لا تقل غرب سهيل .. بل قل فرودس على الارض يأسر الروح و العقل .. أجمل ما يمكن أن تراه فى مصر . أسم لم أكن أعرفه قبل زيارتى إلى أسوان الرائعة ، رحلت فى تفاصيلها بوجدانى قبل عينى ، و قبل أن تخطو قدماى على تراب هذه القرية القديمة ، تركت القارب لأصعد على إرتفاع عشرة أمتار عن سطح مياه النيل فوق سلالم صخرية ، هناك يستقبلك المصريون بالدف و الاغنيات ، عذوبة أصواتهم كالنيل تغسل النفس من هم الحياة على قسمات وجوههم إرتسمت أصالة المصرى و أحزانه العتيقة ، و فى أعينهم بدا التاريخ بعيداً عن أى تشويه فوق الحوائط رسموا الفتيات و الفتيان ، نقشوا الازمنة بالجير و الالوان ، زينوا بيوتهم الخاوية بالعرائس المصنوعة يدويا ، و آوا فيها التماسيح النيلية ، و أستقبلوا السائحين و تمسكوا بالوجود من أجل الخلود ، حينما تتجول فى غرب سهيل تعلم جيدا لماذا حزن النوبيون على قراهم التى هجروا منها عقب إنشاء الخزان و السد ، إنه النيل ذلك المارد الذى يحمل غلى العيون سحره و قوته و حنوه فى أن واحد .
إلى منزل الحاج عبد الشكور كاجو أصطحبنا الزميل الاعلامى خالد النوبى . فى مدخل المنزل مساحة أسمنتية ، إنها بيتاً يرقد فيه التمساح .
يقول خالد :” تربية التماسيح فى البيوت رغم خطورتها إلا إنها عادة متبعة ، و رغم إن تربية التماسيح مجرمة بيئيا إلا إنها أحد عوامل الجذب السياحى التى يأتى السائحون من أجل رؤيتها خصيصا إلى غرب سهيل .
نشأت القرية منذ نحو مائة عام عندما بدأ بناء خزان أسوان القديم عام 1902 وتعليته الأولى عام 1912 ،و نزح كثيرين من المقيمين بالجزر الواقعة جنوب الخزان إلى هذه المنطقة، ثم تحولت القرية لمصنع و بيت نوبي بعد قيام بعض شباب القرية بالعمل في المتحف الذي يحكي الحياة النوبية بكل معطياتها، فنقل الشباب ما شاهدوه في المتحف إلى أرض الواقع خاصة أن قرية غرب سهيل لم يطلها التهجير، ومعظم أهلها من النوبيين وهم الأقدر على حكي تراثهم وعاداتهم على الطبيعة.. بدأ الأهالي يعيدون بناء بيوتهم من جديد.
وتم وضع خطة بدأت بـ16 بيتا لجعلها مراكز لإنتاج وتسويق الحرف البيئية والشعبية، بجانب أماكن لضيافة السائحين، وإستكمالاً لهذه الخطة وصل عدد المنازل إلى 30 منزلا على النسق نفسه، بالإضافة إلى إنشاء مرسى سياحي على النيل بطول 60 مترا لاستيعاب الحركة السياحية الوافدة إلى القرية صيفا وشتاء .
من خالد النوبى الى الحاج عبد الشكور حملنا الشغف لنسمع حكاية التمساح فيقول الحاج عبد الشكور :” نأتى بالتماسيح من بحيرة ناصر و يكون التمساح حينها صغير الحجم جدا حتى نتمكن من تربيته يأكل كل أنواع اللحوم فيما عدا ثلاثة شهور بالشتاء ،يمتنع عن الطعام نهائيا، ولا توجد خطورة فى تربيته طالما لا توجد أسباب المثيرات ، كما نضع فوق البيت الاسمنتى له سياج من الحديد ، فهناك علاقة تربط بين النوبى القديم و التمساح ، و حينما ينفق التمساح نقوم بتحنيطه عن طريق تفريغ أحشائه و ملئها بالتبن او القطن و يظل كتحفة فنية للمشاهدة .
من المنازل النوبية إلى الخيام التى تبيع الاعشاب و العباءات ، بينما يقوم الشباب بحفر أسماء السائحين على ميداليات لها طابع نوبى يبيع أخرون عرائس المرأة المصرية بزيها النوبى الاصيل ، ينتشر بيع تلك العرائس فى كل ربوع اسوان فى مشهد يجعل المرء يتساءل إلى هذا الحد المرأة المصريةالنوبية و الصعيدية مكرمة حتى يشكلون التماثيل الخشبية على هيئة جسد إمرأة نوبية ، فتصنع لها العرائس و تباع للسائحين ، بينما فى العاصمة تهدر كرامتها .
تركنا غرب سهيل و قد تركنا بعض منا على أرض الصفاء لنعود إلى صخب المدينة ، تركنا بعض من أرواحنا من فيض إنتمائنا ، من صفاء الوجدان حيث يستقر النيل و يجرى لننقل المشهد بروعته هنا إلى أحرف و سطور تعجز عن وصفه مهما تمكنت بلاغتها .
[T-video embed=”dxZ3YVOKvoU”]