أصدرت المؤسسة العربية للمجتمع المدنى بيان بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان قالت فيه : يأتي اليوم العالمي لحقوق الإنسان والذي يتواكب مع مرور 66 عاما فيه على إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول وثيقة عالمية تتوافق عليها بلدان العالم في هذا المجال ، ليؤكد على عدد من المبادئ الرئيسية : ان حقوق الإنسان لا تتجزأ فحقوق الإنسان ككل منظومة واحدة لا ينبغي تطبيق بعضها والالتزام به وإهمال البعض الأخر ، وإن حقوق الإنسان مترابطة وتعامل على قدم المساواة وبشكل خاص يجب العمل على تنفيذ الحقوق المدنية والسياسية و نظيرتها الاقتصادية والاجتماعية ، ولا يجوز التعلل بالظروف الاقتصادية كمبرر لاهمال تطبيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي مقدمتها الحق في السكن العمل والتعليم والصحة ، ولا يجوز التركيز من بعض البلدان على توفير حقوق مواطنيها الاقتصادية واهمال الحقوق السياسية والمدنية وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير والحق في المشاركة السياسية والحق في التنظيم والحق في العقيدة والحق في توفير المعلومات ، والحق في التماس الأنباء والحق في الحرية والحق في الحياة والحق في سلامة الجسد.
وإن محاربة الإرهاب لا ينبغي أن تكون على حساب الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين ، وينبغي تطبيق الظروف الاستثنائية في أضيق الحدود ولا تمس حقوق المواطنين الذين يعبرون عن أرائهم بشكل سلمي.
وتأتي هذه الذكرى في ظل عرض الاستعراض الدوري الثاني للحكومة المصرية أمام مجلس حقوق الإنسان في 5 نوفمبر الماضي حيث قدمت 125 دولة ما يزيد عن 300 توصية للحكومة المصرية خاصة بتعديل القوانين والتشريعات المتناقضة مع حقوق الإنسان والتصديق على الاتفاقيات والمواثيق الدولية والبروتوكولات الملحقة بهذه الاتفاقيات ، والتأكيد على الحق في التنظيم والتجمع والتظاهر السلمي والمحاكمة العادلة.
وفيما يتعلق بتجاوب الحكومة المصرية مع مبادئ حقوق الإنسان هناك عدد من الملاحظات ، على المستوى الداخلي فقد ظهرت عدد من التطورات منها صدور حكم محكمة الجنايات منذ أسابيع ببراءة الرئيس الأسبق مبارك ونجليه ووزير الداخلية فضلا عن 6 من معاونيه بالبراءة لأسباب مختلفة ، وتثير هذه الأحكام فكرة غياب المحاسبة ومساءلة منتهكي حقوق الإنسان عن جرائمهم حتى لو تم التغطية عليها من خلال تغييب المعلومات وقصور تحقيقات رجال الأمن او اعضاء النيابة العامة ما بعد ثورة 25 يناير و30 يونيو .
والسبب الرئيسي لعدم إقرار مبدأ المحاسبة والمساءلة لرجال الشرطة وكل المسئولين عن الجرائم التي ارتكبت في أعقاب ثورة 25 يناير أفرادا او جماعات نظامية أو شعبية هو غياب تطبيق مفهوم العدالة الانتقالية بشكل صحيح والذي يركز على عدد من المحاور أهمها : البحث عن الحقيقة من خلال تكوين لجان الحقيقة ، المحاسبة والمسائلة لمرتكبي الانتهاكات ، جبر الضرر والتعويض لاسر الضحايا والمصابين وتأهيلهم ، الإصلاح المؤسسي وبشكل خاص للمؤسسات الأمنية والقضائية ، أحياء ذكرى الضحايا ، غلق ملف الماضي ، وهو ما لم يحدث ، وبسبب ذلك صدرت أغلب الأحكام بالبراءة على الضباط المتهمين بقتل من شاركوا في ثورة يناير 2011 ، بعد افساد لكافة الأدلة التي تدين هؤلاء ، ثم تبرئة وزير الداخلية ومعاونيه من تهمة قتل المتظاهرين. وتبرئة الرئيس المخلوع مبارك استنادا لـتصرف ضمني من النيابة العامة بأن لا وجه لاقامة الدعوى متناسيا الظروف السياسية التي مرت بها الدولة المصرية في اعقاب تنحي الرئيس الأسبق .
من جانب أخر لا يزال كثير من الحقوق المدنية والسياسية تتعرض لانتهاكات بالغة وفي مقدمتها الحق في التجمع السلمي من خلال إصدار قانون التظاهر 107 لسنة 2014 والذي يضع عقوبات مغلظة على التظاهر بدون ترخيص ويمتلئ بعدد من المصطلحات العمومية والغامضة والتي تطيح بالحق الذي اكد عليه الدستور المصري وأن يكون بالإخطار .
كذلك يتعرض المجتمع المدني وفي القلب منه منظمات حقوق الإنسان لهجمة إعلامية وسياسية عنيفة الأمر الذي أدى إلى تعليق بعض منظمات حقوق الإنسان لعمله ونقل البعض الأخر لمكاتبه خارج مصر ، ولا زال قانون الجمعيات 84 لسنة 2002 سئ السمعة قائما رغم الانتقادات المحلية والدولية له بسبب القيود التي يفرضها القانون على العمل الأهلي .
ويمتلئ مشروع القانون الجديد بعدد من القيود الموضوعة على نشاط الجمعيات والمؤسسات الأهلية ، كما لا زال قانون الحريات النقابية موضوعات في الأدراج رغم كثير من التصريحات بقرب اصداره ، ويبدو أن الاعتراضات التي يضعها اتحاد الغرف الصناعية والاتحاد العام لعمال مصر شبه الرسمي تعطل اصدار القانون .
على صعيد أخر تتزايد الوفيات في مقار الاحتجاز وأقسام الشرطة بسبب ما يتعرض له المحتجزين من تعذيب داخل هذه الأماكن.
وعلى صعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدت وزارة محلب منحازة ضد الفقراء، وهناك توجه وواضح برفع الدعم عن الخدمات الأساسية خاصة الكهرباء والمياه وكذلك الوقود وهو ما قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي في بدايات توليه الحكم وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار مختلف السلع الأساسية.
كما طرحت وزارة الإسكان مشروع لإنشاء مساكن جديدة يضع اسعارا ضخمة لمن يريد التقدم للحصول على شقة من متوسطي الدخل في المدن الجديدة تصل إلى
400 الف جنيه ، فضلا عن بروز توجه لرفع أسعار استخدام وسائل النقل العامة ومترو الأنفاق.
في هذا السياق تنتهز ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان لتضع عدد من المطالب ومنها : أن يكون مهمة إصدار قانون للعدالة الانتقالية أحدى الألويات الرئيسية على اجندة مجلس النواب القادم حسبما يؤكد نص المادة 241 من الدستور بما يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة واقتراح اطر المصالحة الوطنية وتعويض الضحايا وذلك وفقا للمعايير الدولية وأن تكون مؤسسات حقوق الإنسان طرفا أساسية في وضع مشروع القانون ، الغاء قانون التظاهر وإصدار قانون جديد يؤكد على نصوص الدستور بأن يكون التظاهر بالإخطار ويتوائم مع الماقدة 73 من الدستور ، إصدار قانون ديمقراطي للجمعيات والمؤسسات الأهلية يؤكد على إنشاء هذه الجمعيات بالإخطار .
بالاضافة الى تعديل قانون العقوبات لكي يتواءم مفهوم التعذيب الوارد في القانون مع التعريف المذكور في الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب ، وقف الهجمة على مؤسسات حقوق الإنسان والتأكيد على استقلاليتها وحريتها في استخدام الشكل القانوني الذي تعمل وفقا له ، مع التأكيد على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية واتاحتها بأسعار معقولة تتلاءم مع حالة المواطنين الاقتصادية وفي مقدمتها حقوق السكن والعمل والصحة والتعليم.