يحتفل المواطنون المصريون الأقباط برأس السنة الميلادية، وعيد ميلاد السيد المسيح (عيسي بن مريم)، من يتأمل كيف ولد السيد المسيح، سيجد أن السيدة العذراء مريم كانت حبلى في الشهر الأخير.. واصطحبها خطيبها يوسف النجار من الناصرة إلى مدينة بيت لحم، وذلك من أجل التسجيل في محل الميلاد استجابة لأوامر الامبراطور الروماني “يوليوس قيصر”.
ولم يجدوا أي مكان خالي في فندق من فنادق بيت لحم، فوضعت العذراء مريم طفلها في مزود للبقر!!
هكذا جاء ميلاد السيد المسيح في استجابة لمهمة وطنية (التسجيل في الموطن الأصلي)، ومن ثم تحققت النبؤات “يا بيت لحم، أرض يهوذا، ما أنت الصغرى في مدن يهوذا، لأن منك يخرج رئيس يرعي شعبي” ـ (انجيل متي /2ـ6ـ) ،أي أن الحدث في ذاتة يشير إلى اقتران الحدث الوطني بالنبؤات المقدسة، ويستدعي ذلك ما يتردد في صلوات القداس الإلهي :(تجسد وصار انسانا وعلمنا طريق الخلاص) بمعني أن ميلاد السيد المسيح كان حدث إلهي وحدث وطني في نفس الوقت، ليعلمنا أن القيام بالمهام الوطنية هو عمل مقدس.
ومن هذا المنطلق تأسست وطنية الكنيسة المصرية، حتى أن في تسميتها (الكنيسة القبطية الارثوذكسية) يسبق لاهوت الوطن “القبطية” لاهوت العقيدة “الارثوزكسية” ، ولم يكن غريباً أن باباوات تلك الكنيسة كانوا الأكثر وطنية: كيرلس الخامس نفاة الانجليز إلي دير البراموس 1890 وحتي 1891 لوطنيته ضد الاستعمار الانجليزي ومؤازرته للزعيم أحمد عرابي إبان الثورة العرابية 1882
وكذلك احتجز البابا شنودة الثالث في دير الانبا بيشوي لمعارضته السادات في زيارة القدس والتطبيع مع اسرائيل 1980ولمدة خمس سنوات. واخيرا المواقف الوطنية للبابا تواضروس الثاني “المفرط في الوطنية” ، حينما قال بعد حرق الارهابيين للكنائس في أغسطس 2013:(هذا ثمن الحرية ) وأضاف :(وطن بلا كنائس خيراً من كنائس بلا وطن)..
وعلي تلك المبادئ “الوطنية المسيحية ” والتي انبثقت من ميلاد المسيح، تصدت الكنيسة الوطنية لاضطهاد المحتل الروماني ودفعت أكثر من ثلث أبناء مصر من المسيحيين ولم ترد العنف بالعنف، وظهرت الرهبنة في مطلع القرن الرابع كحركة روحانية وطنية ووقفت الكنيسة الوطنية مع أبناء الوطن من المسلمين ضد الصليبيين رغم انهم من نفس الديانة، وكان الأقباط في طليعة الشعب المصري في ثورتي القاهرة الأولي والثانية ضد الحملة الفرنسية، وكذا في ثورة 1919، وحارب الأقباط الاستعمار الصهيوني وشاركوا بدمائهم في تحرير الأراضي المحتلة ١٩٧٣، والأن يساهم الأقباط في إعادة ميلاد الدولة منذ ثورة 30 يونيو ، ويتخذون من وطنية ميلاد المسيح نبراساً وقدوة ، هكذا يرتبط الوطني بالمقدس، وتظل مصر كما قال البابا شنودة تعيش فينا لا وطن نعيش فيه.
سليمان شفيق