تحت شعار “أعطيني لأشرب “، أفتتح أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس في كنيسة مار أفرام السرياني في الأشرفية، شرق العاصمة اللبنانية بيروت، بمشاركة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، بطريرك السريان الأرثوذكس إغناطيوس أفرام الثاني بطريرك السريان الكاثوليك إغناطيوس الثالث يونان، كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأول كشيشيان، بطريرك الأرمن الكاثوليك نرسيس بدروس التاسع عشر، ولفيف من الأساقفة والكهنة وممثلين عن مختلف الكنائس.
وألقى بطريرك أنطاكية للسريان الأرثوذكس كلمة قال فيها: “لقاء عادي قد يتكرر كل يوم، يقود إلى أمر غير طبيعي وفرصة قد لا تتوفر مرة أخرى: رجل يجلس أمام بئر ينتظر من يخرج له ماء من البئر ليشرب. وإذا بامرأة تتقدم كعادتها تدلو بدلوها لتأخذ الماء إلى بيتها. إنه رجل غير كل الرجال، لأنه مصدر ماء الحياة وهو يطلب ماء ليروي ظمأه. وهي امرأة غير كل النساء، هي امرأة ملتزمة بتعاليم دينها وعادات مجتمعها، تكن العداوة لمن يختلف معها بمعتقداتها. إنها امرأة مليئة بالأسرار حتى أنها تبادر بعد اللقاء فتقول للناس عن السيد أنه “قال لي كل ما فعلته”.
أضاف: “في لقائه معها، كانت المرأة السامرية تارة تتحجج بأنه يهودي وهي سامرية متعجبة أنه يطلب منها لكي يشرب، وتارة أخرى تعتذر أن البئر عميقة ولا يوجد دلو. تارة تجادله في ما إن كان أعظم من إبراهيم، وأخرى تستفسر منه إن كان نبيا؟ فلم تعطه طلبه، بل غرقت في حالها الخاطئة، واهتمت بالإجابة عن أسئلتها الدينية بدل أن تعطيه مطلبه.
وتابع: “الكنائس أيضا أنشغلت بتقديم الأعذار، والبحث اللاهوتي المعمق، والتدقيق على تفاصيل الأمور، ناسية مسرة الرب يسوع التي هي في وحدة الكنيسة. كذلك، تحجج البعض بالاختلافات اللفظية وأعطوها الأهمية الكبرى. وآخرون برروا عدم بلوغ الوحدة بعدم توفر الآلية التي تضمن الحفاظ على ما جاهد في سبيله الآباء، حتى وصلنا إلى زمننا الحاضر. واليوم، لا نستطيع أن نستمر منقسمين، بل علينا الوصول إلى وحدة مسيحية لإرضاء الرب، ولنشر رسالة الكنيسة في كل العالم”.
نحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى الوحدة التي صلى من أجلها المسيح قبيل آلامه: “ليكون الجميع واحداً” (يو 17: 21). ففي عالم يزيد تباعده عن الله، ويواجه فيه المؤمنون الأفكار الإلحادية من جهة والإيديولوجيات التكفيرية من جهة أخرى تسيطر على فكر وتصرفات الكثيرين من الناس، وخاصة الشباب منهم، لا يمكن لكنيسة المسيح أن تؤدي رسالتها السامية وأن تخدم الغرض الحقيقي من تأسيسها، إلا عبر العمل معا بشكل موحد في سبيل تقديم شهادة واحدة لشعب الله في كل مكان.
واليوم، نكرر هذه الدعوة ونمد يدنا إلى إخوتنا أصحاب القداسة والغبطة والنيافة والسيادة جميعاً داعين إلى العمل الجدي والحثيث لإتخاذ الخطوات العملية اللازمة لتوحيد عيد القيامة، فيكون دليلا على وحدتنا. وما المانع من توحيد عيد الفصح في الشرق مثلاً؟”.
وشكر الله “أن الوعي إزداد بين المؤمنين أن الانقسام والتشرذم يشكلان خطراً كبيراً على الكنيسة. فصار بيننا يقين أن الوحدة المسيحية تكمن في الوقوف معا كمسيحيين موحدين بتعليم الرب يسوع النابع من الإنجيل المقدس وكتابات الآباء الأولين. فالرسول بولس يؤكد: “رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة” (أف 4: 5). عندما نعيش هذا الإيمان الواحد، لا يبقى للأنانية ولا للكبرياء مكان. فتنتفي الانشقاقات ويتقوى موقف المؤمنين بالتصدي للإلحاد وثقافة الكراهية، وبمكافحة المادية وتفشي الخطيئة، هذه الأمور التي انتشرت بكثرة بين صفوف المؤمنين وباتت تهدد القيم والأخلاق في المجتمعات بل الحياة والإنسانية. من هنا تأتي أهمية الصلاة المشتركة من أجل وحدة الكنيسة، وكذلك الصلوات الفردية والجماعية التي يجب أن ترفع كل يوم”.
و أختتم: “إن موقفنا المسيحي الواحد ليس فقط حاجة إيمانية تظهر ارتباطنا العضوي بالرب يسوع وببعضنا البعض، ولكنه حاجة ملحة لتلبية متطلبات الشهادة الحقة عن الرب يسوع ولتنظيم علاقتنا مع شركائنا في هذا الوطن العزيز لبنان. ولعل عجز المسؤولين عن إنتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك العجز عن الوصول إلى قانون للانتخابات البرلمانية مقبول من الجميع، خير دليل على ضرورة توحيد الجهود وتنسيق المواقف بين مختلف الأطراف المسيحية، فنستطيع معا مد اليد إلى الإخوة المسلمين والعمل معا على خدمة لبنان وخدمة المواطن”.