في حوار مع صديق قال لي: “قديما عندما كنت أتشكك في معلومات يقدمها إعلام الدولة كنت أتوجه للإعلام الغربي أما الآن فلا أثق في الإعلام الغربي”، تذكرت ذلك عندما كنت أجري حوارا مع الزميلة أميرة الطحاوي حول قضية فصلها التعسفي من الإذاعة الهولندية بسبب إصرارها تصحيح معلومة خاطئة ومهينة بحق الشعب المصري وردت في أحد تقارير الإذاعة. الأمر يحمل جوانب عديدة؛ فالإذاعة رغم وجود مقر لها في مصر مؤخرا، لكنها لا تزال تضرب بأحكام القضاء المصري عرض الحائط، كما إنها تعمدت ذكر معلومات خاطئة ومهينة عن الشعب المصري يذكرنا بموقف الإعلام الغربي من ثورة 30 من يونيو وحربنا على الإرهاب.
قضية أميرة وان كانت هي التي فجرت السؤال لكن كان لابد من فهم وجهة نظرها حول موقف الاعلام الغربي، فسألتها لتجيب: “لا أستطيع تحديد مقصدهم لكن واضح إن هناك درجة استخفاف من بعض المراسلين الأجانب، بالأخص من يعملون في الصحافة على هامش الدراسة أو بدون تخصص ودراسة كافيين، أو من يعاونهم من المصريين، وهذا – للأمانة- ليس قاصرا على الصحف وسائل الإعلام الأجنبية لكننا نجده أيضا في كثير من الصحف المصرية. فحينما تواجه دولة حديثة العهد بالحراك السياسي المكثف العديد من الأزمات -ففي خلال ثلاث سنوات أصبح لدينا كما مهولا من الأحداث السياسية- من الوارد حدوث أخطاء مهنية، لكننا لا يمكني التأكيد هل كل هذه الأخطاء مقصودة أم لا، فلكل قضية حكمها.”
وأضافت: “المشكلة التي قد تجدها واضحة لدى بعض دوائر المتابعين في الغرب بالنسبة للمنطقة بشكل عام وأوضاع المصريين بشكل خاص هو حالة من الاستخفاف والتسرع، كذلك القفز للتعميم بأوصاف تقترب من تطور النظم في مناطقهم، فهذا يسهل عليهم التعامل مع القضايا هنا، لأنهم لا يستطيعون أو لا يرغبون في بذل جهد أحيانا لربط التفاصيل المحلية وعمل تراكم”
أما عن قضيتها فقالت: “الأمر بدأ في نهاية 2009 عندما تم نشرت مادة مختلقة وغير دقيقة يوم 23 أغسطس في موقع الإذاعة الهولندية حيث كنت أعمل ، تلك المادة تحمل معلومات مغلوطة وتحمل خطاب كراهية وتعميم، ادعت فيه كاتبة المادة انتشار غشاء البكارة الصيني في مصر، وكان الخبر يحمل الكثير من الأمور المغلوطة والمهينة فكتبت صاحبته إن غشاء البكارة منتشر في مصر لان النساء المصريات *** والرجال المصريين يعلمون بذلك، وما إلى ذلك من الكلام المهين، أما كاتبة المادة فقد كانت تراسل مدير الإذاعة حديثا عن طريق شخص ثالث، وليست صحافية، وأرسلت وقتها بعض المواد المغلوطة للإذاعة، مثل موضوع متابعة ميدانية عن جامعة غير موجودة في مصر وأسماء كليات مختلقة، وحوار مع شخصيات وهمية ذكرت إنها موجودة في تلك الجامعة، والمدهش إنهم قد نشروا هذه المادة أيضا دون مبرر.
