارة اليمنية بالقاهرة في أغسطس آب .2010