قال البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أن صوم يونان محبوب في كنيستنا، وأنه أكثر سفر مملوء تأملات وأكثر سفر يقرأ من أسفار الكتاب المقدس في الكنيسة. وأضاف أن قصة يونان قصة حقيقية ظهرت في القرن الثامن قبل ميلاد المسيح بحوالي 800 سنة وعاش قرابة 100 عام خدم فيهم ربنا حوالي 73 سنة.. وكلمة “يونان” تعني حمامة وهو ابن امتاي وكلمة “امتاي” تعني حقيقي.
وقال البابا أن يونان هو النبي الوحيد الذي جعل السفر يحكي قصته ويحكي روايته ولم يتحدث عن نبوات معينة عن بني اسرائيل، وإن كان في نفس الوقت النبي الوحيد في العهد القديم الذي استخدم السيد المسيح اسمه وشبه به “كما كان يونان في بطن الحوت 3 أيام و3 ليال هكذا ابن الإنسان”
وأوضح البابا أن الإصحاح الأول والثاني من سفر يونان يتحدثا عن هروب يونان من خدمته، أما الإصحاح الثالث والرابع فيتحدثا عن يونان وهو يتمم خدمته.
وهذا السفر يكشف لنا أربعة شخصيات أو نوعيات من البشر:
النوعية الأولي نوعية الكسل والإستهتار والهروب من المسئولية فيقول” نزل إلى جوف السفينة واضطجع ونام نوم ثقيلا” هذه النوعية من البشر هي اصحاب الاستهتار. الشخص المستهتر والشخص الكسول والشخص الذي يهرب من المسئولية كخادم أو مسئول في أي من أعمال المجتمع. يونان النبي كلفه ربنا أن يذهب إلى نينوى وهذا تكليف إلهي، لكنه اختار أن يذهب إلى ترشيش لكن يونان لم يهرب من الله فقط يونان كشف عن شخصيته في هذه اللحظة وهي الشخصية المستهترة والكسولة أمام التكليف الإلهي أمام التكليف بالمسئولية.
يونان يمثل الإنسان الذي لم يهرب من الله فقط بل من المسئولية وأيضا هرب من نفسه، لذلك احترس أنت لئلا تكون من هذه الطائفة من البشر – طائفة الكسالى وطائفة الذين لا يتحملون المسئولية أو يهربون منها.
والنوعية الثانية هم أصحاب المخافة والحضرة الإلهية، عندما سألوا يونان ما هو عملك ومن أين أتيت، قال لهم أنا عبراني وأنا خائف من الرب إله السماء الذي صنع البحر والبر. “فخاف الرجال خوفاً عظيماً” وهذا النوع الثاني وهم طائفة من البشر في قلبهم مخافة الله عندهم إحساس بالحضرة الإلهية وهؤلاء يكونوا أشخاص أمناء.
هو في داخله مخافة إلهية تجعله ناظر للإله في كل لحظة، ولذلك يسلك بالإستقامة ويسلك بأمانة لأن وجود المخافة الإلهية في حياة الإنسان حائط يمنعه من ارتكاب أي شر.. فهل في قلبك خوف ربنا؟
هؤلاء الرجال – بحارة السفينة التي كان عليها يونان – لم يكونوا في الإيمان ولكنهم اعطوا درساً في هذه المخافة، فخاف الرجال خوفاً عظيماً وفي آخر القصة يقال “فخاف الرجال من الرب خوفاً عظيماً وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذوراً”. فهذه طائفة من البشر تعتمد على المخافة في العمل والخدمة. والمجتمع أيضاً يحتاج أناس في قلبهم مخافة الله كهؤلاء.
أما عن النوعية الثالثة هم نوعية الشخصية الأنانية التي لا تحب الآخرين ولا تفرح لفرح الآخرين”فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه” فغمّ ذلك يونان غمّاً شديداً فاغتاظ”
هذه الطائفة طائفة أصحاب الأنانية وعدم محبة الآخرين، فهذه الطائفة في أنانيتها تغضب لنجاة الآخرين.. فمثلاً الأخ الكبير في مثل الإبن الضال كان غاضب لنجاة أخيه في حين أن الأب كان فرحان والبيت كله فرحان والابن الصغير فرحان والناس سعيدة. فالأب قال: “ان ابنى هذا كان ميتاً فعاش كان ضالاً فوُجد” لكن الأخ الكبير وقف على الباب ولم يرد أن يدخل لأنه كان أناني في قلبه لم يفرح لنجاح أخيه. أما في المقابل نجد يوحنا المعمدان عندما نظر إلى المسيح فقال عنه الكتاب أو هو قال عن نفسه “ينبغي أن هذا يزيد وأني أنا أنقص”
الأنانية مرض نفسي أتى من كلمة “انا” وأصحاب هذا المرض لم يستطيعوا أن يعيشوا وسط مجتمع أو خدمة أو اسرة لأنه لا يرى غير نفسه، وهذه الطائفة من البشر أنانيتهم تحرمهم من نعم كثيرة الله يعطيها لهم. وعلاج هذه الأنانية أن الإنسان يتعلم محبة الآخر ويتعلم محبة الله التي تنسكب على الإنسان الصالح والإنسان الشرير والقريب والبعيد..
أما النوعية الرابعة نوعية أصحاب عقلية الطفل، بمعنى السذاجة والنظرة الضيقة: “فاعدّ الرب الإله يقطينة فارتفعت فوق يونان لتكون ظلاً على رأسه لكي يخلّصه من غمّه. ففرح يونان من أجل اليقطينة فرحاً عظيماً”.. عجيب يونان أمام البلد التي سامحها الله نجده “غم ذلك يونان غماً شديداً” وأمام اليقطينة التى ظللت عليه فترة قليلة من حر الصحراء فرح يونان فرحاً عظيماً..
وهذه النوعية من البشر هم السذج أو أصحاب النظرة الضيقة، فنظرته ضيقة لا ترى غير النبته التي ضللت عليه لكن حياته كلها مركزها شخصه فقط.
هذا الإنسان صاحب النظرة الضيقة والفكر الضيق يمثل السذاجة مع النوع الأول الهارب من المسئولية واهتمامه بالأمور اهتمام سطحي، ممكن ان نسميهم اصحاب الحياة الذين لا يدخلون إلي العمق.
وأختتم البابا عظته قائلا :”ربنا يعطينا ألا نكون مستهترين وأن نتحمل المسئولية وندخل إلى العمق ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد أمين”