افتتحت صباح اليوم في القاهرة، أعمال المؤتمر العربي الرفيع المستوى حول “التقدم المحرز في تنفيذ إعلان ومنهاج عمل بيجين بعد عشرين عاماً” (المعروف ببيجين+20) الذي يتخذ شعاراً له :”العدالة والمساواة للنساء في المنطقة العربية”، وتستمر أعمال المؤتمر حتى يوم غد الثلاثاء 3فبراير 2015.
وقد شهدت الجلسة الافتتاحية كلمات لكل من نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، والدكتورة ريما خلف، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا، وفومزيلي ملامبو نغكوكا، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
وقد حلت الفنانة العربية القديرة السيدة نضال الأشقر، ضيفة على المؤتمر بكلمة رئيسية.
وقد ألقى العربي كلمة جاء فيها: “نلتقي في ظروف معقدة ومتشابكة طالت المنطقة في العقد الأخير، حيث تراكمت آثارها وتداخلت تداعياتها وألقت بظلالها على الجميع وبخاصة المرأة العربية، فلا يستطيع أحد أن يختلف على أن النساء قد لعبن الدور الأكبر خلال هذه الفترة، فقد وقفن وبأدوارهن المتعددة والمتنوعة في الصفوف الأولى ليدافعوا عن الأوطان أرضاً وهويةً، وضحوا بالأبناء من أجل الغد والمستقبل، وكانوا الأكثر حنكة وحكمة في كل الظروف الصعبة والعاتية التي تمر بها المنطقة.
فما زالت قوات الاحتلال الإسرائيلية تمارس عنفاً وإرهاباً ممنهجاً ضد المرأة والطفل في فلسطين، منتهكة كافة التعهدات والمواثيق والالتزامات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
وما زال هناك امرأة سورية تزداد معاناتها يوماً بعد يوم، فهي المرأة التي هجرت الوطن وفقدت الأبناء وتشتتت أسرتها، فهناك لاجئة سورية مع كل صباح جديد تبحث عن مأوى ومأكل وتفقد طفلاً لن يعود، ومازالت لا ترى بصيصاً من نور يبشر بانقشاع الظلمة من حولها، أو أملاً في غدٍ يطمئنها بعودة البيت والولد إلى أحضانها.
كما تشهد أعداداً من النساء في الدول العربية إرهاباً فكرياً جديداً، يأخذ من الدين شعاراً يمارس القتل والعنف ضد النساء والأطفال الأبرياء والعزّل. وهو الأمر الذي يضعنا جميعاً أمام مسؤوليتنا لتغيير هذه الأوضاع.
ولكن وبالرغم من هذا المشهد المؤلم والمقلق بحق، فإنني على ثقة من أننا يمكن أن نكمل العمل الدءوب الذي انطلق من أجل تمكين المرأة العربية، فهو خير دليل على أنه متى توفرت الإرادة والعلم والمعرفة فإنه يمكن أن نحقق الكثير لبلداننا ومواطنينا”.
وفي كلمتها، قالت الدكتورة ريما خلف :”التزمت الدول العربية بمنهاج عمل بيجين، وحقّقت تقدماً ملموساً في مختلف المجالات على الرغم من هذه الإنجازات والجهود، إلا أن الدرب أمامنا ما زال طويلاً. فلا تزال شرائح واسعة من النساء العربيات تعاني من الفقر والتمييز والتهميش. ولا تزال المرأة التي حققت تقدماً في التحصيل العلمي، أوّل وأكثر من يعاني من البطالة. ولا يزال متوسط مشاركتها في العجلة الإنتاجية الاقتصادية وفي صنع القرار السياسي من أدنى المستويات في العالم. وذلك، رغم تنامي قدراتها ومشاركتها من مواقع ريادية في حركات التغيير والإصلاح التي شهدتها الأعوام الماضية. ولا يزال العنف من أشد المخاطر المسلطة على حياة المرأة وسلامتها في الدول العربية. فكل يوم تطالعنا قصص وصور مفجعة لمعاناة المرأة الفلسطينية تحت احتلال غاشم يستنزف حياتها وينتهك حقوقها بتعديّات تزداد إيلاما مع كل حصار، وهولاً مع كل عدوان ويشتدّ العنف ضد المرأة في الحروب والنزاعات المستعرة التي تفتك بأكثر من بلد عربي. تطالعنا صور الأم السورية والأم العراقية الثكلى، والفتاة التي تُحرم من الكتب ومقاعد الدراسة، وتقبع في مخيمات اللجوء فريسة لأبشع أنواع الاستغلال والسبي والاستعباد، ويصبح مستقبلها على قارعة الخوف والجهل والحرمان”.
وأضافت: “واقع مرير تعيشه المرأة العربية اليوم لا يقتصر ضرره عليها فحسب. واقع يدين المجتمع بأسره، ويضرب مصداقية أنظمته ومؤسساته، ويعطل طاقاته ويعوق مسيرته التنموية. واقع يحلو للبعض تفسيره، ظلماً، بتاريخ منطقتنا وبثقافتها. فالناظر إلى تاريخ هذه المنطقة العريقة لا يخفى عليه أن المرأة تولت قيادة الممالك والأمم، وسارت بها إلى عصور من التألق والنور، من تدمر إلى سبأ؛ وأن شعراءها تصدّوا للتنميط المجحف بحق المرأة قبل أكثر من ألف عام على إعلان بيجين”.
وختمت خلف قائلة: “ وإذ نستعدّ اليوم لهذا الاجتماع المهم بتقاريرنا الوطنيّة والاقليميّة الحافلة بالإنجازات وبواقعنا المثقل بالتحديات، فلنعقد العزم على بناء مستقبل واعد لفتياتنا في أمة ناهضة تحقق الحياة الحرة الكريمة المنتجة للجميع. ولنمض وراء آمالنا وأحلام شعوبنا، مسترشدين بما تزخر به ثقافتنا من قيم، في مسيرة بناء النفوس قبل النصوص على أسس المساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان”.
ثم تكلمت ملامبو نغكوكا وأثنت على الانجازات التي تحققت في المنطقة العربية كما تطرقت إلى مواطن الضعف التي ما زالت تواجه تقدم المراة العربية باتجاه إنجاز إعلان ومنهاج عمل بيجين.
وأشادت بالتقارير التي وصلت من 21 دولة عربية، ما يؤكد على التزام المنطقة السياسي بتنفيذ إعلان ومنهاج العمل. وعددت بعض الإنجازات الهامة التي حصلت في بلدان المنطقة. إلا انها لفتت أيضاً إلى انه ما زالت هناك عوائق كبيرة في المساواة بين الجنسين ولا سيما بالنسبة للنساء والفتيات المهمشات اللواتي يعانين من أشكال متعددة من التمييز فيفتقرن إلى المساواة في الصوت والمشاركة والقيادة في اتخاذ القرارات على كافة الأصعدة بما فيها محادثات الأمن والسلام.
ولفتت إلى أنه من الضروري تصحيح هذا الوضع في المنطقة التي هي بصدد بناء السلام والنهوض بالمجتمع.
وقالت ملامبو نغكوكا أن تمثيل المراة العربية في المجالس المنتخبة ما زال الأقل في العالم وهذا يشمل أيضا تمكينها اقتصادياً. وأضافت أنّ حصول المرأة على التعليم وزيادة مشاركتها في القوى العاملة في بعض المجالات لم يقابله تحسين ظروفها المعيشية وفرص تقدمها وحصولها على أجور متساوية مع أجور الرجال.
وأشارت إلى بروز أنماط جديدة من العنف ترتكبها جماعات متطرفة وتدمّر حياة النساء والفتيات ومجتمعاتهن في العراق وسوريا وغيرها من المناطق حول العالم. وللمرأة دور أساسي في منع النزاعات وإعادة تأهيل الأمم. وهذه الانتهاكات تمثل الناحية الأكثر تطرفاً من موجة أصولية محافظة تلغي الحقوق الإنسانية التي عانت النساء والفتيات لانتزاعها. غير أننا نعلم علم اليقين أن تمكين المرأة هو أساس المجتمعات القوية والمستقرة التي يمكنها الوقوف سداً منيعاً بوجه الأصولية والتطرف.
وختمت كلمتها بالقول إنه “علينا الوقوف دفاعاً عن هذه الحقوق وتلك المجتمعات وقفة لا تقل صلابة عن وقفة من يسعى لطمسها”.