ما أعجب الإنسان الذي بالرغم من تقدمه العلمي والحضاري، يعيش أحياناً حياة خالية من أبسط القيم الإنسانية.أن تعاملات الناس مع بعضهم البعض، تكشف أحياناً عن مشاعر طيبة، لكنها أيضاً تكشف عن أنانية وجحود وقسوة تصل إلى حد الوحشية.أن الذين يقدمون لنا الورود أقل كثيراً من الذين يزرعون في طريقنا الاشواك.
فالتعامل مع الآخرين فن! وفن يحتاج إلى تدريب، وكلما زادت تجاربنا في الحياة، زادت قدراتنا على حسن التعامل مع الغير، فتزيد صداقاتنا عدداً وتزيد علاقاتنا الودية عمقاً ومودة. ولإجادة هذا الفن، لا بد من أن نبدأ بالتعرف على أنفسنا، ونتعامل معها بموضوعية وبصدق وبصراحة كاملة…
ويأتي تعاملنا مع الآخرين على أساس مقدرتنا العقلية والنفسية وخبراتنا، وهي التي تعتمد على الملاحظة والتفكير، فننفذ إلى عقولهم، ثم نتصرف على أساس علمي ومنطقي دون أهمال الجوانب النفسية والعاطفية.و لكي تكون معاملاتنا متميزة، لا بد أن يكون جوهرها الحب، وإطارها الأمل، وهدفها الخدمة والخير للآخرين، ولأنفسنا.
فالإنسان… بين التعامل والتقارب أو العكس! والتقارب أو التواصل هو درجة أعمق لعلاقاتنا بالآخرين.
وكل إنسان يحتاج لأن يكون متقارباً من شخص أو أكثر. والسبب أن كل واحد منا يصبح له كيانه البشري من خلال التقارب.فالتجربة الأولى للحياة كانت التسعة الشهور داخل رحم الأم. ثم أمدنا البيت بتغذية سيكولوجية، بالدفء والنماء، والشعور بالأمان، والتقبل، والحب.ولكي نستمر في تلقي كل تلك المشاعر البناءة نحن في حاجة إلى تقارب أكبر من التقارب البدني، يكون بالدرجة الأولى تقارباً شعورياً.
والتقارب يعطي أحساساً بالدفء، والمشاركة، والتفاهم. وهي مسألة حيوية لكياننا كإنسان، أن نعرف أنه يوجد في الدنيا شخص واحد على الأقل يفهمك ويهتم بك، فتستطيع أن تواجه تحديات الحياة اليومية.وربما يجعلنا التقارب نمر بتجربة أليمة، تنتهي بخيبة الأمل، والرفض، فنعتقد أن التعامل عن بعد يكون أكثر أماناً…
ولكي تثمر معاملاتنا صدقات، ووداً لا بد أن نكرس من أنفسنا لخدمة الآخرين.. بالحب.. وأول هدايا الحب للآخرين، الأبتسامة الصادقة، نابعة من أعماق القلب المحب، الصافي. تليها التحية المشرقة، والمصافحة المخلصة الحارة، فينتقل حبك للآخرين. يقولون أن الحب يكمن في راحة يدك. بعدها يأتي دور مدح صفة في الآخر أو إنجاز عمل له.. لتبدأ علاقة مودة.
أن تعبيرات المحبة، وكلمات الشكر والتقدير والمجاملة ضرورية للآخرين، على أن نقولها بلباقة وحكمة. والكلام هو الوسيلة الأولى للتعامل مع الآخرين. ومن فضلة القلب يتكلم اللسان، وهو كآلة الصغيرة التي توجه السفينة الضخمة. أكد هذا المعنى المثل الشعبي “لسانك حصانك، ان صنته صانك، وأن هنته هانك”. وأكد الحكيم أن اللسان قوة للحياة وللموت. فاللسان يمكن أن يكون سبب تجديد أمل إنسان بالمدح والتشجيع والنقد البناء، أو يكون كالفك المفترس، بالإنتقاد الهادم.
أن حسن إنصاتك للآخرين، يحتم عليك التنازل عن الرغبة المستمرة في الكلام، فتتمكن من الإمعان والتأمل فيما يدور حولك، وتكتسب صفة التروي، ويسعد الطرف الآخر بعرض رأيه. اظهر مشاعر الأحترام والحب، وأعرض رأيك في لفظ مناسب، لين، وتعبير أنيق جميل.كما للسكوت وقت وللتكلم وقت، مع تحديد الهدف من الحوار، والتفكير قبل التحدث. ولا تصل بالسامع إلى حد الملل.فلا تتمركز حول ذاتك، وتجنب التحدث عن همومك بشكل دائم، وتجنب أيضاً الإستفسار عن الحياة الخاصة للآخرين.فيكمن سر النجاح في استيعاب وجهة نظر الشخص الآخر، ورؤية الاشياء من منظاره ومن منظارك معاً.
إذا وقعت في خطأ، واعترفت به، فسوف توقف الرياح عن مركب الحدة، وتوحي للآخر أن يكون لطيفاً، رحب الصدر مثلك.. فيبدأ التقارب في وجهات النظر.
أن ضمير المتكلم “أنا” و “ياء المتكلم” من أهم الكلمات في الشؤون الإنسانية، لكن الأفضل منهما استخدام “نحن” أو “أنتم”. فاحترم الرأي الآخر، وركز على النقاط التي تجمع بينكما، أما الأخطاء فالمسها بطريق غير مباشر.. وبرفق.. مع أبتسامة ودود، وصوت هادىء.
وأخيراً التعامل مع الآخرين فن يمكنك إتقانه، إذا اتبعت تلك القاعدة الذهبية التي تقول: عامل الناس كما تحب أن يعاملك الناس.فكن حساساً: الدفع أو الحث، ليس هو حمل الناس على عمل أشياء معينة. فالناس لديهم عقولهم الخاصة بهم، ونظرتهم إلى الحياة هي التي تجعلهم يقرون أن يتحركوا أو لا، أن يُدفعوا أو لا بناء على الأشياء القليلة التي يمكننا عملها للتأثير عليهم. كلما أمكننا أن نكون أكثر حساسية نحو الآخرين، زادت معرفتنا بكيفية رؤيتهم لإنفسهم، وبكيفية رؤيتهم لنا، وبالأشياء التي نستطيع أن نقولها أو أن نقدمها لهم. كلما كنا أكثر حساسية نحو شخص معين في زمن معين، أمكننا أن نتكهن على نحو أكثر دقة بالكيفية التي سوف يتصرف هو – أو تتصرف هي – بها في وقت معين، وموقف معين مستقبلاً، مما يساعدنا على التعامل معه بالطريقة التي تسعده أو تشجعه.
اعترف بفضل الآخرين،ما من آحد يحقق نجاحاً دون أن يعترف بمساعدة آخرين له. أن الحكماء والواثقين من أنفسهم يعترفون بتلك المساعدة بامتنان. وإذا كنت ترغب في أن تكون محبوباً كثيراً، فلا تكذب ابداً، وكن حريصاً على أن تقول الصدق بشأن الآخرين.قدم المساعدة ولا تتردد في تقديم المساعدة لمن يحتاج حسب طاقتك ولا تنتظر مقابلاً نظير خدمتك.