قالت لى الفتاة المهذبة الجميلة ذات العشرين ربيعاً..
(أن جيلنا يعيش فى عالم غريب ليس عالمنا، لقد أخطأ أبواى عندما ربياننى وعلمانى الأخلاق والأدب وضرورة الابتعاد عن العيب بكل طرقه ووسائله منذ طفولتى!
أننى أجد نفسى غريبة فى الشارع وفى المدرسة وفى الجامعة وحتى فى النادى، الكل يتعامل معى بطريقة فجة بعيدة عن الذوق أو اللياقة، الكلمات نفسها المستعملة كلمات سيئة غير مفهومة، أما الشتائم فهى بذيئة جارحة معيبة تدفعنى إلى التعجب والرعشة، تصور أن تقذف فتاة زميلتها بشتيمة جنسية صارخة أمام الجميع ولا تشعر بخجل أو بشئ اسمه العيب! لقد أصبحت شتيمة.. ابن كلب.. مهذبة جداًّ، الشباب يمدح مع بعضه بكلمات صارخة قاسية جنسية ودينية وأبوية يشيب لها الوجدان..).
قلت لفتاتى المتطلعة للحياة.. لا تفقدى ثقتك بأسرتك ووالديك لأنهما سهرا على تربيتك لتكوني فتاة مصرية مهذبة تزهو بك بلدك أم فتيات الدنيا كلها، هناك مثلك كثيرات لكنك لم تلتق للأسف إلا بالأخريات غير المهذبات واللاتى تعلمن من الشارع العيب والخروج عن الأخلاق، لقد تعرض مجتمعنا المصرى فى عشرات السنوات الأخيرة لهزة أخلاقية وفساد طال كل عناصر الحياة وجوانبها، ولم يعد العيب عيباً للأسف، انتشر الفساد فى الاقتصاد والسرقة والنهب واغتصاب المال والنساء والأطفال، وقتل الابن أباه، وقتلت الأم أبناءها، وقطعت الزوجة زوجها، أصعب من ذلك وأخطره أن يغتصب الأب ابنته! إنها أحداث جسام تدفعنا إلى اليأس من هذه الحياة التى فقدت أجمل ما فيها وهو الحب والرحمة والإنسانية الحقيقية!
لكننا لا يمكن أن نفقد عقولنا وإيماننا بالله، إننا نعلم أن هذه الهجمة الشرسة من الهمجية وقلة الأدب والإباحية والفساد ستنتهى وتذهب وتختفى إلى غير رجعة، لأنه فى النهاية لا يصح إلا الصحيح.
من نماذج العيب فى حياتنا أنه ليس فقط فى سلوك الشباب والأفراد ورجل الشارع، بل وحتى فى الشعارات التى يكتبونها على وسائل المواصلات، فقد قرأت عبارة مكتوبة على توكتوك صغير تقول:
بطل حسد يا ابن مرات الأسد!
أليست هذه عبارة معيبة يحاسب عليها القانون وهى موجودة ليل نهار فى الشوارع يقرأها الناس دون أن يحاسب أحد من كتبها، أو على الأقل يأمر صاحبها أن يمحوها من على التوك توك حفاظا على الأخلاق.
الغريب أن يطول هذا العيب المثقفين أو أشباه المثقفين، فما معنى أن يصدر كاتب كتاباً تحت عنوان: أمك اسمها حنفى..!
هل هذا أدب ساخر أم قلة أدب؟!
وهل ضاق هذا الذى يعتبر نفسه كاتباً أن يجد عنواناً آخر لا يمس الأم.
حقيقة أنه لم يعد العيب عيباً هذه الأيام والسنوات العجاف، لكن الحياة لا تستمر أبداً مع الفوضى والأباحة وقلة الأدب والهجمية وانما الحياة تستمر مع الحب والسلام والأدب والذوق، وكلمة حضارة جاءت من كلمة (سيغيلتى) أى رقة التعامل بين الإنسان وأخيه الإنسان، ورقة التعامل لا تعرف إلا الكلمات الرقيقة مثل.. من فضلك.. بعد إذنك.. لو تسمح.. أشكرك.. يا ابن الناس الطيبين.. الله يعمر بيتك.. يحفظ الله عمرك وعمر أبويك.. أسعد الله أوقاتكم.
ابنتى وفتاتى العزيزة.. انطلقى فى حياتك متمسكة بكل القيم التى تربيتى عليها والأخلاق الكريمة التى هى سمة الشعب المصرى وستجدى السعادة بين يديك، وسيذهب كل الذين يؤمنون ويسلكون بالعيب إلى الجحيم ، فالحياة تكره العيب ولا تعرفه، وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا.