يعرب المركز المصري لحقوق الانسان عن خيبة أمله بعد ظهور عدد من المؤشرات التي تدفع بمزيد من الخطوات القمعية على حساب حقوق الانسان والحريات العامة للمجتمع واختلاط المفاهيم بين محاربة الارهاب وانتهاك الحريات واستمرار غياب الشفافية فى حرية تداول المعلومات مع تراخى الحكومة عن حل عدد من مشكلات المواطنين الآنية بدعوى عدم توافر الامكانات اللازمة.
ويري المركز المصري فى ذكري اليوم العالمي لحقوق الانسان أن هناك خطوات تصعيدية من الحكومة تجاه منظمات المجتمع المدني والتعامل بندية مع هذه المنظمات ، وبدلا من تحقيق تعاون مشترك بين الطرفين لخدمة المجتمع عادت لغة التخوين والعمالة تظهر من جديد وتشويه سمعة المنظمات الحقوقية فى وسائل الاعلام واتخاذ قرارات واعداد مشروعات قوانين لكبح جموح هذه المنظمات والتي تعمل فى الأساس على تبنى حقوق المواطنين والدفاع عنها واقتراح مزيد من القوانين والبدائل لتعديل الاوضاع الراهنة للأفضل، وبالرغم من الانتقادات التي تعرضت لها مصر خلال جلسة المراجعة الدورية لحقوق الانسان فى نوفمبر الماضي بشأن هذا الملف إلا انه حتى الآن لم تصل الرسالة بعد ولا تزال الانتهاكات تتوالى .
ويؤكد المركز المصري على أن جلسة المراجعة الدورية بما انتهت إليه من توصيات تؤكد ان أوضاع حقوق الانسان داخل مصر تسير عكس طموحات المواطنين وأن الجلسة التى ستخضع لها مصر فى مارس المقبل لتقديم ردها على التوصيات النهائية التي بلغت 300 توصية لن تخرج عن تقديم مزيد من الوعود والتعهدات لتعزيز أوضاع حقوق الانسان وتعديل ما يتطلب من تشريعات خاصة وانه فى ظل غياب البرلمان المنتخب لن تفلح الحكومة فى الوفاء بالتعهدات وستضطر الانتظار حتى يتم انتخاب برلمان واعداد حزمة من التشريعات لتعديل وضع مختل ومناخ قلق وتلبية تطلعات مواطنين ينشدون الحرية والاستقرار . مشيرا إلى أن المجتمع المصري شهد عدد من الأحداث المأساوية خلال عام مضي ووقع عشرات من الضحايا نتيجة أعمال ارهابية جبانة وخسيسة لا تتصل بالأديان وتعاليمها السمحة ولكن فى ظل خطابات تعزز من الكراهية وتحض على العنف مع عدم قيام المؤسسات الدينية بدورها في مكافحة التطرف وسط تغييب القانون واستمرار العمل بجلسات الصلح العرفية، ومحاولة مواءمة تيارات اسلامية على حساب مفاهيم الحق والعدالة والمساواة ساهمت فى تأجيج النعرات الطائفية والمذهبية وانقسام المجتمع ما بين الحديث عن الانقلاب وما بين الثورة الشعبية ، وتناسي الجرائم التى وقعت فى عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي وما شهده فترة حكمه التى لم تزد عن عام من التعدى على الدستور والقانون وتقسيم المجتمع وتأجيج النعرات الطائفية والمذهبي، حتى اقترب المجتمع من الوقوع فى حرب اهلية .
الواقع يوضح ان فترة مرسي تعد من اسوأ فترات حكم مصر بعد ما شهدته من الاعتداء على الدستور والقانون وقمع الحريات والتحريض ضد المعارضين، والاعتداء عليهم وعدم الاعتراف بالتعددية الحزبية وقمع المنظمات المدنية مما يعد ردة فى سجل الحريات وحقوق الانسان , و ان المجتمع ايد الثورة الشعبية فى 30 يونيو 2013 وهو يعمل جاهدا على استعادة الدولة الوطنية الدستورية الحديثة وتعزيز الحريات وحقوق الانسان وبناء دول المؤسسات وخاصة البرلمان والفصل بين السلطات، وتأكيد الحاكمية للشعب عبر صناديق الانتخاب مع خطوات حقيقية ترسخ من الديمقراطية وتعزيز التداول السلمى للسلطة وانه بفعل عوامل طارئة جنح المجتمع بعيدا عن أهدافه خلال الأشهر الأخيرة ويأمل المركز أن يتم عبوره فى اسرع وقت كى يواصل الشعب المصري طريقه نحو الدولة الدستورية العادلة التى ينشدها.
