نستطيع القول أن الإنسان كائن معنى، فالغناء مهم بالنسبة له، وهو تعبيروتنفيس عن مشاعره المختلفة، بل هو ضرورة حتى تكون شخصيته سوية عاشق الحياة يغنى لها ولنفسه، يغنى للطبيعة وجمالها وزقزقة العصافير وتغريد الطيور، ويشجيه خرير المياة وحفيف الأشجار، ويجد فى شروقى الفجر والشمس الأصيل ملحمة لونية بديعة. كلنا نغنى حتى تصبح حياتنا سعيدة مقبولة، ونهرب من مشاكلها وحزنها ونكدها وأمراضها، وكاتب هذه السطور يحب الغناء ويتذوقه، ويشعر أنه من نعم الله على البشر أن خلق لهم الموسيقى والغناء فهى خير صديق للإنسان. موسيقار الأجيال له أغنية رائعة عنوانها: يادنيا يا غرامى، كثيرا ما أجد نفسى أرددها بين الحين والآخر، وأشعر أنها تجعلنى سوى الشخصية ومعتدل المزاج تقول كلمات الأغنية:
يادنيا يا غرامى.. يادمعى يا إبتسامى.. مهما كانت آلامى قلبى يحبك يادنيا.. الطريف أننى فى طفولتى ضبط أمى تغنى هذه الأغنية، وتعجبت أمى تغنى غريبة! لكنها كانت تغنى اللحن بكلمات أخرى تقول:يا لحمة ياغرامى.. بتلو ولا ضانى، مهما غليت أسعارك قلبى يحبك يا لحمة.. هكذا كانت تغنى أمى للحمة فى القرن الماضى أيام الزمن الجميل الذى كان كل شئ فيه بديع، وكان جميلا فعلا فى طعامه وشرابه، وعلاقات الناس بعضهم ببعض، وتدينهم الحقيقى المستنير الذى يعرف الله، سبحانه وتعالى، ويحترم الإنسان لأنه إنسان مهما اختلف فى اللون والجنس والدين واللغة.
ساءلت نفسى: ماذا لو عاش أحمد رامى شاعر الشباب مؤلف هذه الكلمات الجميلة التى يغنيها محمد عبد الوهاب حتى الآن فى الألفية الثانية؟ هل كان يتغنى بنفس الكلمات الجميلة؟ ووجدت نفسى أعترض وأقول لا يمكن بتغنى بها بل سيتغنى بكلمات أخرى تعبر عن الزمن الأغبر السئ القبيح الذى نعيش فيه، ربما كانت تكون كلماته:
يادنيا يا آلامى.. يادمعى يا جرحى.. مهما كانت أفراحى طظ فيك يادنيا…
أنا غير متشائم لكن الواقع يدفعنا الى هذه الكلمات المعبرة عنه، فبالله عليكم ماذا نقول عن الذين يقتلون بل يذبحون البشر ذبحاً كما البهائم والحيوانات لأسباب تنم عن تخلفهم وجهلهم، ويحرمون الغناء والموسيقى والسينما والطرب؟ وماذا نقول عن الذين يريدون الغاء وتدمير الدولة وضياع الهوية؟ ماذا نقول عن الذين يمنعون أن نربى أطفالنا على حب الوطن وتحبه العلم والتغنى بالنشيد الوطنى؟ انهم يسرقون وينهبون الأوطان، ويفقدون الوطنية ويكرهون الحياة ويفضلون الموت بطريقة يحرمها كل دين وعرفها وقانون، وهو الموت بتفجير أنفسهم، انه نوع من الانتحار الخسيس الذى تحرمه كل الأديان والأعراف والنظم، وهل هناك عدم احترام للإنسانية أكثر من هذه الطريقة، انتحار وقتل أبرياء!!
اذا لم تكن الدنيا جميلة فطظ فيها، لقد خلقنا الله عز وجل على أحسن صورة، ثم ميزنا عن الحياء والكائنات بالعقل الذى هو أثمن هدية للبشر، لكننا للأسف إستغنينا عنه وأصبحنا كالحيوانات غر الأليفة المتوحشة نقتل ونذبح بعضنا، ونخطف الطعام من أفواه الآخرين، وندفع بالأمراض إلى البشر الآمنين. لم تعد الدنيا جميلة كما كانت ذهب الزمن الجميل الذى كان يتغنى فيه عبد الوهاب بكلمات رامى الجميلة: يادنيا يا غرامى، أصبحت الدنيا مأساة وجرائم وحروب وقتل وسرقة ونهب واغتصاب، المهم أن الدنيا مليئة بالخير والطعام والشراب وكل شئ، لكن طمع وجشع الإنسان هو الذى أوصلنا إلى هذا الوضع المزرى والحالة الحزينة الباكية.
ومع كل هذا الفساد والعذاب والجرم إلا أننى مازلت متفائلا بغد أفضل بمستقبل يعيد العقل للإنسان ليحترم نفسه فيحترم الآخر، لأن الواقع أننى آخر بالنسبة لغيرى وهو آخر بالنسبة لى، وكلنا بشر يجب أن نعيش معا ونساعد بعضنا، ونشد من أذرنا، والحياة جميلة رائعة لو فهمناها وتذوقناها وفلسفناها أيضا.
لقد سبقنا الفرنسيون فعرفوا أن الحياة فترة قصيرة من هنا تمتعوا بها وطلبوا من الآخرين ذلك.
ولأنى متفائل وأؤمن بعقل الإنسان، هدية الله للبشر سأستمر فى الغناء سأغنى: يا دنيا غرامى .. والحياة حلوة بس نفهمها.. ويا حلاوة الدنيا ياحلاوة يا حلولو يا حلاوة.