وعندما رأيت مادة غشاء البكارة بحثت في الانترنت واكتشفت إن الصورة مأخوذة من مدونة صينية في 2005 وبقية المادة تأليف، فطلبت أكثر من مرة الاعتذار أو رفع المادة (ولازلت أحتفظ بالمراسلات والردود) حيث كنت المسئولة عن نشر المواد على الانترنت لكنهم في الإذاعة أصروا بشكل غريب على إبقاء المادة، ولاحقا تعاملت بعض المواقع الصفراء مع الأمر باعتباره حقيقيا، وثارت ضجة، فنشرت التصحيح كاملا بالصور والتواريخ في مدونتي الإليكترونية وصحيفة نهضة مصر، ففصلتني الإذاعة تعسفيا وبشكل مهين حيث قاموا بإرسال رسالة لي تفيد بفصلي عن العمل وذلك في 14 يناير 2010.
فرفعت قضية عمالية عبر مكتب نبيل الهلالي للحريات استمرت أربع سنوات، وأعيدت للتقاضي مرة واستوفت مسارات التقاضي من نقض واستئناف وإعادة محاكمة إلى آخره، ورفعت إلى لجنة خبراء أيضا وصدق على الحكم بحصولي شهرين عن كل سنة عملتهم وذلك وفقا للقانون العمالي. راسلنا مكتبا حقوقيا في هولندا وقمنا بترجمة المادة الخاصة بالحكم النهائي للهولندية مثلما كل أوراق القضية سابقا، ونشرت بهولندا، كما وكلت مؤخرا إحدى المؤسسات الهولندية المعنية بالمساوة ومناهضة خطاب الكراهية لرفع قضية أخرى في هولندا.
سألتها : لماذا اقتصر طلبك على حكم عمالي فقط وليس تعويضا أدبيا منذ البداية، أليس هذا بخس لحقوقك؟ تقول الطحاوي ” لم يكن في ذهني سوى تثبيت حقي العمالي وفق القانون، أما أدبيا فقد افتضح أمر هذه المادة المسروقة والمختلقة، ونشر عن فضيحة الإذاعة تلك الكثيرون، وحتى مواقع صينية وإندونيسية وهولندية وسي إن إن الأمريكية وبالطبع جرائد عربية، ولم أكن لأترك حقي بعد سنين من العمل في مجال الحقوق والحريات، وإعطاء إشارة لأية مؤسسة محلية وأجنبية في مصر بأن هناك قانون للعمل في مصر ويجب أن يحترم حقوق الشغيلة، كما أوجه رسالة من خلال تلك القضية لكل العمال إنهم يستطيعون أن يحصلوا على حقوقهم من أي مؤسسة أرادت أن تبخس بحقوقهم حتى لو كانت أجنبية، عليهم أن يناضلوا بثبات طالما واثقين من صحة موقفهم القانوني، والأمر ليس مجرد جدل في الإعلام فقط”.
أما وجدي عبد العزيز مدير مركز الجنوب لحقوق الإنسان –أحد المراكز المتضامنة مع أميرة الطحاوي في قضيتها- فقال في نفس الموضوع: “تعتبر المتابعة الإعلامية لوسائل الإعلام الأجنبية غير محايدة وبالإنجليزية biased أي غير موضوعية ومنحازة وتعبر عن مصالح ملاكها أيا كانوا.وكان الإخوان المسلمون مثلا قد أعلنوا إنهم يسيرون تبعا لهذه المصالح وتقديم كل غالي وثمين في خدمة حماية هذه المصالح فلذلك اعتبروا خسارة مرسي لكرسي الرئاسة خسارة كبيرة لهم ومازالوا يدافعون بكل غباوة عنهم ولا ينظرون إلى ما يفعلونه هناك إرهاب نواجهه في مصر منذ حرق الكنائس في 14 أغسطس واضطهاد للمسيحيين ومنعهم حتى من التصويت في الانتخابات إلا إن هذه الأحداث لا يراها الإعلام الغربي إنهم فقط يرون ان الإخوان المسلمين تم اضطهادهم ويتم سجنهم ويتم معاقبتهم على لا شيء وفي الواقع هم فعلوا الكثير ضد مصر.”
وأوضح وجدي إنهم في المرحلة الحالية سيحاولون لفت نظر الشعب من خلال الإعلام إلى القضية وأبعادها المختلفة حتى تشكل قوة ضاغطة يمكن من خلالها استرجاع حقوق الصحفية أميرة الطحاوي وإجبار الإذاعة إلى الامتثال للقانون.