هذا ويؤكد المركز المصري على أن هناك مزيد من الخطوات التى لابد من اتخاذها لتعزيز أوضاع حقوق الانسان ومنها احترام الحكومة للحق فى السكن خاصة وان المشروعات التى أعلنت عنها مؤخرا لا تتماشي مع دور الدولة فى توفير مسكن ملائم لكل مواطن وأن هذه الخطوات اقتصرت على مزاحمة القطاع الخاص فى بناء وحدات سكنية وبيعها بأقل قليلا من سعر السوق ولكنها فى ذات الوقت تفتح باب المجال أمام ارتفاع الأسعار بشكل جنونى ومزاحمة الحكومة للقطاع الخاص وبدلا من طرح وحدات بأسعار مناسبة واقل كثيرا من سعر السوق لوضع حد لشطحات الشركات الخاصة ، عجزت الحكومة عن توفير البديل واستمرت على نهجها المستمر لسنوات مضت فى التخلي عن توفير هذا الحق للمواطنين.
كما تراجعت الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين وبالرغم من نص الدستور على ميزانية أعلى قليلا عن المعهود للصحة إلا أن هذا الأمر لم ينعكس على حياة المواطنين وعلاجهم داخل المستشفيات الحكومية، ولا تزال المستشفيات الخاصة تتحكم فى المواطنين وتفرض مبالغ باهظة للعلاج والخدمات وفى كثير من الأحيان يشترط على المريض الدفع أولا قبل أن يحصل على العلاج حتى ولو كان على مقربة من الموت نتيجة التلكؤ فى العلاج . فضلا عن تراجع الخدمات التعليمية مع انتشار الاهمال فى المدارس ووفقا لتقارير المركز الشهرية بشأن رصد أوضاع حقوق الانسان فى المدارس يتم رصد عشرات من قضايا الاهمال والتراخي وسقوط التلاميذ قتلى ومصابين نتيجة هذا التراخي وعدم محاسبة المتورطين فى هذه الجرائم والاكتفاء بتحويل بعضهم لعقوبات ادارية هزيلة مع تغييب حقيقي للقانون إلى جانب تراجع المحتوي التعليمي الذى يحصل عليه التلاميذ وعزوف التلاميذ عن الذهاب إلى المدارس والاعتماد بشكل أساسي على الدروس الخصوصية فى وضع شاذ وضار وغير معقول وهو ما يكشف عن الترهل فى الجهاز الاداري للدولة وخاصة فى قطاع التعليم وهو ما يتطلب معه وقفة حازمة وجادة لإنهاء هذه السلوكيات الخاطئة.
ويشير المركز المصري لحقوق الانسان الى أن حالات نشر العنف ضد الاخر المختلف سياسي أو دينيا او مذهبيا تتزايد فى الوقت الذى تلعب فيه بعض وسائل الاعلام على نشر الفرقة فى المجتمع لحساب الاثارة والحصول على انتشار أوسع دون مراعاة السلم الاجتماعي وحق كل المصريين فى بناء وطنهم دون تفرقة أو تمييز كما تعانى حرية التعبير والابداع لمضايقات عديدة وعودة مصطلحات التخوين والعمالة مع المختلفين فى الرأي يهدد بعودة خفافيش الظلام ودعاة الدولة الرجعية.
ويهيب المركز فى ذكري الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان كافة مؤسسات الدولة للانتصار لدولة القانون والمؤسسات، واحترام وتعزيز حقوق الانسان والمواطنة والعمل سويا على مواجهة الحرب الشرسة على حقوق الانسان ومخاطبة الحكومة وكل الأجهزة التنفيذية بالدولة بتطبيق احترامها لحقوق الانسان بشكل عملي بعيدا عن الشعارات أو الخوض فى النيات من أجل وطن أفضل لكل المصريين واحترام وصون الكرامة الانسانية والعدالة والحرية والعيش الكريم .. تلك الشعارات التى خرج من اجلها المصريين فى 25 يناير 2011، وكذلك فى 30 يونيو 2013.